بعد وصوله لأدنى مستوى منذ 18 عاما أمام الدولار.. الدينار العراقي يسترد بعض قيمته لهذه الأسباب | اقتصاد
مراسلو الجزيرة نت
بغداد – يواصل الدينار العراقي التذبذب مقابل الدولار ما بين الانخفاض على نحو غير مسبوق منذ عام 2004 وبين ارتفاع جزئي، حيث بلغ الدولار الواحد الثلاثاء الماضي نحو 1600 دينار، قبل أن يسجل أمس الأربعاء مستوى 1570 دينارا، لينخفض اليوم الخميس إلى قرابة 1535 دينارا، في وقت يبيعه فيه البنك المركزي الدولار بـ1460 دينارا.
وانعكس عدم استقرار سعر الصرف بشكل سريع على حركة السوق، مع ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية وتسجيل ركود اقتصادي، الأمر الذي ترك الحكومة أمام حرج كبير، لاسيما أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني كان قد انتقد في مرات عديدة قبل توليه منصبه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إقدام حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي على رفع سعر الصرف الرسمي من 1182 إلى 1460 دينارا للدولار في ديسمبر/كانون الأول 2020.
أسباب عديدة
يربط العديد من المراقبين للشأن الاقتصادي العراقي ما يجري بضعف السياسات النقدية في البلاد، وسيطرة جهات حزبية وأخرى مسلحة على السوق المالية، وتهريب العملة الصعبة إلى الخارج، مع تحكم شركات معينة تعمل بمجالات الحوالات الخارجية في سعر الدولار من خلال ما توصف بـ”حرب المضاربات”.
ووسط مخاوف من أن تؤدي أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار إلى زيادة معدلات الفقر -التي بلغت قرابة 25% العام الحالي- أو زيادة الاضطرابات الاجتماعية في خضم المظاهرات الحالية التي يقودها الخريجون المطالبون بالتعيين الحكومي، يرى مظهر محمد صالح المستشار المالي لرئيس الوزراء أن القضية تتعلق بسياقات البنك الفدرالي الأميركي (المركزي الأميركي) المتخذة مؤخرا وجاءت نتيجة الخشية من التحويلات المشبوهة والمشكوك فيها.
نظام تحويل جديد
وفي حديثه للجزيرة نت، شرح صالح الأسباب التي أدت إلى ارتفاع الدولار وطبيعة الإجراءات الجديدة، وقال “إن أموال العراق من الدولار كاحتياطات مودعة بحساب البنك المركزي العراقي في المركزي الأميركي في نيويورك، يتم طلبها عبر تحويلات من قبل الزبائن والمصارف”، وأضاف أن “الجهات الدولية كانت لا تعرف طبيعة هذه الطلبات التي تأتي من المصارف العراقية”.
وتابع أنه في الفترة الأخيرة بات لدى هذه الجهات الدولية توجس من أن كثيرا من هذه الطلبات لا تخدم الاقتصاد العراقي، وبالتالي استحدث البنك المركزي العراقي منصة خاصة جديدة للتحويلات، وبات بإمكان المركزي الأميركي ملاحظة بعض الطلبات غير المنتظمة والمشبوهة، الأمر الذي أدى لرفضها.
وبناء على ذلك -وفقا لصالح- وصلت عمليات رفض التحويلات الخارجية إلى نسبة 75%، لافتا إلى أن الطلب على الدولار بات يفوق كمية المعروض منه بالسوق، بما أدى في المحصلة إلى ارتفاع سعر الصرف، وفق تعبيره.
ضوابط أميركية
في المقابل، يرى الباحث الاقتصادي والسياسي نبيل جبار العلي أن القضية تتعلق بمسار الحوالات التي تم إيقافها نتيجة القيود أو الضوابط التي فرضها المركزي الأميركي مؤخرا، لافتا إلى أن هذه الإجراءات دفعت إلى تحويل مسار هذه الحوالات باتجاه نقل العملة إلى دول إقليمية تعاني من ضعف في تدفقات الدولار إليها، مشيرا إلى أن هذه المسارات الجديدة تسببت في ارتفاع سعر الدولار نتيجة زيادة الطلب محليا دون تعزيزات مالية.
ويذهب في المنحى ذاته عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي سجاد سالم، الذي أكد أن ارتفاع الدولار يرجع للموقف الأميركي من الحكومة الحالية، وخشية واشنطن من هيمنة فصائل مسلحة على القرار السياسي العراقي واختراق أجهزة أمنية واستخبارية مهمة، بحسب تعبيره.
وأوضح للجزيرة نت أن هذه الخشية حاضرة لدى بعض الأطراف السياسية المهمة والداعمة للدولة العراقية، وأنها ليست من الجانب الأميركي وحده، معلقا “تلك الأطراف منضوية داخل تحالف الإطار التنسيقي”، ومضيفا “ونتيجة لذلك، يدفع العراقيون اليوم ضريبة باهظة لعدم التزام أحزاب مشاركة في الحكومة بالسياسات العامة للدولة”.
ورغم بيانات البنك المركزي العراقي عن أسباب ارتفاع سعر الصرف، فإنه لم يحدد مدى صحة ما يشاع عن أن المركزي الأميركي فرض محددات على نقل العملة الأميركية إلى إيران بطرق لا تقبل بها وزارة الخزانة الأميركية، إذ لم تفلح محاولات مراسل الجزيرة نت في الحصول على أي تعليق من البنك المركزي العراقي.
توقعات متباينة
وأفاد متعاملون في سوق الصيرفة العراقية بأن سعر صرف الدينار سجل صباح اليوم الخميس مكاسب ملموسة مع بدء عدد من المصارف الحكومية والأهلية ببيع الدولار بالسعر الرسمي المعتمد من البنك المركزي والبالغ 145 ألف دينار لكل 100 دولار أميركي، حيث شرع مصرف الرافدين الحكومي و10 مصارف أهلية منذ ساعات الصباح الأولى في طرح الدولار بالسعر الرسمي أمام الزبائن والتجار لأغراض العلاج والتجارة، في مسعى حكومي لإيقاف المضاربات في سوق العملات الأجنبية.
وكان رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني قد حث البنك المركزي العراقي على التدخل للسيطرة على تقلبات سعر صرف الدولار، والعمل على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع المضاربات غير القانونية، مطالبا بتفعيل خطوات بيع العملة الأجنبية بالأسعار الرسمية للمواطنين عبر الشراء بالبطاقات الإلكترونية، وفتح منافذ البيع للمسافرين أو المرضى خارج العراق أو تمويل التجارة الخارجية وفق السياقات الأصولية والمعايير الدولية.
محافظ البنك المركزي يقدّم للسيد رئيس مجلس الوزراء @mohamedshia الموقف الإيجابي للوضع المالي، مؤكداً أن الأزمة بشأن العملة الأجنبية أزمة طارئة لأسباب فنية، وتزامنت مع العمل بالمنصة الإلكترونية الجديدة وتأخر الحوالات بسبب عطلة أعياد الميلاد. pic.twitter.com/IgvVGX9Vft
— المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء ?? (@IraqiPMO) December 27, 2022
وعلى الرغم من تسجيل سعر صرف الدولار انخفاضا طفيفا اليوم الخميس، فإنه في خضم إجراءات المركزي الأميركي وضوابط المركزي العراقي، يتوقع الباحث في الشأن الاقتصادي عبد السلام حسن استمرار الأزمة، كما توقع أن يصل سعر صرف الدولار بالأسواق الموازية (السوداء) إلى ألفي دينار للدولار الواحد، لافتا في حديثه للجزيرة نت إلى أن “أميركا جادة في إدامة الضغوط على المركزي العراقي بسبب عدم رضاها عن استمرار تهريب العملة لدول إقليمية”.
على الجانب الآخر، وبالعودة إلى المستشار المالي لرئيس الوزراء، والذي يرى أن أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار “مؤقتة”، وأنها ستنتهي مع انتظام وشفافية المعاملات التي يقوم بها القطاع الخاص في الطلب على العملة الأجنبية من نافذة بيع العملة بالبنك المركزي العراقي، لافتا إلى أن هذا الارتفاع المؤقت لن يؤثر على إقرار الموازنة العامة للبلاد بسبب الوفرة المالية المتاحة للعراق، فضلا عن زيادة الاحتياطي النقدي العراقي إلى نحو 100 مليار دولار، وهي أعلى مستوى في تاريخ البلاد.
ويتفق مع هذا الرأي الخبير الاقتصادي نبيل جبار العلي، الذي أشار إلى أن هذه الأزمة ستكون مؤقتة في حال عدم فرض قيود إضافية من المركزي الأميركي، مستدركا بأن الحكومة العراقية عازمة على إيجاد حلول اقتصادية، وأن ما عطّل ذلك هو تزامن ارتفاع سعر الصرف مع نهاية العام المالي وتوقف الكثير من المصارف من أجل إجراء الحسابات الختامية، بحسب تعبيره.
وفي محاولة لضبط سعر الصرف، قال البنك المركزي العراقي إنه اتخذ عدة إجراءات منذ الأسبوع الماضي من أجل استقرار سعر صرف الدولار، في حين أشار إلى ترشيح عدد من المصارف لبيع الدولار للمواطنين أيام العطل الرسمية.