ماذا تريد كل من روسيا والصين من تطوير العلاقات الاقتصادية؟
موقعي نت متابعات عالمية:
الصين التي يضعها الغرب في مرمى الانتقادات بشأن علاقتها مع روسيا وموقفها من الحرب في أوكرانيا، ولا يستطيع النظر إليها باعتبارها “وسيط يمكن الاعتماد عليه لوقف الحرب”، تخاطر هي الأخرى بتلك العلاقات التي قد تعرضها بشكل أو بآخر إلى العقوبات الغربية نفسها المفروضة على موسكو، وتسعى بكل السبل إلى الجمع بين النقيضين (الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع روسيا والاستفادة من الفرصة المواتية، وفي الوقت نفسه تجنب الوقوع في فخ العقوبات ذاتها).
وبينما تُقبل بكين على مساعدة الدب الروسي الذي يواجه تحديات اقتصادية عميقة، فإنها تنطلق من مبدأ “لا شيء بالمجان” أو “لا عشاء مجاني” طبقاً للمثل الصيني، بالنظر إلى جملة المكاسب التي تعود عليها جراء تطوير العلاقات مع موسكو.
ويُحدد محللون مجموعة من المكاسب التي تسعى الصين إلى تحقيقها، سواء حالياً أو في فترات مقبلة، من خلال تقاربها الآخذ في التصاعد على ذلك النحو مع روسيا، ومن بينها:
- على المستوى الاقتصادي: ضمان الوصول إلى السلع والموارد الروسية (بما في ذلك النفط والغاز) بأسعار مخفضة.
- على المستوى السياسي: تتطلع بكين إلى الحصول على نفس مستوى المساعدة حال إقدامها على القيام بعملية عسكرية في تايوان (تراقب بكين عن كسب تطورات الأوضاع في أوكرانيا وسط مقاربات مع المشهد بالنسبة لها في تايوان رغم اختلاف المشهدين).
- على المستوى الخارجي: قواسم مشتركة بين البلدين وتوافقات استراتيجية وأيدلوجية (من بينها رفض القطب الواحد في النظام العالمي).
مكاسب مشتركة.. و”الثروات الباطنية” كلمة السر
الكاتب والمحلل السياسي ديمتري بريجع، يقول في تصريحات لـ “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن ثمة اهتمامات مشتركة ومصالح اقتصادية كثيرة تجمع البلدين، وعندما أقبلت روسيا على تطوير علاقتها مع الصين على ذلك النحو فإنها مدفوعة بالضرورة التي حتمت ذلك في ظل ابتعاد الغرب عن موسكو (..) وليس بوسعها حالياً التراجع عن هذا التقارب مع الصين، موضحاً في الوقت نفسه أن بكين تجني من خلال ذلك التقارب عدداً من المكاسب الرئيسية، من بينها:
- الاستفادة من الثروات الباطنية في روسيا.
- هناك مؤشرات على أن الصين -ومع زيادة عدد السكان- قد تتجه إلى محاولة بناء مصانع في الداخل الروسي، كما أن هناك حديثاً بأن بكين ستبدأ ببناء مدن صغيرة لها في مناطق قرب الحدود الصينية الروسية (..) هناك مؤشرات طفيفة لذلك ولكنها واضحة.
ويوضح أن “الاستفادة متبادلة جراء تطور تلك العلاقة بين البلدين، ولا سيما بالنسبة للصين التي تستفيد اقتصادياً بشكل كبير من الثروات الباطنية الروسية”، مشيراً إلى أن “ثمة مخاوف يشير إليها بعض المحللين الروس مرتبطة بتمدد الصين في الداخل الروسي عبر بناء المصانع، وهو ما يعده البعض هناك بمثابة احتلال لهذه الأراضي في ضوء بعض المؤشرات على ذلك”.
ويرى الخبير والمحلل السياسي، أن “الاتفاقات التي وقعت بين الرئيسين الصيني والروسي سوف تلعب دوراً مهماً في العلاقات الثنائية (..)”، مشيراً في الوقت نفسه إلى ما شهده اللقاء الأخير الذي جمع الرئيسين فيما يخص خط سيبيريا الثاني، وهو المشروع الذي يساعد روسيا اقتصادياً بشكل كبير بعد توقف ضخ إمدادات الغاز إلى أوروبا تقريباً، وبما يجبرها على البحث عن حلفاء جدد.
بالنسبة لروسيا أيضاً، يعتقد بريجع، بأن تطوير العلاقات مع الصين على ذلك النحو ربما يكون داعماً مهماً في الانتخابات الرئاسية المقبلة (..). فيما يؤكد في الوقت نفسه أن بكين لديها نوع من التحفظ في سياساتها الخارجية، لجهة الرغبة في موازنة العلاقات، في ضوء علاقاتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، كما أن ثمة اختلافاً واضحاً في السياسة الخارجية لروسيا والصين.
شواهد تطور العلاقات التجارية بين البلدين
تتزامن المكاسب الصينية مع رغبة روسيا في تأمين دعم ملائم لها وعلاقات أكثر قوة في ضوء ما تواجهه من تحديات منذ الرابع والعشرين من فبراير 2022 وهو تاريخ بدء العملية العسكرية في أوكرانيا.
عززت تلك المكاسب التي يصبو إليها الطرفان نمو العلاقات الاقتصادية بينهما على نحو واسع، وهو ما تُظهره بيانات حجم التبادل التجاري، وإن كانت تصب في المقام الأول في صالح الصين بصورة أساسية، على النحو التالي:
- ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين في العام 2022 بمقدار الثلث تقريباً (وفق رئيس الوزراء الروسي، ميخائيل ميشوستين).
- بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين العام الماضي حوالي 190 مليار دولار ، مقارنة بـ 147 مليار دولار في العام 2021.
- يستهدف البلدان رفع حجم التبادل التجاري إلى 200 مليار دولار العام الجاري
- المحفظة الاستثمارية للجنة الحكومية الروسية الصينية في التعاون الاستثماري تشمل 79 مشروعاً بقيمة 165 مليار دولار
الحصول على الطاقة بأسعار مخفضة
وفيما يتصل بهدف الصين في الحصول على ضمان الوصول إلى السلع والموارد الروسية (بما في ذلك النفط والغاز) بأسعار مخفضة، فإن الأرقام الرسمية تُظهر حجم التطور الذي شهدته الواردات الصينية من الطاقة الروسية على مدار العام الأول من الحرب في أوكرانيا، على النحو التالي:
- طبقاً للبيانات الصادرة عن عملاق الطاقة الروسي غازبروم، فقد ارتفعت صادرات الغاز الروسي إلى الصين خلال العام 2022 بمعدل 15.5 مليار متر مكعب.
- تعد روسيا أكبر مورد للنفط للصين في يناير وفبراير، بشحنات بلغت حوالي 15.68 مليون طن من النفط الخام (وفق بيانات من الإدارة العامة للجمارك في الصين)
- بلغت مشتريات الصين البلاد من موارد الطاقة الروسية المختلفة، نحو 88 مليار دولار خلال العام الأول من الحرب في أوكرانيا، وذلك ارتفاعاً من 57 مليار دولار في العام السابق لهذه الفترة.
- خلال العام الأول من الحرب، ارتفعت واردات الصين من النفط الخام الروسي إلى 89.3 مليون طن، مقابل من 78.4 مليون طن في الفترة السابقة.
- خلال العام نفسه، ارتفعت مشتريات بكين من الغاز الطبيعي المسال الروسي بنسبة 52 بالمئة إلى 6.86 مليون طن. كما ارتفعت وارداتها من الفحم الروسي بنسبة 33 بالمئة إلى 76.4 مليون طن.
“لا عشاء مجاني”
وفي السياق نفسه، يشير الخبير في الشؤون الصينية، نائب رئيس الطبعة العربية لمجلة الصين اليوم، حسين إسماعيل، إلى أن المكاسب فيما يخص الطاقة ليست هي الوحيدة في هذا السياق، مشيراً إلى المقولة الصينية الدارجة (لا يوجد عشاء مجاني) وبما يعني أن لبكين مجموعة من المكاسب التي تجنيها من خلال العلاقات مع روسيا، وهي علاقات تعاون تفيد البلدين.
ويتابع إسماعيل في تصريحات لـ “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “تجمع روسيا والصين علاقات ممتدة، فهما دولتان جارتان وبينهما حدود مشتركة طويلة وتاريخ من التعاون والتنسيق منذ الاتحاد السوفيتي”، موضحاً أن وضع النظام الدولي الحالي يفرض الصين إيجاد شركاء دوليين لهم ثقل مثل روسيا.
ويشير إلى أن “المواجهة بين بكين وواشنطن حقيقية، ويمكن أن نشاهدها في الملفات كافة؛ الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية وغير ذلك، وكل تحرك صيني يواجه بمحاولات إعاقة من الولايات المتحدة الأميركية (..) الصين تطرح نموذجاً بديلاً للنموذج الأميركي، وبالتالي فإنها في هذه العملية تحتاج لقوى كبرى إقليمية ودولية، وبالتالي تنسق علاقاتها بشكل جيد مع عديد من الأطراف، من بينهم روسيا والسعودية وإيران وكوريا الشمالية، وحتى دول أميركا اللاتينية التي كانت تقليدياً تمثل الحديقة الخلفية لواشنطن”.
ويعود الخبير في الشؤون الصينية بالحديث عن الطاقة، موضحاً أن “مسألة الطاقة بلا شك إلى جانب تلك العوامل المذكورة تلعب دوراً (..) تستفيد بكين من الطاقة الرخيصة من موسكو، وأيضاً روسيا تستفيد من خلال كسر الحواجز التي وضعتها الدول الغربية عليها، بما يعني أن هناك تكاملاً بين الصين كأكبر دولة مستهلكة للطاقة وروسيا التي تعد من أكبر منتجي الطاقة بشتى أشكالها، ومن ثم هذا التعاون مفيد للبلدين، كذلك هو ليس وليد اليوم، إنما هو تعاون ممتد”. كما يشير أيضاً إلى سعي البلدين لبناء نظام عالمي متعدد الأقطاب، وهى فكرة محورية تجمع بينهما.
وفي السياق لا يعتقد بأن مسألة تايوان هي المحرك الرئيسي للعلاقات مع روسيا “صحيح أن بكين تسعى لتنويع وتوسعة شبكة أصدقائها لمواجهة التطورات المختلفة، لكن مسألة تايوان تختلف بشكل كبير عن أوكرانيا والحسابات مختلفة (..) كما أن مواقف الولايات المتحدة حال لجوء الصين إلى حلول غير دبلوماسية معروفة”.
وقد عكست زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ ، إلى موسكو هذا الأسبوع، الرغبة الصينية الحقيقية في تطوير العلاقات مع روسيا. وهي الزيارة التي تم خلالها توقيع وثيقتين لتعميق تلك العلاقات (الوثيقة الأولى: بيان مشترك حول تعميق الشراكة والتفاعل الاستراتيجي، وبما يتواءم مع الدخول في حقبة جديدة)، (الوثيقة الثانية: بيان مشترك حول خطة التنمية للمجالات الرئيسية للتعاون الاقتصادي للعام 2030).
نشكركم لقراءة خبر “ماذا تريد كل من روسيا والصين من تطوير العلاقات الاقتصادية؟” عبر صحيفة “موقعي نت”..