كيف أصبحت صفعة ويل سميث سر نجاح حفل أوسكار 2023؟ | فن
الصفعة التي وجّهها الممثل الأميركي ويل سميث لزميله كريس روك السنة الماضية على خشبة المسرح أثناء توزيع جوائز الأوسكار في نسختها الـ94 لم تصب وجه كريس فقط، ولكنها أصابت أيضا وجه الجوائز السينمائية الأشهر والأبرز في العالم.
وجاءت النسخة الـ95 من الحفل وقد تعلم المسؤولون عن الجهة المانحة للجائزة (الأكاديمية الأميركية لفنون وعلوم الصورة) الدرس جيدا، فبدت الصفعة وكأنها لم تسبب الدوار المتوقع منها، ولكنها أدت إلى إفاقة حقيقية.
وكأن صفعة ويل سميث جعلت حفل الأوسكار في نسخته التالية يظهر بالصورة التي اعتادها عشاقه منذ سنوات طوال، وقد اضطر المسؤولون في سبيل ذلك إلى تشكيل فريق من الحراس الأقوياء الجاهزين للتدخل إذا ما حاول أحد اللجوء إلى العنف، ولعلهم أدركوا أن ارتكاب حادث عنيف كان يعني ببساطة نهاية القيمة التي اكتسبتها الجائزة عبر ما يقرب من 100 عام.
ولم يكن ما حدث في حفل الأوسكار بعيدا عما حدث في جوائز الغولدن غلوب قبل الأخيرة، التي قاطعها أغلب نجوم هوليود بسبب افتقارها إلى التنوع وبروز شائعات عن الفساد والرشوة، وهو ما تسبب في فشل صريح تم تداركه في الحفل الأخير، كما أعاد إحياء جوائز الغولدن غلوب التي تمنحها جمعية الصحفيين الأجانب في نيويورك.
وفي حفل الأوسكار الجديد عبرت الجوائز عن حالة أشبه باستجابة مباشرة لرؤية تقوم على إعادة بناء الجوائز الأهم في العالم، وهو ما حدث بالفعل، لكن هذه الرؤية بحاجة إلى الإجابة عن أسئلة تتعلق بما تعنيه هذه الجوائز، وهل سوف يؤدي الحفل الذي جاء على مستوى التوقعات إلى احتفاظ جوائز الأوسكار بقيمتها في عالم السينما؟
فاز عملان يمكن اعتبارهما أجنبيين بأكبر عدد من جوائز الأوسكار، الأول “كل شيء، كل مكان، في الوقت نفسه” (Everything Everywhere All at Once)، وقد صنعه مهاجرون آسيويون، وهيمن على حفل الأوسكار بفوزه بـ7 جوائز في فئات رئيسة من بينها أفضل فيلم.
والثاني “كل شيء هادئ على الجبهة الغربية” (All Quiet on the Western Front) الفائز بأوسكار أفضل فيلم أجنبي، ومن ثم فإن جوائز هذه السنة جاءت “ملونة بامتياز”، ولعلها جاءت استجابة لردود الفعل العنيفة التي تتصاعد في جنبات هوليود وفي العالم كله منذ عامي 2016 و2017 اللذين شهدا ترشيحات بيضاء فقط لنجوم التمثيل بشكل خاص.
وعلى الرغم من أن الاحتجاجات على انفراد الممثلين البيض بترشيحات الأوسكار ربما فهمت على أنها دعوة إلى إنصاف الممثلين من أصل أفريقي في هوليود، فإن المكاسب جاءت لمصلحة الآسيويين، إذ حصل الفائزون من أصل آسيوي على جوائز في 8 فئات، وهو أكبر عدد من الجوائز يحصلون عليه في عام واحد.
وقد ظهرت الملامح الآسيوية على خشبة مسرح الدولبي لتسلّم الجوائز من قبل في عامي 2009 و2020 عن فيلمي “كلب الحي المليونير”(Slumdog Millionaire) و”الطفيلي” (Parasite).
كذلك حدث الأمر نفسه في عامي 2001 و2021 عن فيلمي “النمر الرابض والتنين الخفي” (Crouching Tiger, Hidden Dragon) و”البدوي” (Nomadland) وفيلم “ميناري” (Minari).
الرسائل الصريحة
رغم الضغوط التي تمارس لمصلحة أفلام بعينها، أو الأموال التي تضخ لتسييد اتجاهات وإطلاقها من هوليود لتنتشر بسرعة البرق في العالم، فإن ثمة نقطة إيجابية تحسب للمجتمع الأميركي إجمالا، وهي أن هذه الجوائز تبدو للمراقب منصفة إلى حد كبير، بل معبرة -كما ينبغي في أي مجتمع يدّعي الديمقراطية- عن مختلف الأذواق والاتجاهات في المجتمع الأميركي.
هذا الأمر يمكن ملاحظته حتى في ما يخص اختيار الفيلم الأجنبي، فالحكم عليه يأتي تعبيرا عن الميول الأميركية، رغم مشاركة العديد من السينمائيين في العالم، ولكن يبقى العدد الأكبر والنسبة الأكثر تأثيرا في النتائج للصوت الأميركي ووجهة النظر الأميركية.
نحن أمام صورة للميول الأميركية في العام الحالي، إذ يرفض الأميركيون الحرب ويوافقون تماما على الرسالة الموجهة من خلال (كل شيء هادئ في الجبهة الغربية)، كما أنهم يبدون تعاطفا مطلقا مع تلك المهاجرة الصينية وأزمتها في فيلم “كل شيء، كل مكان، في الوقت نفسه”، دون تمييز ضدها باعتبارها ليست بيضاء أو ليست مواطنة أصلية.
وفي الحالتين كان التميز الفني بما يعنيه من بلاغة في تصوير الحالة داخل الفيلم هو الفيصل.
ولعل ذكريات الوجبة “الأوسكارية الجاهزة” قبل عام 2016 تدعم الفكرة نفسها، حيث كان يمكن لمتابع الأوسكار التنبؤ بها كل عام، فسوف تحتوي على فيلم من بطولة ممثل أسود يدور حول التمييز العنصري في الولايات المتحدة في السابق، وآخر تاريخي يربط بين أميركا وأوروبا، وثالث رومانسي، وهكذا.
تلك الوجبة التي أنهى وجودها التوجه اليميني المحافظ الذي تجلى في المجتمع الأميركي عبر انتخاب دونالد ترامب للرئاسة في 2016. ورغم ذلك فقد استيقظت هوليود منذ اللحظة الأولى، فظهر اسم الرئيس السابق على ألسنة نجومها سخرية وسبًّا في كل المحافل، حتى ترك كرسي السلطة، واستعادت الجوائز بعض التوازن، وإن لم يكن كاملا.
رسائل المجاملة
رغم إيراداته التي تجاوزت ملياري دولار، فإن جائزة الأوسكار لأفضل مؤثرات بصرية هي كل ما استطاع مخرج بحجم جيمس كاميرون الحصول عليه، وهي جائزة مستحقة، وفيما عداها لم يضف إلى الجزء الأول من فيلمه “أفاتار” سوى أحداث أقل إثارة من تلك التي وردت في الجزء الأول، ولم يكن في السيناريو أو التمثيل أو غير ذلك من العناصر ما يمكن أن يميز الجزء الجديد.
الحال نفسه تكرر مع فيلم “توب غان: مافريك” (Top Gun: Maverick) الذي أخرجه توم كروز، والذي حقق إيرادات غير مسبوقة. فرغم التكنولوجيا التي استخدمت فيه ورغم الكثير من الإبهار، واستجابة شباك التذاكر للعمل، فإن الإضافة الفنية الإبداعية لم تكن بارزة بالشكل الذي يسمح له بالفوز، وهو ما حدث بالفعل، باستثناء جائزة أفضل مؤثرات صوتية.
ولم تؤثر مكانة ستيفن سبيلبرغ صاحب التاريخ المتميز في هوليود بفيلمه “آل فيبلمان” (The Fabelmans) على التصويت بأي شكل، ومُنح أوسكار أفضل موسيقى تصويرية فقط، فالعمل مع جماله إلا أنه لم يرتق إلى المستوى المتوقع من سبيلبيرغ، لكنه مقبول من رجل يستعيد ذكرياته بصريا وبشكل فني.
يبقى أن مصممة الأزياء ذات الأصل الأفريقي روث كارتر -التي فازت بجائزتي أوسكار لتصميم الأزياء أولهما عام 2019 والثانية في 2023- قد دخلت التاريخ باعتبارها الأميركية-الأفريقية التي فازت بجائزتي أوسكار عن جزأين من فيلم واحد هو “بلاك بانثر” 2018 (Black Panther) و”بلاك بانثر: واكاندا فور إيفر” 2022 (Black Panther: Wakanda Forever).