لن نرحل.. الفلسطينيون يواجهون اقتحام الاحتلال لمخيمات الضفة | سياسة
طوباس- تتجمع العائلات في الغرفة الأكثر أمانا داخل المنازل، وكل فرد فيها يأخذ ساترا لتجنب أي إطلاق نار مباشر أو شظايا التفجيرات التي ينفذها الاحتلال، وكي يتوارى عن رصد ومراقبة طائرات الدرون المسيرة التي تجوب سماء المخيم وأرضه.
وبهذه الشهادة لخَّص فؤاد صُبح من داخل منزله المحاصر -كما كل مخيم الفارعة قرب مدينة طوباس شمال الضفة الغربية– الحال الصعب التي يعيشونه منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي عمليته العسكرية هناك، والتي وصفت بأنها الأوسع والأعنف وحملت اسم “المخيمات الصيفية” حسب القناة 14 الإسرائيلية.
وعند منتصف الليلة الماضية، وبمشاركة وحدات مختلفة وبأعداد كبيرة للجنود، شنَّ جيش الاحتلال الإسرائيلي اقتحامات لمخيم الفارعة بمدينة طوباس ومخيم جنين ومخيم نور شمس في مدينة طولكرم، وسط تهديدات إسرائيلية بتوسيع العملية لتطال نابلس ومدنا أخرى بالضفة.
“الدرون” بين البيوت
ووسط حالة من الخوف والرعب افتعلها الاحتلال، يصمد المواطن فؤاد ويلازم -والسكان- منازلهم داخل مخيم الفارعة وبالكاد يتنقلون داخلها، ويتجنبون النظر عبر النوافذ خشية تعرضهم لنيران الاحتلال التي تشتد بين الحين والآخر.
ويقول فؤاد للجزيرة نت -واصفا حال المخيم- إن الحدث الأبرز شهدته بداية حارة “مسجد أبو بكر الصديق” وسط المخيم حيث يقطن وعائلته، وتخلله إطلاق جنود الاحتلال الرصاص الحي بكثافة، وألقوا العبوات المتفجرة خلال عملية الاقتحام والاشتباك مع المقاومين، مما أدى لتحطيم نوافذ المنازل.
وانتهج الجنود آلية اقتحام المنازل واحدا تلو آخر، وأحدثوا دمارا كبيرا بها بعد أن فجروا أبوابها واحتجزوا سكانها، وسط عمليات تحقيق ميداني وتفتيش كما العادة.
ويضيف المواطن أنه بينما تضج أصوات إطلاق النار والتفجيرات بالمكان “لا أحد منا يستطيع النظر من النافذة، وأمام منزلنا استشهد الطفلان مراد ومحمود مسعود نعجة، وأصيب والدهما وشقيقهما بقصف من مسيَّرة لا تبعد سوى أمتار قليلة عنهم، وظلوا مضرجين بدمائهم في الشارع إلى أن تمكنت طواقم الاسعاف من نقلهم”.
وعن اقتحام منزله، أفاد المواطن أنه وقرابة السادسة والنصف صباحا اقتحم جنود الاحتلال منزله وأخرجوه وعائلته المكونة من 9 أفراد بينهم أطفال إلى منزل الجيران، ومكثوا بداخله نحو ساعتين، فتشوه خلالها بشكل دقيق وفككوا بعض نوافذه.
إنزال مروحي
وقبيل منتصف الليل، شعر المواطنون في مخيم الفارعة ومحيطه بحركة غريبة للطائرات الإسرائيلية المسيّرة، ليبدأ الاحتلال بعد ذلك عملية إنزال للجنود من المروحيات العسكرية في مناطق سهل سميط جنوب المخيم وكشدة شماله، حيث توغل الجنود مترجلين إلى المخيم، واعتلى القناصة أسطح المنازل.
ومن ثم توسعت العملية العسكرية، ووسط غطاء جوي من الطيران الحربي والمسيَّر اقتحم المخيم عشرات الآليات العسكرية بينها جرافات من محاور عدة وخاصة حاجز الحمرا، وانقطعت الكهرباء وخدمة الإنترنت عن أحياء داخله، بينما أحدثت الجرافات خرابا ودمارا كبيرين في البنية التحتية سيما طرقاته وقنوات الصرف الصحي.
كما أغلق الاحتلال مداخل المخيم ومخارجه وخاصة الشارع الرئيسي الذي يصل بين مدينتي نابلس وطوباس، واحتجز الجنود الطواقم الطبية بعد أن اقتحموا نقطة الإسعاف داخل المخيم، واعتدوا على مديرها نضال عودة بالضرب المبرح.
ويقول رئيس لجنة الخدمات بمخيم الفارعة عاصم منصور إن العملية العسكرية الجارية حاليا تختلف عن سابقاتها بأعداد الجنود الكبيرة وكذلك الآليات المقتحمة، إضافة للترهيب الكبير المرافق لهذه العملية والذي تمثل بكثافة النيران التي يطلقها جيش الاحتلال، وباستخدامه المسيرات التي ترصد وتقصف مباشرة، مما جعل المواطنين “يلزمون منازلهم بحالة أكثر رعبا من منع التجوال”.
وباستشهاد 4 شبان داخل مخيم الفارعة اليوم، يرتفع شهداء المخيم منذ الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى 20 شهيدا وفق عاصم، ويبقى العدد مرشحا لمزيد من الشهداء في ظل هذه العملية الواسعة.
ويصف محافظ طوباس أحمد الأسعد في تصريحات صحفية ما يجري حاليا بأنه “ساحة حرب وتصعيد خطير، وجريمة بحق المدنيين وعموم الشعب الفلسطيني”.
فكرة التهجير
شاركت قوات كبيرة من جيش الاحتلال بينها “مستعربون” بالعملية العسكرية الجارية وفق ما نقلته صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية، وحاصر الجيش المشافي القريبة من المخيمات منعا لوصول المقاومين إليها، إضافة لإمكانية فرض إجلاء منظم للسكان الفلسطينيين.
وتزامنت العملية العسكرية التي ستستمر لأيام مع تحريض كبير من قادة المستوطنين المتطرفين للجيش، بإعادة ما فعله بغزة في الضفة، وخاصة مدينة نابلس التي خرج منها جعفر منى منفذ عملية تل أبيب قبل أيام، بحسب ما ذكرت “يديعوت أحرونوت”.
وما تعرضت له مخيمات الفارعة وجنين لم يكن بعيدا عما يحدث في مخيم نور شمس بمدينة طولكرم، الذي حاصرته آليات الاحتلال ونشرت بمحيطه نقاطا عسكرية، وسط عملية تجريف واسعة لأطرافه والمناطق المحيطة به.
وقال رئيس لجنة خدمات مخيم نور شمس نهاد الشاويش للجزيرة نت إن الفارق بين هذا الاقتحام وسابقاته أنه “أكثر بشاعة” وجاء لتدمير ما تبقى من المخيم، متوقعا عددا أكبر من الإصابات والشهداء ودمارا أكثر تحت حجة أن المخيم “حربة الشمال بالمقاومة والعمل الوطني”.
وقد استبق الاحتلال اقتحام المخيم بمحاصرته من كل الجهات، وتجريف الشوارع للأحياء الملتصقة به كجبل النصر وجبل الصالحين، منعا لانسحاب المقاومين وقطع الإمداد عنهم، ولإعاقة عمل الأطقم الطبية، والضغط أكثر على الحاضنة الشعبية للمقاومة، حسب رئيس لجنة خدمات المخيم.
وذكر أن المواطنين يعيشون حالة ترقب شديد لكل دقيقة تمر على المخيم، لكن رغم الخوف والقلق الكبيرين فإنهم يواجهون كل محاولات اجتثاثهم بالصمود، ويرفضون الخروج من المخيم تحت أي ظرف أو دعوات يطلقها الاحتلال لذلك، ويقول “دعونا المواطنين للبقاء داخل مخيمهم ومنازلهم، فهذه أرضنا ولن نرحل، وكل ما نحتاجه هو وقفة حقيقية من المجتمع الدولي والمؤسسات الداعمة والسلطة الفلسطينية”.
ولم يستبعد الخبير بالشأن الإسرائيلي ياسر مناع من توسيع إسرائيل عملياتها العسكرية بغير مكان بالضفة سيما مدينة نابلس، وقال للجزيرة نت إن الأخطر من ذلك هو التصريحات التي ترافقت مع إطلاق العملية والقائمة على “تهجير المواطنين خارج مخيماتهم، وهذا يعكس أبعادا أخطر من كونها مجرد عملية عسكرية”.