رغم توفر الدولار.. لعبة انتظار بين المستهلكين والتجار في مصر | اقتصاد
تراجعت أسعار العديد من السلع في مصر من الأثاث إلى الأجهزة المنزلية والسيارات، في حين ارتفعت تكاليف معيشة الأسر، وإن كان ذلك بوتيرة أقل من ذي قبل، وفق ما رصدت بلومبيرغ في تقرير.
وسمح البنك المركزي المصري في مارس/آذار الماضي للجنيه بالانخفاض بنحو 40% في محاولة لوقف أزمة مستمرة قبلها بسنتين كانت تدفع اقتصاد أكبر دولة في الشرق الأوسط من حيث عدد السكان إلى حافة الهاوية قبل أن تساعد خطة إنقاذ عالمية بقيمة 57 مليار دولار في تغيير الأمور.
لكن انخفاض الأسعار اللاحق في مصر يتعارض مع أغلب التجارب الاقتصادية، مقارنة مع تجربة دول كنيجيريا والأرجنتين حيث ارتفعت الأسعار بعد تخفيض قيمة العملة.
تأثير السوق الموازية
وما زال ثمة تأثيرات لسوق الصرف الموازية (التي كانت رائجة قبل مارس/آذار الماضي) إذ راكم المستوردون المصريون بضائع على أساس الحصول على الدولار بأسعار باهظة، ومرروها إلى المستهلكين من خلال رفع الأسعار المحلية بشكل حاد.
ومع توفر الدولار الآن، وتداول الجنيه بسعر أعلى من أدنى مستوياته في السوق الموازية (نحو 70 جنيها للدولار مقارنة مع نحو 48.40 جنيها في البنوك حاليا)، يجد العديد من تجار التجزئة أنفسهم في محاولة يائسة لبيع مخزونهم بأسعار تبدو مرتفعة بشكل غير مبرر.
يأتي ذلك في وقت مضطرب لميزانيات الأسرة المصرية؛ ففي حين أن سيارة مرسيدس قد تكون أرخص مما كانت عليه في عام 2023، فإن تكاليف المعيشة الأخرى مستمرة في الارتفاع، وإن كان هذا بوتيرة أكثر اعتدالا من ذي قبل، وفق ما ذكرت بلومبيرغ، ومن المتوقع على نطاق واسع أن ترتفع أسعار الكهرباء والوقود.
وحسب بلومبيرغ، فإن انتعاش الطلب علامة مرحب بها على أن ثالث أكبر اقتصاد في القارة الأفريقية يستعيد الانضباط وأن السياسات التقليدية تترسخ مرة أخرى بعد فترة من اتخاذ السلطات حلولا مؤقتة مثل قيود الاستيراد التي جعلت الشركات في حيرة من أمرها.
ووفق بلومبيرغ، فإن انتعاش الطلب قد يساعد ذلك في تحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر الذي تشتد الحاجة إليه، وتعزيز ثقة مشتري السندات الذين ظلوا يراكمون الديون المصرية منذ تخفيض قيمة العملة.
في السنوات الأخيرة، كانت مصر تعاني من نقص شديد في النقد الأجنبي لدرجة أن بعض السلع الاستهلاكية أصبحت نادرة مع بقاء واردات بمليارات الدولارات عالقة في موانئ البلاد.
وعانت مصر كذلك من عجز عرضي في منتجات أخرى مثل التبغ، إذ خزّن الموزعون وتجار التجزئة الإمدادات تحسبا لضعف العملة المحلية بشكل حاد.
ونقلت بلومبيرغ عن تجار يعملون في شركات تتراوح بين العقارات وتجارة التجزئة للهواتف المحمولة قولهم إن أحجام مبيعاتهم انخفضت منذ تخفيض قيمة العملة، ووصلت مبيعات السيارات في مايو/أيار إلى 4810 وحدات فقط، وفق أحدث البيانات المتاحة، بانخفاض يقارب 75% مقارنة بالمتوسط الشهري في 2021 قبل الأزمة الاقتصادية.
وفي الوقت نفسه، انخفضت أسعار طرازات من السيارات تعد فارهة وشائعة بين المشترين في السوق المصري بنحو مليون جنيه مصري (21 ألف دولار)، وهذا جعل تكلفتها أقل بمقدار الربع تقريبا عما كانت عليه قبل انخفاض العملة.
لعبة انتظار
وقال رئيس قسم الأبحاث في المجموعة المالية هيرميس، محمد أبو باشا: “إنها لعبة انتظار بين المستهلكين والتجار.. يستغرق السوق على كلا الجانبين بعض الوقت لاستيعاب تقلبات سعر الصرف التي شهدتها الأشهر القليلة الماضية”.
وأضاف أن صناعة السيارات تشهد انخفاضات حادة بشكل خاص لأن القطاع كان عرضة بشكل خاص لنقص حاد في العرض أدى إلى تضخم الأسعار قبل تخفيض قيمة العملة.
وقال إن تجار المنتجات الأخرى “يختارون في الغالب تقديم تخفيضات مؤقتة، بدلا من التخفيضات المباشرة في الأسعار؛ إذ ينتظرون مزيدا من الوضوح بشأن الجنيه وسلوك المستهلك”.
ويقول كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في بلومبيرغ إيكونوميكس، زياد داود إن مصر تسير على حبل مشدود (خط رفيع) بين المستهلكين المحليين والمستثمرين الأجانب؛ فارتفاع الفائدة، وخفض الدعم، والتوقعات بانخفاض أسعار السلع المعمرة في المستقبل، كلها عوامل تنفّر المستهلكين، ويمكن للسلطات تحفيز الطلب عن طريق خفض الفائدة أو زيادة الإنفاق العام، لكن هذه الخطوات قد تؤدي إلى إبعاد المستثمرين عن سوق الدين المحلي.
وتراجع التضخم في مناطق الحضرية في مصر 4 أشهر متتالية، وهذا ما جعله منخفضا بأكثر من 10% عن الرقم القياسي السنوي البالغ 38% في سبتمبر/أيلول الماضي. وفي الوقت نفسه، كان التباطؤ متفاوتا، وارتفعت تكاليف الملابس والنقل، لكن أسعار المواد الغذائية انحرفت من الانخفاض إلى الارتفاع في الشهر الماضي.
وقد يؤدي الإلغاء التدريجي لدعم الوقود والارتفاع المحتمل في تعريفة الكهرباء هذا الصيف إلى زيادة الضغوط، رغم أن ارتفاع أسعار الخبز المدعوم بنسبة 300% والذي بدأ سريانه في أول يونيو/حزيران الماضي لم يكن له تأثير يذكر على الرقم الرئيسي.