2.5 مليون طفل تأثّروا.. تداعيات صعبة على أيتام الزلزال في سوريا | سياسة
شمال سوريا- لا تزال الطفلة هناء شريف غير مصدّقة لحقيقة فقدان أسرتها التي قضت تحت أنقاض منزلهم المنهار في الزلزال بلدة معرة مصرين في ريف إدلب شمال سوريا، وكانت الناجية الوحيدة بينهم.
ومع آلامها الجسدية وإصابة يدها بمتلازمة الهرس، تعاني هناء (8 سنوات) من معاناة نفسية كبيرة، إذ لا يمر يوم دون أن تدخل في نوبة من البكاء والهلع الشديد، مطالبة بأمها وأبيها قبل أن يقوم عمّها بتهدئة روعها ومحاولة التخفيف عنها.
ويقول عم الطفلة عبد الله شريف، إن ابنة أخيه -التي تقيم اليوم في منزله- بدأت رحلة علاج طويلة الأمد في أحد مستشفيات “معرة مصرين” بعد أن انتشلت من تحت الأنقاض وخضعت لعدة عمليات جراحية في يدها اليسرى بعد كارثة الزلزال.
ويضيف شريف للجزيرة نت، أن الطفلة غير قادرة على تحمّل مأساة فقدان أسرتها، وهي مصابة بصدمة كبيرة. وكلما ساءت حالتها النفسية يقوم باصطحابها إلى قبر والديها لأجل التخفيف عنها.
وعن مستقبل الطفلة هناء وكفالتها كيتيمة، أكد شريف أن عدة منظمات إنسانية في شمال غرب سوريا أعلنت اعتزامها كفالة الأيتام الذين خلّفهم الزلزال المدمر في المنطقة، وأن أحد العاملين في الشأن الإنساني تواصل معه لأجل ابنة أخيه وطالبه بأوراق ثبوتية عن وفاة والدي الطفلة، لكنه لم يعد مرة أخرى لاستكمال المعاملة.
وهكذا تمضي الصغيرة يومها بين الذكريات المؤلمة عن فقدان والديها وشقيقها الصغير، فيما تحاول بمداعبة دميتها الصغيرة الهروب من الواقع في بلد أنهكته الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد وأدخله الزلزال أخيرًا في أزمة مركّبة.
قد يكون الرقم “مرعبا”
ولا تبدو هناء ومحنتها الكبيرة حالة فردية، إذ خلّف الزلزال عددًا كبيرًا من الأيتام في مناطق سيطرة المعارضة شمال غرب سوريا لا يُعرف عددهم بالضبط حتى الآن. فيما فقد أكثر من 4 آلاف شخص حياتهم في هذه المنطقة القريبة من الحدود مع تركيا حيث مركز الزلزال.
وذكر تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أن أكثر 2.5 مليون طفل سوري تأثّروا بالزلزال، وأن العديد من الأطفال فقدوا أهاليهم فيه. وحذر من أن “الرقم سيكون مرعبًا” بالنظر إلى عدد القتلى الكارثي والمتزايد.
ومع هول الفاجعة، تنشط جمعيات إنسانية بمتابعة كفالات الأيتام بشمال غرب سوريا، إذ أعلنت منظمات عدة من أبرزها “جمعية عطاء الإنسانية” عن كفالة كامل الأطفال الأيتام الذين فقدوا أهاليهم في كارثة الزلزال.
وبلغ عدد الأيتام المتقدمين عبر الرابط الإلكتروني الذي نشرته الجمعية منذ 23 فبراير/شباط الماضي، نحو 1500 طفل، وفق نائب المدير العام للجمعية عبد الرحمن الشردوب، مشيرًا إلى أن موظفي المؤسسة يقومون بالتحقق من أن الحالات المسجلة كانت من ضحايا الزلزال، وذلك بالتنسيق مع المجالس المحلية في شمال غرب سوريا.
وقال الشردوب، في حديث للجزيرة نت، إن عمليات التحقق من اليُتم تعقبها مرحلة التواصل مع معيل الطفل اليتيم ليصبح مكفولًا ماديًّا من قبل الجمعية.
وتدرس الجمعية حالات الأطفال الأيتام المتضررين من الزلزال وكذلك “غير المصاحبين لذويهم” أي مَن تشتتوا عن عائلاتهم بعد الكارثة، لتشملهم الكفالة المالية.
وأشار الشردوب إلى أن الجمعية استحدثت خطًّا ساخنًا لتقديم الدعم النفسي هاتفيًّا، إلى جانب منصة إلكترونية لاستقبال حالات بحاجة لدعم نفسي، إضافة لتوفير عيادات للعلاج والدعم النفسي تستهدف المتضررين من الزلزال وخصوصًا الأيتام منهم.
فقدان النطق وآثار أخرى
ولا يبدو أن المسألة ستنتهي عند تأمين الاحتياجات المادية للأطفال الأيتام الذين فقدوا ذويهم بسبب الزلزال، إذ يحتاج الأمر جهدًا كبيرًا لإخراجهم من الصدمة التي تلازمهم منذ اليوم الأول للكارثة.
يقول الطبيب المختص في الأمراض النفسية موفق عموري، إن الآثار النفسية المترتبة جراء كارثة الزلزال على الأطفال ومنهم الأيتام خاصة، تتمثل في حالة الخوف المستمر والعزلة التامة، وفقدان البعض منهم القدرة على النطق مع تسجيل حالات تبول لا إرادي وعدم الرغبة في تناول الطعام.
وقال عموري للجزيرة نت، إنه لاحظ خلال عمليات الاستجابة في مراكز إيواء المنكوبين أكثر من 7 حالات فقدان نطق لأطفال منذ اليوم الأول للزلزال، مشيرًا إلى أن الصغار غير قادرين على التعبير عن طريق الكلام، ويظهرون ردة الفعل في تراجع قدراتهم ومهاراتهم.
وأكد الطبيب النفسي أن حالة الخوف والهلع عند الكبار تنعكس على أطفالهم، وخاصة مع متابعة مشاهد الدمار وإظهار الكبار حالة الفقد، وعدم الشعور بالأمان والخوف من صعوبات الحياة، لتظهر على شكل اضطرابات نفسية لدى الصغار.
وشدد عموري على أن بعض حالات الأطفال تحتاج إلى تدخل طبي، فيما يحتاج معظمهم لخدمات دعم وتفريغ نفسي، وسط قلة الكوادر وضعف الخبرات والإمكانيات في شمال غرب سوريا، قبل حدوث الزلزال.