لماذا يعد الأميركيون لينكولن أعظم رئيس في التاريخ | آراء
يتنافس الرئيسان جورج واشنطن وفرانكلين روزفلت، في كل استطلاعات الرأي التي تجري دوريا بين الأميركيين، على المركز الثاني كأعظم الرؤساء الأميركيين. أما المركز الأول فيبقى محفوظا باستمرار، وبلا منافسة، للرئيس أبراهام لينكولن.
تتضمن التصنيفات والاستطلاعات التي ترصدها دراسات أكاديمية على مدار العقود الأربعة الأخيرة أسئلة في عدة مجالات، منها: قدرة الرئيس على العمل مع المنافسين السياسيين والتوصل إلى حلول وسط، ونجاحه في تعيينات القضاء، والتعيينات التنفيذية، ونزاهته الشخصية، وعلاقته بالكونغرس، وقدرته على التواصل مع المواطنين، وقيادته لحزبه.
لم يخضع لينكولن لأصوات المعارضين واختار أن يصمد متكئا على إيمانه الأساسي بما نصت عليه وثيقة الدستور الأميركي من أن كل الناس يتمتعون بالمساواة في حقهم في الحياة والحرية، والسعي إلى تحقيق السعادة.
وتمثل إسهامات الرئيس أبراهام لينكولن علامة فارقة في تاريخ الولايات المتحدة، إذ عبّر بدقة عن معضلة اتخاذ القيادات السياسية قرارات مصيرية في أوقات انقسام الشعوب، بل وسط حروب أهلية مشتعلة، وهو ما جعل لينكولن من أكثر الشخصيات تقديرا في التاريخ الأميركي، حتى بين معارضيه السياسيين.
وتوّج نضال لينكولن من أجل تحرير العبيد ووضع نهاية للحرب الأهلية -التي كبدت أميركا ما يزيد على 620 ألف قتيل وأضعاف هذا العدد من الجرحى- سنوات رئاسته التي امتدت منذ 1861 حتى اغتياله في عام 1865.
وفي عام 1860 رشح الحزب الجمهوري لينكولن لمنصب الرئيس على أساس برنامج سياسي مناهض للعبودية. ولما كان الجنوبيون يؤمنون بتفوق العرق الأبيض وسموه، وبضرورة المحافظة على الوضع الاقتصادي القائم على استغلال وجود ملايين العبيد من السود، فقد لجأت الولايات الجنوبية إلى التهديد بالانفصال عن دولة الاتحاد في حال انتخاب لينكولن. وبعد فوز لينكولن، أعلنت بعض الولايات الجنوبية انفصالها حتى قبل أن يؤدي اليمين الدستورية. وأصبح الحفاظ على الاتحاد الأميركي متماسكا بمنزلة التحدي الأكبر أمام حكم الرئيس الجديد.
اندفع الشمال والجنوب نحو الحرب في أبريل/نيسان 1861، وادعت الولايات الجنوبية بأنها تملك الحق في الانفصال وشكلت كونفدرالية خاصة بها، وأطلقت قواتها الرصاصات الأولى. أما الولايات الشمالية فصممت، بقيادة الرئيس لينكولن، على وقف العصيان والمحافظة على الاتحاد الأميركي؛ لم يرد أغلب الشماليين الحرب الطويلة، وبعدما استعرت المعارك وبدأت تظهر في الأفق بوادر نصر الشماليين، لم يستجب لينكولن لمطالب مستشاريه بوقف المعارك حقنا للدماء، وأصر لينكولن على ضرورة قبول الولايات الجنوبية التعديل الـ13 في الدستور، والذي نص على إلغاء الرق والعبودية، وأُقر عام 1865، إلا أن الجنوبيين رفضوا!
لم يخضع لينكولن لأصوات المعارضين واختار أن يصمد متكئا على إيمانه الأساسي بما نصت عليه وثيقة الدستور الأميركي من أن كل الناس يتمتعون بالمساواة في حقهم في الحياة والحرية، والسعي إلى تحقيق السعادة. امتدت المعارك شهورا أخرى سقط فيها عشرات الآلاف من القتلى من الجانبين قبل أن يحقق الشماليون انتصارات عسكرية كبيرة أدت إلى إذعان الجنوبيين لما أصر عليه لينكولن في النهاية.
لم يعرف لينكولن ولاء إلا للاتحاد الأميركي، ففي الوقت الذي كانت فيه الحرب الأهلية مستعرة كتب لينكولن إلى هوريس جريلي، محرر جريدة “نيويورك تريبيون” (أهم الصحف أنداك) قائلا “إن أهم هدف لي في هذا الصراع هو إنقاذ الاتحاد، وليس إنقاذ الرق أو القضاء عليه. وإذا كان باستطاعتي أن أنقذ الاتحاد من دون أن أحرر أي أرقاء فإنني سأفعل، وإذا كان باستطاعتي أن أنقذه بتحرير كل العبيد فإنني سأفعل ذلك أيضا”.
وعلى الرغم من أن الأمر استغرق عقودا من النضال قبل أن يُمنح الأميركيون الأفارقة المساواة في المعاملة والحماية في ظل دولة القانون، فإن إعلان تحرير العبيد الذي أطلقه لينكولن شكل الخطوة الأولى إلى الأمام في الوفاء بتلك المهمة الأساسية.
وعندما وصل إلى البيت الأبيض عام 2008 أول رئيس أميركي أسود، باراك حسين أوباما، أقسم أوباما في مراسم تنصيبه بالدفاع عن “الحلم الأميركي” أمام أنصاره من الديمقراطيين، وصادف خطاب أوباما حينذاك الذكرى الـ45 للخطاب الشهير الذى ألقاه الزعيم التاريخي لحركة الحقوق المدنية، والحائز لجائزة نوبل للسلام مارتن لوثر كينغ عندما قال “عندي حلم” (I have a dream) فرد أوباما بصوت عال “أنا الحلم” (I am the dream) ليؤكد أنه شخصيا تجسيد حي للحلم الذى تحدث عنه كينغ منذ نصف قرن، والذي اغتيل بسببه الرئيس أبراهام لينكولن، على يد أحد المعارضين لحرية العبيد، منذ ما يقرب من 150 عاما. لذا، لم تكن مفاجأة أن اختار أوباما أن يضع يديه على إنجيل لينكولن نفسه عند إلقائه قسم الرئاسة في إشارة رمزية إلى أهمية لينكولن فيما وصل إليه أوباما.
وبسبب إخماده ثورة الجنوب الانفصالية، وحفاظه على الدولة الأميركية، وما نتج عن ذلك من القضاء على العبودية، يعد لينكولن عند ملايين الأميركيين المعاصرين أعظم الذين تولوا رئاسة البلاد على الإطلاق، حيث يعدّ المؤسس الثاني للولايات المتحدة، ويكاد يجمع على ذلك كل من الديمقراطيين والجمهوريين. ويوجد للينكولن في واشنطن نصب ضخم، هو الأضخم من نوعه في العاصمة، بتمثال كبير له منقوش في أسفله كلمات من خطاباته وقراراته، ويقع بمواجهة مقر مبنى الكونغرس. ومن أهم هذه الكلمات ما قالها في خطاب مراسم تنصيبه لبدء فترة حكمه الثانية في وسط خضم الحرب الأهلية: “الطرفان يتلوان الإنجيل ذاته ويصليان للرب نفسه”.
اغتيل الرئيس الـ16 لأميركا أبراهام لينكولن عام 1865 خلال مشاهدته عرضا مسرحيا ليليا على مسرح فورد بالعاصمة واشنطن بعد مضي 5 أيام فقط على انتهاء الحرب الأهلية.
وكان لينكولن أول رئيس أميركي يُغتال في حادثة تعد أشهر حادثة اغتيال في التاريخ الأميركي، وتساءل كثيرون إذا ما كان هناك نوع من المؤامرة وراء الاغتيال، والتي لم تكن سرا بين من نظروا إلى الرئيس لينكولن كمصدر تهديد لهم.
وبعد أكثر من قرن ونصف القرن على اغتياله، يستحضر الحزبان، الديمقراطي والجمهوري، لينكولن، ويدّعيان تمسكهما بمبادئه وحياده ونزاهته في إدارتهما للشؤون الأميركية السياسية المعاصرة، لكن الواقع يكشف عن ابتعاد الحزبين كليهما بمسافات واسعة عن مبادئ الرئيس أبراهام لينكولن.