قوات الدعم السريع في السودان.. من حليف للجيش إلى قوة متمردة | سياسة
مراسلو الجزيرة نت
الخرطوم- تحولت قوات “الدعم السريع” بين عشية وضحاها من قوات عسكرية تنتظر الدمج في الجيش السوداني إلى قوة متمردة تتعامل معها القوات المسلحة بالطائرات والمدرعات، وإثر ذلك تحولت العاصمة الخرطوم صباح اليوم السبت إلى ساحة قتال ضار بين أكبر قوتين عسكريتين في البلاد.
ووفق المتحدث باسم الجيش السوداني العميد نبيل عبد الله فإن قوات الدعم السريع باتت “قوة متمردة” تتعامل معها القوات المسلحة بالحسم وإعادة الأمور إلى نصابها، مؤكدا أنها بادرت بالهجوم والتعدي على القوات المسلحة، بينما يقول قائد الدعم السريع إن الجيش هو من بادر بالهجوم على معسكرهم في ضاحية سوبا وإنهم اضطروا للرد، وبعد ذلك امتدت المواجهات في عدة مواقع بالخرطوم وبعض الولايات.
وتوجد قوات الدعم السريع في أغلب ولايات السودان، وتجاور جميعها ثكنات ومقار الجيش، لكن انتشارها الأكبر هو في ولايات دارفور الخمس، إضافة إلى جنوب وشمال وغرب كردفان، فقوات الدعم السريع تأسست في الأصل لمساعدة الجيش في حربه التي خاضها في إقليم دارفور غربي البلاد بالعام 2003.
ومنذ نحو 3 أشهر، بدأت قوات الدعم السريع في نقل آلاف المقاتلين من ولايات دارفور إلى العاصمة الخرطوم، وقدر عددهم بنحو 50 ألف مقاتل جرى نشرهم في كل مداخل ومخارج ولاية الخرطوم، كما عززت القوات وجودها بقطع حربية ثقيلة آخرها مدرعات وصلت الخرطوم من شمال دارفور، الأربعاء الماضي.
مواقع متعددة
وتحتفظ قوات الدّعم السريع، بوجود مقدر في ولاية البحر الأحمر (الساحل الرئيس في السودان)، ومنتشرة كذلك في مواقع بالقرب من منطقة حلايب.
ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أعلنت قيادة الدعم السريع إلغاء كل إجازات الضباط والجنود ورفعت درجة الاستعداد 100%، كما سلّحت حتى المجندين الجدد في المعسكرات تحسبا فيما يبدو لأي مواجهة عسكرية.
وتملك قوات الدعم السريع قوة عسكرية واقتصادية ضاربة، ونجحت في استقطاب عدد كبير من قادة الجيش الذين أحيلوا للتقاعد، وأسست مقار عديدة في الخرطوم، كما تملك إدارات ومعسكرات في غالب ولايات السودان، لكن من غير المعروف بنحو دقيق عدد قوات الدعم السريع المنتشرة، حيث تتحدث بعض المصادر عن أن القوات يفوق عددها 100 ألف مجند.
وفي العاصمة، تملك قوات الدعم السريع معسكرات في كل منافذها، حيث تقيم أعدادا كبيرة من هذه القوات في معسكر “طيبة” بمحلية جبل أولياء جنوب الخرطوم، بجانب معسكر آخر في منطقة صالحة، وثالث في الجيلي شمال الخرطوم، كما تملك مقرا في سوبا شرقا، علاوة على استحواذها على مقار إستراتيجية في قلب الخرطوم، بينها مقر جهاز المخابرات السابق القريب من قيادة الجيش، ومقر هيئة العمليات القريب من مطار الخرطوم الدولي.
لمحة تاريخية
برزت قوات الدعم السريع في عام 2003، بإقليم دارفور، وعرفت وقتها بمليشيات “الجنجويد” وذاع صيت المصطلح وتعريفه كاختصار لتعريف أفراد القوة وتشبيههم بـ”جن يمتطي جوادا”، حيث اتهمت لاحقا “بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، والتطهير العرقي”، بعد أن استخدمها نظام الرئيس المعزول عمر البشير في حسم معاركه ضد الحركات المسلحة.
ولمنحها صفة قانونية بعد أن شكلت قوة ضاربة، جرى ضم قوات الدعم السريع في بادئ الأمر لوحدة استخبارات حرس الحدود بالقوات المسلحة، لكن في عام 2013 انتقلت من مرحلة المليشيات إلى قوات الدعم السريع كقوة تابعة للحكومة السودانية تحت قيادة جهاز الأمن والمخابرات، ومن ثم باتت تابعة لرئاسة الجمهورية في 21 أبريل/نيسان 2016.
وواصلت الدعم السريع مهامها في محاربة التمرد بدارفور والمنطقتين إلى أن أجاز البرلمان في العام 2017 قانون خاص بالدعم السريع لتكون تحت قيادة رئيس الجمهورية مباشرة برغم تبعيتها في الوقت نفسه إلى القوات المسلحة.
وفي موازاة تمددها العسكري الكبير عملت قيادة الدعم السريع في بناء إمبراطورية اقتصادية مستقلة حيث استفادت من السيطرة على مواقع تنقيب الذهب بجبل عامر في دارفور قبل أن تتخلى عنه لاحقا لوزارة المالية السودانية، وأسست القوات شركات استثمارية ضخمة داخل السودان وخارجه وعمدت لتوظيف ملايين الجنيهات لمصلحة مشروعات اجتماعية ودعم المناطق المحتاجة لمعينات خدمية على شاكلة القوافل العلاجية ودعم المتأثرين بالسيول والفيضانات، كما امتدت أعمال الدعم لخارج السودان حين أرسلت قوات الدعم السريع مؤخرا مساعدات لمتضرري الزلازل في تركيا.
وبعد حسم المعارك والتمرد في دارفور والمنطقتين تحول نشاط الدعم السريع للعمل كقوة موازية واتجهت إلى العمل في مكافحة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية وانتشرت على الحدود الطويلة بين السودان وليبيا وأفريقيا الوسطى وتشاد لمنع تدفق المهاجرين غير النظاميين، كما أعلنت مرارا عن إحباط إدخال شحنات مخدرات وتوقيف عصابات اتجار بالبشر وتحرير رهائن.
وعندما ضاق الخناق على نظام الرئيس عمر البشير بتزايد الاحتجاجات الشعبية الرافضة لاستمراره في الحكم، حاول البشير الاستعانة بحليفه محمد حمدان دقلو “حميدتي” وقوات الدعم السريع لحسم الاحتجاجات، لكنه تفاجأ برفض “حميدتي” المشاركة في قمع المظاهرات وانحيازه لاحقا لقادة الجيش المقربين من البشير وإعلانهم عزل البشير من سدة الحكم.