وسط مطالب بتعديل تشريعي.. إقرارات الذمة المالية بمصر في انتظار تحرك حكومي | سياسة
القاهرة- بينما يتلقى جهاز الكسب غير المشروع بوزارة العدل المصرية إقرارات الذمة المالية للمسؤولين الحكوميين خلال 3 أشهر الأولى من كل عام، تدور الأسئلة حول الغطاء القانوني الذي يدفع الموظفين العموميين إلى تقديم إقرار الذمة المالية الحقيقي والكشف عن ثرواتهم.
وتحتل مصر المركز رقم 117 من بين 180 دولة في مؤشر مكافحة الفساد لعام 2021 التي تُعده منظمة الشفافية الدولية حول مدى انتشار الفساد بين الموظفين في القطاع العام والسياسيين، وهو ما دفع البلاد إلى إطلاق فعاليات المرحلة الثالثة للإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد (2023-2030) بـ5 أهداف؛ في مقدمتها وجود جهاز إداري كفء متماش مع الحوكمة والشفافية والنزاهة وكفاءة المؤسسات الحكومية.
وشدد مراقبون -في حديث للجزيرة نت- على ضرورة استقلال جهات الرقابة على الذمم المالية للمسؤولين، عبر إنشاء مفوضية قضائية مستقلة وإلغاء الثغرات المالية المرتبطة بالصناديق الخاصة السيادية، وتعديل القانون الحالي لجهاز الكسب غير المشروع.
التزام قانوني تحت المراقبة
ويواصل جهاز الكسب غير المشروع تلقي إقرارات الذمة المالية لموظفي الدولة للعام الجديد، وذلك لمن تنطبق عليهم الشروط بتقديم الإقرارات خلال هذا العام وذلك قبل انتهاء مدة التقديم في مارس/آذار المقبل.
وأوضح المستشار تامر الفرجاني مساعد وزير العدل للكسب غير المشروع -في تصريحات متلفزة- أن إقرار الذمة المالية يقوم على الالتزام بالإفصاح عن الممتلكات وشأنه شأن الإقرارات الضريبية للممول الضريبي، حيث يفصح الخاضع لإقرار الذمة المالية عن كل مخصصاته ومخصصات أسرته، ويتم تقديمه إلى جهات العمل كل 5 سنوات، والتي تقوم بإرسالها إلى جهاز الكسب غير المشروع.
وأكد الفرجاني أن هذا الإقرار مهم ضمن خطوات لمكافحة الفساد والإضرار بالمال العام، ويخضع للرقابة، وفي حال عدم تقديمه فإن هذه جريمة يعاقب عليها بالحبس أو الغرامة طبقا للمادة 21 من قانون الكسب غير المشروع رقم 62 لسنة 1975.
وأطلقت وزارة العدل مؤخرا، خدمة إلكترونية يمكن من خلالها تقديم المواطنين للبلاغات والشكاوى عن بعد إلى جهاز الكسب غير المشروع، والتي تكون متعلقة بإعمال أحكام القانون، للتيسير على المواطنين وحماية المبلغين وسرية البيانات وتسريع وتيرة الإجراءات القضائية.
كما دشنت الوزارة خدمة إلكترونية أخرى، يمكن من خلالها للمسؤولين الحكوميين تقديم إقرارات الذمة المالية عن بعد، بدون الحاجة لنقل الإقرارات الورقية من جهات عملهم إلى إدارة الكسب، وشملت المرحلة الأولى الموظفين الملتزمين بتقديم الإقرارات من الذين انتقلوا إلى العاصمة الإدارية (شرقي القاهرة) والبالغ عددهم العام الماضي حوالي 4100 موظف.
ووفق نص القانون، فإن الفئات الملزمة بتقديم الإقرارات هي 10 فئات: القائمون بأعباء السلطة العامة من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء وسائر العاملين بالدولة، ورئيس وأعضاء مجلسي النواب والشيوخ ومن في صفتهم، ورؤساء وأعضاء مجالس الإدارة وسائر العاملين بالهيئات والمؤسسات العامة والاقتصادية، والعاملون بالشركات التي تساهم الحكومة أو الهيئات العامة بنصيب في رأس مالها.
جهات رقابية بارزة
وتتصدر 3 جهات رقابية، تحركات مصر لضبط الذمة المالية للمسؤولين الحكوميين؛ أولها إدارة الكسب غير المشروع، وهي إدارة بوزارة العدل المصرية، تعتني –وفق بيان رسمي للوزارة– بتطبيق القانون رقم 62 لسنة 1975، بشأن الكسب غير المشروع، بغرض مكافحة الانحراف الوظيفي والفساد الإداري واستغلال الصفة الوظيفية لتحقيق ثراء غير مشروع، وهي من تتلقى إقرارات الذمة المالية، والشكاوي حولها.
وفي هذا المسار يبرز دور هيئة الرقابة الإدارية وهي هيئة مستقلة، تأسست عام 1964، تابعة لرئيس الجمهورية، لها الشخصية الاعتبارية وتتمتع بالاستقلال الفني والمالي والإداري، وتهدف إلى منع ومكافحة الفساد بكافة صوره.
كما يبرز نشاط الجهاز المركزي للمحاسبات، في هذا السياق، وهو هيئة مستقلة، ذات شخصية اعتبارية، تتبع رئيس الجمهورية، وتهدف إلى تحقيق الرقابة الفعالة على أموال الدولة وأموال الشخصيات العامة الأخرى وغيرهم من الأشخاص المنصوص عليهم في القانون.
تضارب المصالح
من جانبه، يوضح مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان المحامي والحقوقي خلف بيومي في تصريح للجزيرة نت أن الهدف من تقديم إقرارات الذمة المالية يجب أن يكون من أجل تعزيز ثقة الجمهور في نزاهة المسؤولين الحكوميين والمساعدة في منع تضارب المصالح المالية، خاصة في ظل الحالة التي تشهدها مصر من فقدان للثقة في نزاهة الحكومة في ظل تغلغل الفساد في الجهاز الإداري للدولة.
ويرى مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان، أنه رغم إطلاق مصر الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد إلا أنها ما زالت تعاني من قصور في البيئة التشريعية والمؤسسية القائمة على مكافحة الفساد، وبالتالي يجب على مصر تعديل “قانون الكسب غير المشروع ليواكب تطور النظم القانونية لمكافحة الفساد، وإرساء قيم النزاهة والشفافية.
ويطالب بيومي بتمكين الجهات المستقلة لمسؤولي إنفاذ القانون للقيام بدورهم باستقلال تام عن الجهاز الإداري للدولة، خاصة على سبيل المثال أنه لم يلتزم أحد من المسؤولين بالدستور الحالي في نشر إقرار الذمة المالية في الجريدة الرسمية ولم يراجعهم أحد بعد.
لجنة قضائية مستقلة
من جانبه دعا رئيس محكمة الاستئناف السابق المستشار محمد سليمان في حديث للجزيرة نت إلى ضرورة إنشاء لجنة قضائية مستقلة لتلقي كل ما يخص الذمة المالية، وتلقي الشكاوى الخاصة بالكسب غير المشروع، مشيرا إلى أن دستور 2012 عالج الأمر بإنشاء مفوضية مستقلة ولكن ألغيت في الدستور الحالي.
ويوضح المستشار البارز في مجال الدفاع عن استقلال القضاء أن كل الجهات الرقابية بمصر سواء التي تتلقى الإقرارات أو تتابعها تشرف عليها السلطة، وبالتالي لا يعقل أن تتابع جهة ما ذمة مالية لمسؤول وهو مشرف عليها، وهو ما يتطلب استقلال كامل للجهة الرقابية.
وفي السياق نفسه، تساءل المعارض المصري البارز يحيى حسين عبد الهادي في تدوينة على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك ” عن سبب عدم نشر إقرار الذمة المالية لرئيسي الجمهورية والوزراء سنويا في الجريدة السنوية حتى الآن.
ثغرات متعددة
من جانبه يؤكد الوكيل الأسبق لوزارة الصحة المصرية مصطفى جاويش، أحد الذين شاركوا في تقديم إقرار الذمة المالية، وقت عمله، أنه كان حريصا على تقديم الإقرار في موعده الدوري بانتظام، احتراما للقانون وحرصا على الشفافية، خاصة أن ضمان سلامة البيانات على مسؤولية صاحب الإقرار.
ويرى جاويش، في حديث للجزيرة نت، أن تنامي منظومة الفساد الإداري والمالي وتغلغلها في الأجهزة الحكومية بصورة عامة منذ عقود طويلة في مصر كانت السبب في إصدار قانون الكسب غير المشروع في السبعينيات من القرن الماضي، بهدف مراقبة نمو ثروة الموظف ومصادرها القانونية، خاصة أن الدخل الحكومي معروف ومحدد باللوائح المالية.
ويوضح جاويش أن القانون لا يزال مجرد وسيلة نظرية لمواجهة الفساد، لأن الواقع يختلف كثيرا، وذلك لوجود ثغرات مالية كثيرة، من أخطرها انتشار الصناديق الخاصة مؤخرا ومجهولية اللوائح المالية المنظمة لها، وبالتالي فمن الصعب عمليا تنفيذ عملية التيقن من قانونية مصادر الدخل بصورة نمطية.