هل يصدّر نتنياهو أزماته الداخلية باتجاه إيران؟ | آراء
في الوقت الذي تحشد فيه القنوات الإسرائيلية في وقت الذروة الرأي العام الإسرائيلي، الذي أثبتت السنوات أن غسل دماغه بالكامل لا يحتاج سوى نشرتي أخبار حول توجيه ضربة استباقية إلى طهران، تناقش العامة في إسرائيل بخوف النسبة التي وصلت إليها إيران من إتمام صنع قنبلتها النووية.
ظهرت الصين كعصفور سلام أحمر في سماء الشرق الأوسط، وأنهت الوساطة الصينية خلافا استمر 7 سنوات بين السعودية وإيران، وأعلنت السعودية وإيران عن استئناف علاقاتهما الدبلوماسية المقطوعة منذ 2016، في خطوة قد تنطوي على تغييرات إقليمية دبلوماسية كبرى.
كيف سينعكس التقارب الإيراني السعودي على إسرائيل في وقت تتجمع فيه الأزمات أمام بنيامين نتنياهو؟ وعلى الرغم من محاولات قمتي العقبة وشرم الشيخ كبح تصعيد المشهد، فإن الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية مشتعل مع توالي الاقتحامات الإسرائيلية.
- القدس على صفيحٍ ساخن، هكذا يريدها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير في رمضان.
- اختراق أمني في الحدود الشمالية.
- مظاهرات حاشدة ضد سياسات حكومة نتنياهو السادسة بدأت حدتها تظهر بين الليبراليين والحريديين.
- هبوط في سعر الشيكل أمام الدولار.
- البيت الأبيض لم يوجّه دعوةً لنتنياهو لزيارة واشنطن بعد أكثر من شهرين ونصف على تشكيل حكومته اليمينية المتطرفة.
- إيران تقترب من صنع قنبلتها النووية.
كانت هذه القضايا تعصف بنسب متفاوتة في عقل رئيس الوزراء الإسرائيلي عندما وقف في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيرته الإيطالية في روما ساعات قبل إعلان الصين عن خطوتها الدبلوماسية.
تحدث نتنياهو عن اقتراب تطبيع العلاقات مع السعودية بل شارك تفاصيل اقتصادية، مما يعطي الشعور بأن الخطوة باتت وشيكة، إذ قال إنه سيعيد افتتاح خط سكة قطار الحجاز من السعودية إلى ميناء حيفا، مما يقلل المسافة بين موارد الطاقة الخليجية والمستهلكين في أوروبا.
كان نتنياهو يرى في السعودية وإيران أحجار زاوية يتكئ عليها في مستقبل قريب، من خلال إعلان مفاجئ لتطبيع العلاقات مع الأولى ينقذه من أزماته الداخلية لبرهة ويشغل الإعلام ويخفض صوت المخاوف الاقتصادية قليلا، أو من خلال التهديد بتوجيه ضربة عسكرية محدودة لإيران لا تفضي إلى حرب، إذ تؤجل الوساطة الصينية الأولى ويرى مراقبون أنها قد تعجل من الثانية.
التطبيع مع السعودية كان سيشكل حلا سحريا أمام نتنياهو للخروج ولو بشكل مؤقت من مجموعة أزمات استثنائية؛ فالشارع الإسرائيلي منقسم على نفسه للمرة الأولى بهذا العمق، وزراء حكومة متطرفون، قد يهدم تصريح لأحدهم أو فعل ما كل ما بنته الدبلوماسية الإسرائيلية لسنوات، وضفة غربية تستمد الإلهام من مجموعة كتائب جنين وعرين الأسود، وكل مسألةٍ على حدة من شأنها تفجير المشهد وأخذه إلى طريق اللاعودة.
وعليه، فإن ضربة الصين الاستباقية قد هدمت ملاذات نتنياهو الكبرى، مع ضيق أفق الحل في الملفات الداخلية. إذ لطالما اعتبرت إسرائيل تطبيع علاقاتها مع السعودية هو درة تاج التطبيع مع العالم العربي، وبما أن للسعودية اشتراطاتها التاريخية الممتدة منذ مبادرة السلام العربية، والتي يصيغها دبلوماسيوها بقولهم “إعطاء الفلسطينيين دولة” كشرط للسلام مع إسرائيل، ارتأت الأخيرة دق الباب من جانب اعتقدت أنه أكثر إثارة للسعوديين، وهو معاداة إيران دون قراءة المشهد الجيوسياسي الواسع في الشرق الأوسط. يذكّرنا ذلك بتعليق لعاموس هرئيل محلل الشؤون العسكرية في صحيفة هآرتس: “إن إسرائيل مقتنعة بأنها مركز الشرق الأوسط، إن لم يكن العالم كله”.
نشر منظومة الردع الإسرائيلية في عدد من الدول العربية في المنطقة تحت ذريعة مكافحة التهديدات الإيرانية، بهدف بناء تحالف إستراتيجي جديد في الشرق الأوسط بمباركة أميركية لمواجهة خطر إيران والحد من نشاطها، كان هو المدخل الذي تتكئ إسرائيل بثقة عليه لتطبيع علاقاتها مع دول الخليج، الأمر الذي تنافس فيه المتنافسون من رؤساء وزراء في إسرائيل بعد انطلاق قطار اتفاقات أبراهام، الذين يرشقون اليوم بعضهم بالاتهامات حول ما وصف بالفشل الإستراتيجي المتمثل بالتقارب السعودي الإيراني.
بينما كان يتحدث قبل أسابيع فقط عن خطر طهران على المنطقة والعالم، انتقى نتنياهو كلماته جيدا في زيارته الأخيرة لألمانيا، عندما قال “إسرائيل ستقوم بكل ما يلزم للحفاظ على نفسها من هؤلاء الذين يرغبون بالقضاء على الدولة اليهودية”، اليوم يدرك الرجل جيدا أن طرقه في إقناع العالم لتوجيه ضربة عسكرية لطهران قد استنفدت، تماماً كالخطاب الذي قدمه في الجمعية العامة عام 2018 مستعرضا الأرشيف الذي استولى عليه الموساد وقام بتهريبه من طهران، في محاولة لإقناع العالم بأن فزاعة إيران باتت عالمية ولا يقتصر الأمر على إسرائيل والمنطقة.
“إن نتنياهو يستغل التهديد الإيراني لإشغال الإسرائيليين بخطر خارجي مبالغ به”، هذا ما قاله عوزي عيلام مدير عام اللجنة الإسرائيلية للطاقة الذرية سابقا، في مقابلة أجرتها صحيفة يديعوت أحرونوت عام 2014.
ولطالما استخدم نتنياهو إيران فزاعة لإشغال الإسرائيليين بخطر خارجي. ولا أتفق مع أن الأوقات التي اتكأ فيها نتنياهو على إيران كفزاعة كانت فقط عندما غدت الفزاعات الأخرى -كالضفة الغربية أو حركة حماس أو الجبهة الشمالية (حزب الله)- أقل تهديدا.
أثبتت المرحلة الأخيرة في ظل حكومة نتنياهو السادسة أنه على الرغم من اشتعال الجبهات مع الفلسطينيين وفي الشارع الإسرائيلي، لم يمنعه ذلك من تضخيم فزاعة إيران من خلال الحديث بجدية عن ضربة عسكرية ووضعها على الطاولة، من ضمن الخيارات التي ناقشها المجلس الأمني الوزاري الإسرائيلي المصغر، والمطالبة بزيادة ميزانية وزارة الدفاع الإسرائيلية لذات الهدف.
في ظل وضع مأزوم داخليا وخارجيا، يوصف نتنياهو بالحاضر الغائب في الأوساط الإسرائيلية. يمتهن الرجل الحديث عن إنجاز مرتقب في الملفات الدولية بالتزامن مع تعقيد المشهد في الأزمات الداخلية، وهو معتاد على ضرب قضية بأخرى ضمن إدارته للصراعات. إستراتيجيته هذه لم تعد مجدية، خاصةً أن عملية ما في القدس أو في مستوطنات الضفة الغربية لا توقف سيل المظاهرات المنددة بحكومته إلا لدقيقة حداد.
لطالما شكل الأمن حلا تقليديا لأي مشكلة داخلية: ضرب قطاع غزة قبيل الانتخابات، عملية عسكرية محدودة في الضفة الغربية؛ بيد أن المشهد المعقد أمام نتنياهو جعل كثيرين يعتقدون أن ضربة عسكرية إسرائيلية لإيران هي الحل الوحيد للخروج من الأزمات الداخلية المتتالية، ولتأجيل سقوط حكومة تآلفت مركباتها بصعوبة، يجلس سموترتش وبن غفير فيها على مفتاح المشكلة والحل في آنٍ واحد.
فمن جهة، ساهما في تجاهل إدارة بايدن لنتنياهو، ويُصَعِّبُ تحريضهما المستمر مهمة الدفاع عنهما أمام المجتمع الدولي الذي يلتزم باتفاقات ومحددات لا يعترف بها اليمين القومي المتطرف. ففي الوقت الذي يريد فيه سموترتش حرق حوارة، يعطي بن غفير أوامر لهدم بيوت في القدس، ويطالب بفتح ساحات الأقصى للاقتحام في العشر الأواخر من رمضان معتبرا عكس ذلك إذعانا للإرهاب. وإن لم يجارِ نتنياهو تطرف بن غفير، فسيجد الأخير نفسه أمام خيارين: زيادة جرعة التطرف لإرضاء من أوصلوه لسدة الحكم، أو الانسحاب من حكومة نتنياهو وبالتالي حلها نظرا لعدم قدرته على تنفيذ مخططاته الدامية، ولن يتورع في اتهام نتنياهو نفسه بالحيلولة دون ذلك كدعايةٍ أمام جمهوره للانتخابات القادمة.
قصة الراعي والذئب بالنسبة لإيران وخطرها على إسرائيل والمنطقة لم تعد تؤتي أُكلها، أدرك نتنياهو ذلك تماما، وبات الحديث عن “الحلول الإسرائيلية الأخرى” والتشديد على نسبة التخصيب التي وصلت إليها إيران لإتمام قنبلتها النووية على لسان القادة الأمنيين في إسرائيل، يضاف ذلك إلى ضربة فعلية طالت أحد المصانع العسكرية في محافظة أصفهان في نهاية يناير/كانون الثاني الماضي قالت إيران إن إسرائيل تقف وراءها، الأمر الذي أكدته صحيفة “وول ستريت جورنال” نقلا عن مسؤولين أميركيين.
صحيح أنه لدى الولايات المتحدة ملفات كبرى كالصين وملئها للفراغات، والحرب الروسية على أوكرانيا ومد حلفائها بالطاقة، لكن الحديث عن خطوة إسرائيلية أحادية تجاه إيران دفع بالمسؤولين العسكريين الأميركيين -كرئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارك ميلي، ووزير الدفاع الأميركي لويد أوستن- إلى زيارة إسرائيل وإجراء نقاشات مع قادتها الأمنيين الذين يملكون مفتاح ضربة إيرانية محتملة، في حين نقل المحلل العسكري لصحيفة “يديعوت أحرونوت” رون بن يشاي عن مسؤول في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن المسؤولين في البيت الأبيض والبنتاغون يخشون من “أن تفاجئ الحكومة الإسرائيلية الحالية الولايات المتحدة، وتجرّها إلى مواجهة عسكرية في الشرق الأوسط”.