أوكيناوا نظام غذائي ياباني لإطالة العمر | أسلوب حياة
في إحدى قرى جزيرة أوكيناوا اليابانية توجد لافتة حجرية نقشت عليها العبارة التالية “في الثمانين من عمرك لا تزال شابا، وفي التسعين إذا دعاك أسلافك إلى الجنة اطلب منهم الانتظار قليلا حتى تصل إلى المئة ووقتها ربما تعيد التفكير”.
ويمكننا فهم سياق هذه العبارة إذا عرفنا أن أوكيناوا واحدة من 5 أماكن حول العالم تعرف بالمناطق الزرقاء، ويتمتع سكانها بمتوسط أعمار أطول من المعتاد، وتشمل القائمة الزرقاء شبه جزيرة نيكويا (كوستاريكا) ومدينة لوما ليندا (كاليفورنيا) إضافة إلى سردينيا (إيطاليا) وإيكاريا (اليونان).
وعام 1975، بدأت دراسة أوكيناوا المئوية “أو سي إس” (OCS) والتي تعد أطول دراسة مستمرة للمعمرين في العالم، بهدف فهم الأسباب الكامنة وراء طول أعمار السكان، فدرست الأنظمة الغذائية وعادات التمارين الرياضية والأنماط الاجتماعية والسلوكية وعلم الوراثة عند كبار السن، وبلغ عدد المشاركين فيها أكثر من 300 مشارك.
وطبقا لـ”كريج ويلكوكس” أستاذ الصحة العامة وعلم الشيخوخة جامعة أوكيناوا الدولية والباحث الرئيسي المشارك بالدراسة فهناك 3 عوامل أساسية لطول العمر هناك، على رأسها النظام الغذائي ثم الممارسات الاجتماعية وعلم الوراثة، وفي حين لا يمكننا التحكم في الجينات الوراثية بإمكاننا إجراء بعض التغييرات على نظامنا الغذائي لتحسينه والاستفادة من تجربة الأوكيناويين.
الطعام دواؤك
يتكون النظام الغذائي التقليدي لسكان أوكيناوا من الخضراوات والبقوليات وخاصة الصويا، ومصادر البروتين الخالية من الدهون، مع تقييد تناول السكريات ومنتجات الألبان، وهو نظام منخفض السعرات الحرارية وفي الوقت نفسه غني بالألياف والكربوهيدرات المعقدة والعناصر الغذائية ومضادات الأكسدة.
وعادة ما يردد سكان أوكيناوا عبارة “نوتشي جوسوي” وتعني “دع الطعام يكون دواءك”. ولا عجب في ذلك إذ يتمتع نظام أوكيناوا الغذائي بعدد من الفوائد الصحية أبرزها:
- تأثيره الواضح على إطالة متوسط الأعمار، نظرا لغنى الأطعمة بمضادات الأكسدة التي تساعد في حماية الخلايا من التلف وهو ما يبطئ من عملية الشيخوخة.
- تعزيز صحة القلب والأوعية الدموية، وتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب، نظرا لانخفاض الدهون المشبعة، وارتكازه على أطعمة محتوية على نسب مرتفعة من حمض الفوليك أسيد والألياف، وهو ما يقلل احتمالات الإصابة بأمراض القلب التاجية والسكتة الدماغية.
- الحد من خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني وتحسين السيطرة على نسبة السكر في الدم نظرا لاعتماده على عناصر غذائية ذات مؤشر غلاسيمي منخفض مثل البطاطا الحلوة التي توفر العناصر الغذائية الأساسية مثل الكالسيوم والبوتاسيوم والماغنسيوم إضافة إلى الكاروتينات والتي لها فوائد مضادة للالتهابات والأكسدة.
- خفض احتمالات الإصابة بالأمراض المزمنة مثل أمراض القلب وأنواع معينة من السرطان، بما في ذلك سرطان الثدي نظرا لاعتماده على مستويات عالية من فول الصويا.
- الحد من مخاطر السمنة، وذلك لانخفاض سعراته الحرارية.
- تحسين صحة العظام بفضل احتوائه على أطعمة غنية بالكالسيوم مثل التوفو والخضراوات الورقية.
- تحسين صحة الأمعاء وعمليات الهضم، نظرا لاعتماده على الأطعمة الغنية بالألياف مثل الخضار والبقوليات.
- تحسين صحة الدماغ وتقليل احتمالات الإصابة بالضعف الإدراكي وألزهايمر وأمراض الشيخوخة.
العناصر الأساسية بالنظام الغذائي في أوكيناوا:
تشكل الخضراوات نسبة كبيرة من النظام الغذائي في أوكيناوا تصل إلى حوالي 60 % وبخاصة البطاطا الحلوة التي يتناولها السكان كبديل للأرز وتعد مصدرا رئيسيا للكربوهيدرات، وذلك بالإضافة للأعشاب البحرية والبطيخ المر والملفوف والجزر واليقطين والبابايا.
وتليها الحبوب بنسبة 33%، ويفضل سكان أوكيناوا الحبوب الكاملة مثل القمح والأرز الأسمر، ويتجنبون الحبوب المكررة أو المعالجة.
كما يعتمد السكان على الأطعمة الغنية بالصويا كمصدر رئيسي للبروتين مثل التوفو والميسو والناتو وفول الصويا. أما اللحوم الخالية من الدهن والأسماك فيتناولونها بكميات صغيرة ومعتدلة لا تتجاوز 2% من وجباتهم. بالإضافة إلى تناول المشروبات والتوابل الغنية بمضادات الأكسدة مثل شاي الياسمين وشاي أوراق الجوافة والكركم.
وعلى الجانب الآخر يمنع نظام أوكيناوا الغذائي تناول منتجات الألبان كلها مثل الحليب والزبادي والأجبان، وكذلك الأطعمة السريعة والمعالجة أو المعلبة مثل النقانق واللحم المقدد، والأطعمة والمشروبات التي تحتوي على سكريات مضافة، ويقلل من كميات اللحوم.
توقف عن تناول الطعام قبل الامتلاء
لا يقتصر النظام الغذائي لسكان أوكيناوا على نوعية الأطعمة فقط لكنه يعتمد كذلك على مقدار ما تتناوله وطريقة تناوله. ولديهم قاعدة شهيرة تستند إلى التعاليم الكونفوشيوسية وهي قاعدة “هارا هاتشي بو”. ويمكن أن تترجم إلى التوقف عن الأكل عندما تمتلئ معدتك بنسبة 80%”. عندما تمتلئ المعدة تنشط مستقبلات التمدد التي ترسل إشارات الشبع للدماغ، ويحتاج الدماغ البشري إلى ما يقرب من 15 إلى 20 دقيقة ليسجل هذه الإشارات.
ولتحقيق تلك القاعدة يعتمد سكان أوكيناوا على تناول طعامهم بوعي وبطء، وهو ما يمنح الجهاز الهضمي وقتا كافيا لإرسال إشارات إلى الدماغ بالامتلاء مما يعني أنهم يستهلكون نهاية الأمر سعرات حرارية أقل.
إيكيجاي.. نمط الحياة
بالإضافة إلى الطعام، يفرض نمط حياة السكان في أوكيناوا نشاطا وحركة بشكل يومي، ما بين أنشطة المشي والبستنة، والاعتماد على العمل اليدوي بدلا من الآلات في أنشطة الصيد والزراعة وصناعة المنسوجات التقليدية. كما يؤمن سكان الجزيرة بمفهوم “إيكيجاي” الياباني ويعني الهدف من الوجود وهو ما يمنحهم دوافع للعمل والتعلم رغم مرور العمر.
من ناحية أخرى يحافظ سكان أوكيناوا على علاقات اجتماعية قوية، وعادة ما تتناول العائلات وجباتها اليومية معا. وينخرط السكان في مجموعات صداقة تسمى “مواي” التي لديها اهتمامات مشتركة فيتجمعون بانتظام، كما يحرصون على الاستمتاع بوقتهم، والاستمتاع بالموسيقى والرقص.
ولا يركز هذا النظام على فقدان الوزن ولا يولي أهمية كبيرة لعدد السعرات الحرارية مثل أغلب الأنظمة الغذائية الغربية، بقدر تركيزه على الاعتدال والتوازن وممارسة اليقظة الذهنية للاستماع إلى جسدك خلال تناول الطعام.
الأضرار المحتملة لنظام أوكيناوا الغذائي
لكن على الرغم من كل هذه الفوائد فهناك بعض الجوانب السلبية لهذا النظام يتعلق أغلبها بصعوبة توافر مكوناته في جميع أنحاء العالم، وبخاصة منتجات الصويا العضوية التي تعتبر المصدر الرئيسي للبروتينات في هذا النظام، كما أن تقييد تناول منتجات الألبان التي توفر مصدرا غنيا بالألياف والفيتامينات والمعادن يصعب الالتزام به على المدى البعيد.
وهناك أمر آخر من أكثر الجوانب سلبية لهذا النظام هو ارتفاع محتواه من الصوديوم، وهو ما قد يكون خطرا للغاية خاصة إذا كنت مصابا بارتفاع ضغط الدم. ويعتمد سكان أوكيناوا على تناول أطعمة غنية بالبوتاسيوم وهو ما يعوض الآثار السلبية لارتفاع الصوديوم حيث يساعد الكليتين على إزالة السوائل الزائدة، مما يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم.
هل يمكنك تطبيق نظام أوكيناوا الغذائي؟
على الرغم من آثاره الإيجابية واسعة النطاق، فقد يجد البعض صعوبة في تطبيقه نظرا لصرامة تقييداته وافتقاده لبعض العناصر الغذائية مثل منتجات الألبان، بالإضافة لارتفاع منسوب الصوديوم به.
لكنه من ناحية أخرى يركز على الخضراوات والألياف والأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة ويحد من تناول السكر والدهون الزائدة، كما أن ثقافة أوكيناوا تروج لنمط حياة صحي يشمل النشاط الجسدي واليقظة الذهنية.
وليس عليك اتباع نظام أوكيناوا الغذائي بدقة للاستفادة منه، حيث يمكن دمج بعض مكوناته في نظامك الغذائي العادي من خلال زيادة نسبة الخضراوات في طعامك، وفي كل الأحوال لا يمكنك اعتبار هذا النظام حلا سحريا لكن يمكنك الاستعانة ببعض الملامح الأساسية منه لتحسين حياتك وعاداتك الغذائية.