يوفر آلاف فرص العمل وملايين الدولارات.. هل يمكن للعراق تطبيق نظام “الترانزيت”؟ | اقتصاد
بغداد- في خطوة وصفت بالمهمة لما يمكن أن توفره من آلاف فرص العمل وملايين الدولارات للعراق، أعلنت وزارة النقل العراقية الأسبوع الماضي عزمها تطبيق نظام النقل البري للعبور والضمان الدولي المعروف عالميا بالترانزيت “التير-TIR” بين البلدان المصدرة والمستوردة في منطقة غرب آسيا (الإسكوا)، مبينة الإيجابيات والمكاسب الاقتصادية التي سيوفرها النظام من خلال تسهيلات حركة النقل والتقليل من تكاليفها.
ونظام “التير” هو نظام نقل بري وضمان دولي مطبق حاليا في كثير من الدول، يُمكّن من شحن البضائع من بلد المنشأ عبر بلدان العبور إلى بلد المقصد في مقصورات نقل مختومة من قبل الجمارك، حيث تخضع للمتابعة عبر نظام متعدد الأطراف معترف به بين الدول المطبقة للنظام.
وبحثت اللجنة الوطنية لتسهيل حركة النقل والتجارة بمنطقة “إسكوا” -وهي اللجنة التابعة لوزارة النقل العراقية- مع الشركة العامة للنقل البري التابعة لوزارة النقل إجراءات تطبيق نظام “التير” المطبق في كثير من دول العالم والمنطقة، إذ من المؤمل أن يسهم تطبيقه في تقليل مدة النقل بنحو 80%، إلى جانب تقليل التكاليف بحدود 38%، حسب ما أكده عضو اللجنة عبد الحسن الزيادي في تصريح نقلته وكالة الأنباء العراقية (واع).
آلية العمل
وحول آلية عمله، أوضح الزيادي أن النظام سيتيح شحن البضائع من بلد المنشأ عبر بلدان العبور إلى بلد المقصد في مقصورات نقل مختومة من قبل الجمارك، بينما تكون متابعة البضائع عبر نظام متعدد الأطراف معترف به بين الدول المطبقة للنظام.
وأشار إلى أن هذه الطريقة تعد الأسهل والأكثر أمانا وموثوقية لنقل البضائع عبر حدود دولية متعددة، فضلا عمّا توفره من وقت ومال لمشغلي النقل وسلطات الجمارك، بما سيسهم في خفض تكاليف شركات النقل.
وتابع الزيادي أن نظام “التير” سيسهم إسهاما مباشرا في تنفيذ الأهداف الرئيسة لاتفاقية تيسير التجارة لمنظمة التجارة العالمية (TFA)، مثل التدابير التي تهدف إلى تعزيز الشفافية، وتوفير البضائع وحرية العبور والتعاون الجمركي ونشر المعلومات وتوافرها.
وتأتي هذه الخطوة بعد أكثر من 40 عاما على توقف العراق عن العمل بنظام الترانزيت إثر اندلاع الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، ويؤكد عضو لجنة النقل والاتصالات في البرلمان العراقي هيثم الفهد -في حديث للجزيرة نت- أن تفعيل مشروع الترانزيت أثار العديد من التساؤلات عن مدى استعداد حكومة بغداد وجديتها في إعادة تطبيق النظام، فضلا عن تساؤلات حول الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة.
مراحل التطبيق
وفي السياق، أوضحت وزارة النقل العراقية أن مجلس النواب العراقي قد أقر عام 2016 الموافقة على انضمام العراق لاتفاقية “التير” للنقل البري الدولي المنشأة عام 1975، وذكرت أنه بعد متابعة مستمرة من وزارة النقل والأمانة التنفيذية للجنة الوطنية لتسهيل النقل والتجارة في الإسكوا، نُشر القانون في جريدة الوقائع العراقية الرسمية عام 2020 ليدخل حيز التنفيذ عندئذ.
وبناء على ما تقدم، يقول علي أحمد البارودي مسؤول شعبة التنسيق والتكامل في الأمانة التنفيذية للجنة الوطنية “تمت مخاطبة وزارة الخارجية العراقية لغرض توقيع صك الانضمام إلى الاتفاقية وإبلاغ ممثلية العراق في مكتب الأمين العام للأمم المتحدة واتحاد النقل البري الدولي، لتبدأ خطوات التنفيذ الفعلية بتدريب الكوادر العراقية وكيفية تنظيم العمل بعد توقيع صك الانضمام”.
الأهداف
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح البارودي أن نظام “التير” يعمل على تعميم الإجراءات على الحدود للتقليل من العبء الإداري الذي تتحمله الجمارك وشركات النقل والخدمات اللوجستية، كما يهدف لتقليل فترات الانتظار على الحدود لتوفير المال والوقت.
ويمكن لناقلي “الترانزيت” المعتمدين نقل البضائع بسرعة عبر مناطق جمركية متعددة تحت رقابة الجمارك، وذلك باستخدام ضمان واحد بحيث لا يتطلب من المشغلين إلا تقديم بيانات تصاريحهم مرة واحدة أثناء عبور الحدود، حيث تتم مراقبة كل عملية نقل منذ بدايتها إلى نهايتها عبر الإنترنت، حسب قول البارودي.
ورغم المحاولات المتعددة لمراسل الجزيرة نت للتواصل مع وزارة الخارجية العراقية لمعرفة إجراءاتها حول إعادة تفعيل نظام الترانزيت، فإنه لم يتلق ردا على الاتصالات، في حين أكد مدير الشؤون القانونية والجمركية في هيئة الجمارك أن الجهة المختصة بتفاصيل النظام هي الشركة العامة للنقل البري في وزارة النقل.
وفي ما يتعلق بآلية عمل النظام، أشار البارودي إلى أنه سيعتمد على التكنولوجيا، حيث ستُرسل تفاصيل الشحنة إلكترونيا في وقت واحد إلى معابر حدودية متعددة قبل وصول الشاحنة إلى نقاط الدخول والمغادرة، مبينا أن البضائع المنقولة في إطار نظام “التير” تصل إلى الحدود في حاويات مختومة من مكتب جمارك المغادرة، بينما يغطي ضمان “التير” الرسوم الجمركية والضرائب المعرضة للخطر.
إمكانية التطبيق
وعن إمكانية تطبيق النظام، يقول عضو لجنة النقل النيابية هيثم الفهد -للجزيرة نت- إن الموضوع يحتاج إلى إعداد بنية تحتية متكاملة تستوعب حجم النقل البري، مشيرا إلى أن العراق يفتقد البنى التحتية اللازمة لذلك، بيد أن تطبيق النظام لا يمكن أن يبقى مجرد فكرة، بل يمكن البدء به الآن ليستمر تطبيقه على مدى سنوات، مشددا على ضرورة إعادة العراق إلى القناة الجافة والممر الجاف للربط بين دول الشام وأوروبا، حسب تعبيره.
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي نبيل جبار العلي أنه ليس من الصعب على العراق تطبيق نظام “الترانزيت”، وأن الأمر لا يتطلب إلا موافقات حكومية ومتابعة وإشرافا على مسارات النقل، مبينا أن ما هو مطلوب من الحكومة يتمثل في توفير طرقات آمنة وخاضعة للمعايير الفنية الدولية.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار العلي إلى أن العراق الذي ترتبط حدوده البرية مع 6 دول يمكنه الاستثمار في موقعه كممر بري وجوي ومنطقة فعالة للنقل، موضحا أن نظام “الترانزيت” البري يعد من الأدوات التي من الممكن استثمارها لجني رسوم عن الشاحنات المارة عبر أراضيه، ولتنشيط بعض الخدمات المرتبطة بهذه الأنشطة، مثل الخدمات البرية المتعلقة بالصيانة أو محطات الاستراحة والوقود وغيرها.
مكاسب اقتصادية
أما بشأن ما يمكن أن يوفره تطبيق النظام للعراق، فقد أوضح خبير النقل باسل الخفاجي أن العراق يتمتع بموقع جغرافي متميز يربط القارة الأوروبية بالقارة الآسيوية، حيث يمكن أن يوفر منفذ إبراهيم الخليل (شمالا) ممرا رئيسا لوصول البضائع التركية والأوروبية إلى الخليج العربي والأردن والعكس، وذلك يقلل من الوقت المستقطع لوصول البضائع والتكاليف، ومن ثم يوفر ملايين الدولارات ونحو 10 آلاف فرصة عمل”.
فضلا عن ذلك، يرى الخفاجي -في حديثه للجزيرة نت- أن النظام سيتيح دخول ما لا يقل عن ألف شاحنة لنقل البضائع يوميا، كما أن نقل البضائع الأوروبية والتركية من ميناء مرسين التركي إلى ميناء الشويخ الكويتي يستغرق عبر البحر 23 يوما، بينما سيستغرق 4 أيام من تركيا إلى الكويت والسعودية عبر ممر منفذ إبراهيم الخليل العراقي البري.
وأشار إلى أن توفير الوقت سيشمل كلا من البحرين وقطر وسلطنة عمان التي ستصلها البضائع في غضون 4 إلى 7 أيام، مبينا أن هذا الاختصار في الوقت سيضمن ما وصفه بـ”العمر الصحي” للمواد الغذائية، حسب تعبيره.
وفي ختام حديثه، كشف خبير النقل عن أن هذا المشروع الإستراتيجي سينشط الحركة التجارية في حال تطبيقه مع ضمان حصول البلاد على أرباح كبيرة هي رسوم لقاء مرور شاحنات نقل البضائع، فضلا عن أنه سيبعث برسالة اطمئنان لجذب الاستثمارات.
في غضون ذلك، أكد رئيس غرفة تجارة بغداد فراس الحمداني -في تصريح للجزيرة نت- أن تطبيق النظام سيوفر مردودات اقتصادية كبيرة، وأنه سيقضي على المعرقلات في إجراءات الاستيراد والتصدير.
جدير بالذكر أن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لمنطقة غرب آسيا (الإسكوا) هي واحدة من 5 لجان إقليمية أسسها المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة عام 1973، ومقرها الرئيسي كان العاصمة اللبنانية بيروت، قبل نقلها إلى العاصمة العراقية بغداد عام 1982 على خلفية الاجتياح الإسرائيلي، ثم إلى الأردن عام 1991 إثر غزو العراق للكويت، ليعود المقر بعد ذلك إلى بيروت عام 1997.