أسلاك نانوية فائقة الاستقرار توفر إمكانية تصنيع مواد جديدة لمكافحة التغيرات المناخية | علوم
يعد تغير المناخ المتسارع تهديدا رئيسيا وخطيرا للحياة على الأرض، ويتسبب ارتفاع درجات الحرارة في وجود غاز الميثان في الغلاف الجوي، الذي يكون أقوى 30 مرة من غاز ثاني أكسيد الكربون في القدرة على حبس الحرارة.
ومؤخرا، كشف فريق من جامعة “ييل” (Yale University) الأميركية النقاب عن تركيب بروتين نانوي له خصائص مدهشة، ويشبه إلى حد كبير بروتينا مثله تستخدمه الميكروبات الآكلة للميثان، ونشرت دراسة الفريق البحثي في دورية “نيتشر ميكروبيولوجي” (Nature Microbiology) في الثاني من فبراير/شباط الجاري.
الأسلاك البروتينية النانوية فائقة الاستقرار
يشكل البروتين النانوي الجديد المكتشف أسلاكا بروتينية فائقة الاستقرار، وهو يشبه سلك الكهرباء النحاسي العادي، ويعد أعلى موصل كهربائي معروف حتى الآن. وأسلاك البروتين النانوية مصنوعة من البروتينات، وهي جزيئات صغيرة يمكن معالجتها لإنشاء أجسام ذات خصائص فريدة.
وتشكل هذه الأسلاك النانوية نوعا جديدا نسبيا من المواد التي لديها القدرة على إحداث ثورة في الطريقة التي نستخدم بها التكنولوجيا. ويمكن أن يؤدي هذا الاختراق العلمي الجديد إلى مجموعة واسعة من التطبيقات في مجالات مثل الإلكترونيات وتخزين الطاقة والطب الحيوي.
وتبدأ عملية تكوين أسلاك نانوية بروتينية فائقة الثبات بالبكتيريا، وقد حدد الباحثون أنواعا معينة من البكتيريا التي تنتج بروتينات ذات خصائص فريدة مثل بكتيريا “جيوباكتر” (Geobacter)، وهي من أنواع البكتيريا التي تتنفس تنفسا لاهوائيا، ولها قدرات تجعلها مفيدة في المعالجة الحيوية.
وتم العثور على بكتيريا “جيوباكتر” في التربة والرواسب المائية، وهي أول كائن حي لديه القدرة على أكسدة المركبات العضوية والمعادن مثل الحديد، والمعادن المشعة، والمركبات البترولية، وتحويلها إلى ثاني أكسيد الكربون أثناء استخدام أكسيد الحديد أو غيره من المعادن المتاحة كمستقبلات للإلكترون.
نظرة ثاقبة
وأظهر الفريق سابقا أن هذا البروتين النانوي يسمح بتوليد أعلى طاقة كهربائية بواسطة أي بكتيريا. ولكن حتى الآن، لم يكتشف أحد كيف تولد البكتيريا الطاقة الكهربائية.
وباستخدام “المجهر الإلكتروني فائق البرودة” (Cryo-EM)، تمكن الفريق من رؤية التركيب الذري للأسلاك النانوية واكتشاف أن الحواف معبأة بإحكام لتحريك الإلكترونات بسرعة كبيرة مع ثبات عال للغاية.
وعن طريق “دراسة البلورات بالأشعة السينية” (X-Ray Crystallography)، فحص الباحثون بنية البروتين الذي يشارك في تجميع وتوصيل الأسلاك النانوية. واكتشفوا أسباب قدرته العالية على التوصيل الكهربي وكيفية تجمعه لتشكيل سلسلة من الأسلاك النانوية.
وفي النهاية توصل الفريق لكيفية إنشاء أسلاك نانوية بروتينية فائقة الاستقرار، وشكلوا البروتينات بالفعل على هيئة خيوط رفيعة وطويلة، ثم شكلوا أسلاكا نانوية اصطناعية للمرة الأولى من الأسلاك النانوية البكتيرية.
ووجد الفريق أن البكتيريا تنتج أيضا إنزيمات تساعد على استقرار الأسلاك النانوية وتجعلها أكثر مقاومة للظروف البيئية مثل درجة الحرارة والرطوبة، وهذا يجعلها مثالية للاستخدام في مجموعة متنوعة من التطبيقات، وعلى رأسها تطبيقات مكافحة التغيرات المناخية.
مكافحة تغير المناخ
وتسرّع درجات الحرارة المرتفعة نمو الميكروبات، ومن ثم تنتج غازات دفيئة بكمية أكثر مما تحتاجه النباتات، مما يضعف قدرة الأرض على أداء دورها كبالوعة لامتصاص الكربون ويؤدي لزيادة درجات الحرارة العالمية.
ويمكن أن يكون أحد الحلول المحتملة لهذه المشكلة استخدام الأسلاك البروتينية النانوية فائقة الاستقرار، التي يمكنها إحداث ثورة في الطريقة التي نستخدم بها التكنولوجيا من خلال تزويدنا بمواد أكثر كفاءة وموثوقية من أي وقت مضى.
كما يمكن تطبيق نتائج هذه الدراسة لتطوير تقنيات تجميع الأسلاك النانوية، ودمج المكونات البيولوجية في الأجهزة الإلكترونية، وتصنيع أجهزة الاستشعار الحيوية القادرة على اكتشاف مجموعة واسعة من الجزيئات في مجموعة متنوعة من البيئات، وإنتاج العديد من المواد الجديدة، مما يؤدي في النهاية لتطوير طرق أكثر كفاءة وفعالية لمكافحة التغيرات المناخية.
وقال نيخيل مالفانكار الباحث المشارك في الدراسة من قسم الفيزياء الحيوية الجزيئية والكيمياء الحيوية، بمعهد العلوم الميكروبية في جامعة “ييل” في بيان صحفي نشر على موقع “يوريك ألرت” (EurekAlert)، “نحن نستخدم هذه الأسلاك لتوليد الكهرباء ولمكافحة تغير المناخ من خلال فهم كيفية استخدام الميكروبات الآكلة للميثان”.
ويمكن أن يؤدي هذا الاختراق الجديد إلى تقدم في العديد من المجالات المختلفة ويفتح إمكانيات جديدة للبحث والتطوير، حيث تتمتع الأسلاك البروتينية النانوية فائقة الثبات التي أنشأتها البكتيريا بإمكانيات كبيرة للاستخدام في العديد من مجالات التكنولوجيا والعلوم المختلفة.