سوق الكانتو.. هل هو النسخة المصرية من “بيكي بلايندرز”؟ | فن
مع نشر ملصق مسلسل “سوق الكانتو” على مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى قبل عرضه؛ تعالت الأصوات قائلة إنه اقتباس جديد من الدراما الغربية، خاصة مسلسل “بيكي بلايندرز” (Peaky Blinders) الشهير، والمأخوذ بدوره عن قصة عصابة حقيقية.
مع عرض المسلسل هدأت هذه الأقاويل، ولكن ذلك لا يمنع وجود تشابه رئيسي بين “سوق الكانتو” بطولة أمير كرارة، و”بيكي بلايندرز” بطولة كيليان مورفي الذي جذب الجمهور 6 مواسم.
الزمن
الزمن الذي تدور فيه الأحداث أول هذا التشابه الذي يمكن ملاحظته بين المسلسلين، وهو كذلك جزء رئيسي من طبيعة العملين، حيث تدور أحداث “بيكي بلايندرز” في كل مواسمه بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، ومع كل موسم يتم التركيز على حدث محدد ليرسم الخطوط الخارجية للقصة.
ومع الموسم الثاني -مثلا- نجد تركيزا خاصة على الثورة البلشفية، وفي موسم آخر سنجد الأزمة الاقتصادية العالمية في الثلاثينيات، ثم ظهور الحزب النازي والفاشية وهكذا، ليتوازى تاريخ العالم مع تاريخ عصابة “بيكي بلايندرز”.
وتدور أحداث مسلسل “سوق الكانتو” في الحقبة الزمنية نفسها، وتبدأ أحداثه مع سقوط وول ستريت وبداية فترة الكساد الكبير التي لم تؤثر على الولايات المتحدة وحدها بل على العالم كله، ويؤسس زمن المسلسل بقراءة إحدى الشخصيات للصحف اليومية ويخبر مديره عن سقوط البورصة.
الزمن هنا ليس فقط مؤثرا على طبيعة الأحداث والشخصيات، بل أيضا الهوية البصرية للعملين، وتميز “بيكي بلايندرز” بملابس أبطاله وقبعتهم الشهيرة، التي نرى بطل المسلسل المصري “طه القماش” يرتديها بدوره، ولا توجد أي دلائل تاريخية على انتشار هذه القبعات في مصر خلال الثلاثينيات، ولكن من ناحية الملابس النسائية فقد التزم مسلسل “سوق الكانتو” إلى حد كبير بالدقة في تقديمها، فنجد شخصية راوية ذات الأصول الأوروبية ترتدي الملابس الإفرنجية التي كانت منتشرة بين طبقات الأجانب في مصر، وكذلك نرى سيدات القاهرة من المصريات يلتزمن بالملاءة اللف وتغطية الوجه بالبرقع الخفيف.
العمل الإجرامي
يعد العمل الإجرامي نقطة التشابه الثانية بين كل من “بيكي بلايندرز” و”سوق الكانتو”؛ ففي الأول عمل تومي شيلبي وأخوته في مراهنات الخيل، ثم أصبح هذا العمل غطاء لأعمالهم الإجرامية التالية، وطموحهم السياسي.
وخلال الثلاثينيات وبعد وقف المتاجرة في المشروبات الكحولية، بدأ تومي شيلبي تقطير الكحول بنفسه في قبو والتجارة فيه؛ الأمر الذي كان شائعا كعمل إجرامي في ذلك الوقت.
الأمر نفسه ينطبق على “طه القماش” في “سوق الكانتو”، ولكن مع استبدال مكتب رهانات الخيول بمكتب لبيع تذاكر اليانصيب الأكثر شيوعا في المجتمع المصري، وعمل هذا المكتب غطاء لمعمل تقطير المشروبات الكحولية والإتجار فيها بشكل سري أيضا.
الأسرة
الأسرة هي حجر الأساس في كل من مسلسلي “بيكي بلايندرز” و”سوق الكانتو”؛ في الأول يسعى تومي شيلبي لضمان حياة كريمة واحترام لأسرته، فبعد الفقر الشديد الذي عاشوه سنوات سعى للحصول على النفوذ والمكانة في مجتمعهم بالإضافة إلى المال، وانتقل من العمل الإجرامي إلى السياسة بعد ذلك لشعوره بأن المال لا يكفي وحده لتأمين الترقي الطبقي الذي يحلم به.
عائلة القماش كذلك أساسية في حياة طه، فهي أقدم عائلات “سوق الكانتو” الذي يحمل المسلسل اسمه، وتحمل تشابكات واسعة بعلاقات الزواج والعمومة، وعلى رأس الأسرة الجد حسنين الذي ينقل مسؤوليته هذه لطه من بعده، ليصبح المسؤول عن مصير عائلة القماش.
العلاقات
يجمع بين كل من “سوق الكانتو” و”بيكي بلايندرز” نفس شبكة العلاقات تقريبا، فلدينا في المنتصف طه القماش/تومي شيلبي، يقوم بعمل إجرامي بهدف تحسين وضعه، وحوله عائلته التي لا يجمع بينهم الوئام دائما، ولكن في الوقت ذاته المحبة حاضرة.
نجد طه/تومي تربطه علاقة سرية بامرأة سيئة السمعة هي دهب/ليزي، ولكن في الوقت نفسه تدخل عالمه امرأة مختلفة تبدو أكثر نقاء من أي امرأة عرفها من قبل راوية/غرايس، وتعلوه في المكانة الاجتماعية رغم فقرها الواضح، وتصبح نقطة ضعفه الكبرى.
على الجانب الآخر، لدينا ضابط شرطة مكلف بالقبض عليه، لا يبدو الأمر بينهما مجرد مطاردة بين مجرم وشرطي بل عداوة شخصية، ورغم الذكورية الشديدة لشخصية كل من طه/تومي فإن أخته عائشة/إيدا تتزوج سرا من شخص لا يرضى عنه؛ الأمر الذي يقود لانفجار في النهاية.
كرب ما بعد الصدمة
يشكل مجتمع ما بعد الحرب العالمية الأولى كلا من “بيكي بلايندرز” و”سوق الكانتو”؛ في الأول كل من تومي شيلبي وأخويه حاربوا وعادوا برؤية مختلفة للعالم بعد أن أصابتهم جراح نفسية غيرت حياتهم، خاصة آرثر شيلبي، الذي عانى من كرب ما بعد الصدمة، وهو الأمر الذي أدى إلى عنفه الشديد في تعامله مع الآخرين، ليصبح سلاحا في يد أخيه الأصغر تومي.
في “سوق الكانتو” تبدأ الأحداث بجندي عائد من الحرب باحثا عن طه، ونعرف من خلال حديثه أنه كان أحد زملاء صالح الجندي خلال الحرب العالمية الأولى الذي لم يعد بعد على الرغم من انتهاء الحرب، ويشكل غيابه جزءا مهما من دراما المسلسل، فبسبب هذا الغياب يقرر الجد تزويج طه من زوجة صالح السابقة وابنة العم فاطمة.
بالتأكيد، تأثر “سوق الكانتو” بمسلسل “بيكي بلايندرز”، وهو أمر شائع في ظل سيولة المحتوى البصري في الوقت الحالي، وعالم المنصات الذي جعل كل الأعمال متاحة للجميع، ولكن هذا التأثر لا ينفي عالم المسلسل شديد المصرية، وأصبحت عمليات التمصير شائعة أخيرا، ومنها نماذج مثل “سوتس بالعربي” العام الماضي، أو “ستات بيت المعادي”.
وبعيدا عن هذه التشابهات الخمسة وغيرها، نحن أمام مسلسل جريمة مشوق ينقل صورة ربما لا تكون دقيقة للغاية، ولكنها صورة حية للمجتمع المصري في الثلاثينيات من القرن الماضي.