معالجات إنتل تحترق والشركة لا تنوي إصلاحها | تكنولوجيا
بمفردها تحظى شركة “إنتل” (Intel) بحصة سوقية تتخطى 78% في قطاع المعالجات المركزية متفوقة بذلك على غريمتها “إيه إم دي” (AMD) و”آبل” اللتان تشغلون المركز الثاني والثالث على التوالي، وذلك وفق تقرير نشرته شركة “كاناليس” (Canalys) المهتمة بمتابعة أسواق أجهزة الحاسوب وتحليلاتها.
بنت “إنتل” نجاحها في قطاع المعالجات المركزية في الحواسيب عبر عدة سنوات قدمت خلالها معالجات قوية قادرة على تحمل الأشغال الشاقة مهما كانت، فضلا عن أدائها المتميز مع الألعاب المختلفة، لذا يمكن القول إن جمهور اللاعبين والراغبين في الحصول على معالجات للألعاب هم من الأسباب الرئيسية وراء نجاح الشركة الأميركية، ولكن يبدو أن “إنتل” قررت أن تهمل هذا القطاع الذي جعل قيمتها تتخطى 50 مليار دولار مع الجيلين الـ13 والـ14 من معالجاتها.
تعاني معالجات “إنتل” في الوقت الحالي من أزمة ممتدة لعدة أسابيع دون وجود حل واضح للمشكلة أو حتى اعتراف الشركة بها، إذ تفاجئ اللاعبين باحتراق الأجيال الجديدة من معالجات “إنتل” تحديدا دون غيرها بشكل مفاجئ وبالتالي تلفها بشكل كامل، والشركة لا ترغب في إصلاح المشكلة أو تعويض اللاعبين.
بداية أزمة معالجات إنتل
رغم أن أزمة معالجات “إنتل” جذبت الأنظار بكثرة في الأسابيع الماضية، فإنها ليست مشكلة جديدة وتعود بدايتها إلى نهاية عام 2022، وتحديدا منتصف ديسمبر/كانون الأول، إذ بدأ المستخدمون في ملاحظة تلف المعالجات بشكل كلي ولكن بشكل أقل من الوضع الحالي.
ثم استمرت المشكلة في الظهور بشكل عشوائي طوال عام 2023 وحتى الإعلان عن الجيل الـ14 من المعالجات وإطلاقه، حيث استمرت المشكلة مع الجيل الجديد، لتنفجر وتصل إلى ذروتها في الشهور الماضية تزامنا مع إطلاق الإصدار رقم 5.4 من محرك “أنريل” (Unreal) لتطوير الألعاب واعتماد الشركات المطورة عليه بكثافة.
وقبل أن تعترف “إنتل” بالمشكلة الموجودة في معالجاتها، لاحظ المسؤولون في محرك “أنريل” أن 50% من مستخدمي معالجات “كور آي-9” من الجيلين الـ13 والـ14 يعانون من توقف المحرك بشكل مفاجئ قبل تلفه بشكل نهائي، وهو الأمر الذي دفع جزءا كبيرا منهم للانتقال إلى معالجات “إيه إم دي”.
استمرت الأزمة حتى لاحظها فرق تطوير الألعاب، وفي مقدمته فريق شركة “ألديرون للألعاب” (Alderon Games) المطور للعبة “باث أوف تايتنز” (Path Of Titans)، إذ أصدر الفريق بيانا رسميا يتهم فيه “إنتل” ببيعها لمعالجات معطوبة تؤثر على تجربة المستخدمين والمطورين على حد سواء.
بيان الشركة تطرق إلى العديد من المشاكل التي تسببت فيها معالجات الشركة، بدءا من تعطل جميع حواسيب الألعاب التي تستخدم معالجات الجيلين الـ13 والـ14 بنسبة تفوق 100%، فضلا عن تعطل خوادم اللعبة التي تعتمد على هذه المعالجات وحواسيب المطورين وأدوات الاختبار، وذلك عبر الشهور الماضية رغم محاولات الفريق للتواصل مع الشركة لإيجاد حلول تتغلب على هذه التحديات، وعندما لم يجد الفريق فائدة من التواصل مع “إنتل” قام بتعطيل تشغيل لعبته على معالجات الجيلين الـ13 والـ14 خوفا من المشاكل التي قد تسببها.
بيان فريق “ألديرون” لتطوير الألعاب ليس الوحيد المتعلق بالمعالجات المعطوبة، إذ كشف أكثر من متجر أوروبي لبيع قطع الألعاب والمعالجات المخصصة أن معدل إرجاع هذه المعالجات تجاوز 4 أضعاف المعتاد في فترات قصيرة، وهو الأمر الذي يؤكد وجود مشكلة حقيقية في هذه المعالجات، خاصة أنها لم تكن مقتصرة على معالجات “كور آي-9” فقط.
تجاهل مطلق
من طرفها قررت “إنتل” أن تتجاهل كل هذه الشكاوى والتحديات بشكل كامل، وعندما تعالت الأصوات المتهمة للشركة، ألقت “إنتل” التهمة على استهلاك الطاقة المرتفع وغير المنتظم للمعالجات، وأعلنت من خلال بيان رسمي عبر موقعها أنها تنوي إطلاق تحديث يحد من حدوث المشكلة.
ولكن هذا التحديث يستهدف المعالجات التي لم تصب بالأزمة بعد، في إشارة مباشرة من الشركة إلا كون المعالجات المعطوبة لن يتم إصلاحها أو لا يوجد حل مباشر لها، كما أن الشركة لا تنوي سحب المعالجات المعطوبة أو حتى المعالجات الموجودة حاليا في الأسواق، وستترك أمر التحديث على عاتق المستخدمين الذين يشترون المعالجات.
اتباع “إنتل” لهذا التصرف يختلف كثيرا عن منافستها الرئيسية “إيه إم دي”، التي عانت من مشكلة مماثلة مع معالجات “رايزن 9000” (Ryzen 9000) في الوقت ذاته، ولكن على غرار “إنتل” قررت إيقاف بيع المعالجات حتى تتمكن من حل المشكلة ثم إعادة طرحها مجددا في الأسواق.
السبب الرئيسي للمشكلة
قدم موقع “تومز هاردوير” (Toms Hardware) تفسيرا منطقيا بناء على الاختبارات التي قاموا بها لمعالجات الجيلين الـ13 والـ14 من إنتل، وقد أشار هذا التحليل إلى سببين مباشرين لحدوث المشكلة، الأول متعلق بالتحديث البرمجي الذي أرسلته “إنتل”.
يعالج هذا التحديث عطلا في الرمز البرمجي للمعالج يجعله يسحب طاقة أكثر من التي يحتاجها، وهو ما يؤدي إلى تلف دوائر الطاقة فيه، وهو تلف دائم لا يمكن حله مع الأكواد البرمجية أو حتى إصلاحه بشكل واضح، ويجب التخلص من المعالج في حالة حدوثه.
والسبب الثاني متعلق بعملية الأكسدة التي تعد جزءا من صناعة المعالجات المركزية، وتعمل هذه الطبقة المؤكسدة على حماية مكونات المعالج، ولكن بسبب عطل في وضع هذه الطبقة، فإنها ليست قادرة على حماية المكونات وتسهم في تلفها بدلا من ذلك، ومن الجدير بذكره أن “إنتل” عانت من هذه المشكلة سابقا مع معالجات “كور آي-7” في عام 2023 وقامت بحلها لاحقا.
خوف من اجتماع المستثمرين
تصاعدت وتيرة الأزمة في وقت لا تحسد “إنتل” عليه، إذ بدأ الأمر مع اقتراب الإعلان عن أرباح المستثمرين، وهو الأمر الذي لم يأت في صالح الشركة على الإطلاق، وبينما تجاهلت الشركة الإعلان عن خسائرها بشكل مباشر، إلا أنها كشفت عن حملة لخفض التكاليف بمقدار 10 مليارا دولار لتفادي الخسائر المستقبلية، وهو الأمر الذي يتضمن تسريح جزء كبير من عمالة الشركة.
ربما كان رد “إنتل” أخيرا على هذه الأزمة محاولة منها لتجنب خفض قيمة الأسهم أكثر من ذلك، إذ تأثرت أسهم الشركة بأكثر من 1% من قيمتها منذ اشتعال الأزمة، وإذا لم تتمكن الشركة من تقديم حلول منطقية وأسباب مرضية للمستثمرين، فإنك ستجد حالات انسحاب عديدة من أسهم الشركة مما سيؤثر سلبا على قيمتها.
لذا يظل السؤال، هل تنقذ “إنتل” الموقف؟ أم تستمر في تجاهل الأزمة حتى تتفاقم وتصل إلى درجة لا يمكن علاجها؟