السيارات الكهربائية.. هل حقا هي صديقة للبيئة؟ | علوم
ليس هناك من ينكر أن السيارات الكهربائية هي ما سيقوده معظمنا في المستقبل القريب، فقد تعهدت الدول في جميع أنحاء العالم بالتوقف التدريجي عن بيع السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين والديزل خلال العقود القليلة المقبلة، وذلك في محاولة لتحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2050.
ولكن بينما ننتقل نحو مستقبل القيادة الكهربائية بالكامل، نحتاج إلى تقييم دورة الحياة الكاملة للسيارة الكهربائية من أجل فهم تأثيرها، ومعرفة ما إذا كانت صديقة للبيئة حقًا -كما يُروَّج لها- أكثر من سيارات البنزين التقليدية. لذلك سنقارن التأثير البيئي للسيارات الكهربائية مقابل تلك التي تعمل بالغاز، ونلقي نظرة على بعض الحقائق لكلا النوعين من السيارات، ونحاول استخلاص استنتاج من ذلك.
دورة حياة مليئة بالمشكلات
تقدم شركات السيارات الكهربائية حلا لاستبدال الوقود الأحفوري، وغالبا ما يُعلن عنها على أنها لا تُنتج أي انبعاثات، وتسير هذه الحجة على النحو التالي: السيارات العادية تعمل بالبنزين، وهو الوقود الأحفوري الذي يضخ ثاني أكسيد الكربون مباشرة من أنبوب العادم إلى الغلاف الجوي، بينما السيارات الكهربائية تعمل بالكهرباء، ولا تحرق أي وقود على الإطلاق.. ولكن هل هي حقا كذلك؟
في عام 2019، توصلت دراسة إلى أن واحدة من السيارات الكهربائية الأكثر شعبية (نيسان ليف) التي يزيد عمرها عن 90 ألف ميل، ينبعث منها 31 طنا متريا من ثاني أكسيد الكربون طوال دورة حياتها بناء على الانبعاثات الناتجة عن تصنيعها واستهلاكها للكهرباء ومتوسط مزيج الوقود والتخلص النهائي منها.
وإذا ما قورنت بسيارة “مرسيدس إيه 160″مماثلة، فإنه خلال عمر التشغيل نفسه سينبعث منها 34 طنا فقط عبر إنتاجها واستهلاك الديزل والتخلص النهائي، ويتساوى مع هذه السيارة الكثير من السيارات الأخرى.
أمّا سيارة تسلا، ملك السيارات الكهربائية، فينبعث منها نحو 44 طنًا، أي أقل بخمسة أطنان فقط من سيارة “أودي إيه 7” مماثلة، أي أنه طوال عمر السيارة الكهربائية سينبعث منها كمية أقل من ثاني أكسيد الكربون بمقدار 3 إلى 5 أطنان فقط مقارنة بالسيارة العادية.
وعلى الرغم من أن معدل إنتاج ثاني أكسيد الكربون لكل ميل أقل بنسبة 50% من السيارات التي تعمل بالغاز، فإن السيارات الكهربائية تبدأ حياتها على الطريق ببصمة كربونية أكبر بكثير بسبب إنتاجها الذي يعوض الفارق في قيادتها لفترات أطول.
وبينما لا يزال إجمالي انبعاثات السيارات الكهربائية أقل من نظيراتها من البنزين والديزل، فإننا عندما نفكر في الآثار الإنسانية والبيئية الناجمة عن عمليات التصنيع، فإن ذلك يتركنا مع بعض الأسئلة الصعبة عن الانتقال إلى السيارات الكهربائية.
وإذا قمنا بفحص عملية التصنيع بشكل أقرب قليلاً، فسنرى أنه لا تزال هناك بعض المعضلات، حيث ينتج عن تصنيع السيارات الكهربائية انبعاثات كربونية أعلى من المركبات التي تعمل بالوقود، أي أن البصمة البيئية الأولية الناتجة عن السيارات الكهربائية الحالية أكبر من نظيراتها ذات محركات الاحتراق الداخلي.
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من ثلث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن السيارة الكهربائية يأتي من الطاقة المستخدمة في تصنيع السيارة نفسها، وخاصة البطارية، ويرجع ذلك أساسا إلى استخراج المعادن ومعالجتها لتصنيع بطاريات الليثيوم أيون التي تعتبر جزءا أساسيا من السيارة الكهربائية.
وبحسب دراسة أجرتها شركة السيارات العملاقة “فولفو” السويدية، فإن تصنيع السيارات الكهربائية مثل “فولفو سي 40 ريشارج” ذات الدفع الرباعي؛ تولِّد انبعاثات كربونية أكثر بنسبة 70% من تصنيع سيارات الاحتراق الداخلي مثل سيارة “فولفو إكس سي 40”.
ووجد تحليل لشركة السيارات الألمانية “فولكس فاغن” لعام 2019 أن السيارات الكهربائية تُنتج نحو ضِعف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في مرحلة التصنيع مقارنة بالانبعاثات الناتجة عن تصنيع المركبات العاملة بالديزل.
وينتج خلال عملية تصنيع سيارة الاحتراق الداخلي المتوسطة 7 أطنان مترية من ثاني أكسيد الكربون، ويأخذ هذا الرقم في الاعتبار كل شيء بدءا من تعدين المواد الخام وحتى لحظة خروج السيارة من خط الإنتاج. وهذا الرقم أقل من انبعاثات الكربون الصادرة خلال تصنيع السيارات الكهربائية بسبب عدم وجود بطاريات الليثيوم أيون، ويتعلق الأمر أيضا بمدى كفاءة تصنيع محرك الاحتراق الداخلي.
وبعد خروج السيارة المزوَّدة بمحرك احتراق داخلي من المصنع، يبلغ متوسط انبعاثات غازات الدفيئة من السيارات التي تعمل بالبنزين نحو 2.5 طن متري سنويا. وعلى مدى عمر السيارة (11800 ميل سنويا)، فإنها مسؤولة عن 57 طنا متريا من ثاني أكسيد الكربون؛ 7 منها للإنتاج، و50 للانبعاثات.
وخلال الفترة نفسها، فإن السيارة الكهربائية مسؤولة عن إنتاج 28 طنا متريا من الانبعاثات، أي أقل من نصف انبعاثات محرك الوقود الداخلي. وعلى الرغم من أن السيارة الكهربائية تنتج المزيد من ثاني أكسيد الكربون أثناء تصنيعها، فإنها تعوِّض ذلك من خلال عدم إصدار أي انبعاثات أثناء الاستخدام.
ومع الأخذ في الاعتبار دورة حياة السيارة الكهربائية بأكملها، بدءا من استخراج المواد الخام إلى إعادة التدوير، فإن السيارات الكهربائية لها بصمة كربونية أفضل بنسبة 50 إلى 80% من السيارات المماثلة التي تعمل بمحركات البنزين أو الديزل، أي أن السيارات الكهربائية تنتج أقل من نصف الغازات الدفيئة التي تنتجها نظيراتها التي تعمل بالوقود الأحفوري.
الثمن البيئي والإنساني لبطاريات السيارات الكهربائية
تجاوزت مبيعات السيارات الكهربائية مليون سيارة سنويا لأول مرة في عام 2017، وتتوقع بعض التقديرات أنه بحلول عام 2030 سيكون هناك أكثر من 145 مليون سيارة كهربائية على الطريق، وجميعها ستكون خالية تماما من الانبعاثات الكربونية عند أنبوب العادم، وستحتاج تلك السيارات إلى بطاريات.
واحدة من أكبر الحجج التي تتردد ضد السيارات الكهربائية أن إنتاج بطارياتها أكثر ضررًا على البيئة من إنتاج مركبات الاحتراق الداخلي، فهل هذا صحيح؟
تعمل معظم السيارات الكهربائية الحالية ببطاريات الليثيوم أيون، وهي خفيفة نسبيا ولكنها تحتوي على قدر كبير من الطاقة، ويعتبر الكوبالت -المكون الكيميائي الرئيسي لها- عنصرا سامّا نادرا يتطلب عملية استخلاص كثيفة الكربون.
ويحتاج الليثيوم إلى التنقيب مثل أي مادة خام، وبالتالي يأتي قدر كبير من الغازات الدفيئة من تعدين وتكرير المعادن النادرة اللازمة للبطاريات، والتي يتم خلالها إنتاج الكثير من الكربون.
وتأتي مواد البطارية بتكاليف أخرى أيضا، حيث يرتبط تعدين المواد الخام مثل الليثيوم والكوبالت والنيكل بجميع أنواع المشاكل البيئية، ويتطلب عمالة كثيفة ومواد كيميائية وكميات هائلة من المياه (في كثير من الأحيان من المناطق التي تندر فيها المياه) ويمكن أن يترك وراءه ملوثات ونفايات سامة.
ويضيف التصنيع أيضا إلى البصمة البيئية للبطاريات ولتجميع المواد اللازمة للإنتاج، الحاجة إلى حرارة تتراوح بين 800 و1000 درجة مئوية، وهي درجة الحرارة التي لا يمكن الوصول إليها إلا بتكلفة معقولة عن طريق حرق الوقود الأحفوري، وهو ما يزيد مرة أخرى من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
ووفقًا لتحليل أجراه مركز الأبحاث التابع للأمم المتحدة، فإن تعدين الصخور الصلبة يطلق 15 طنًا من ثاني أكسيد الكربون مقابل كل طن من الليثيوم المستخرج، وترجع هذه البصمة الكربونية المرتفعة في المقام الأول إلى طبيعة استهلاك الطاقة لمراحل الاستخراج والمعالجة.
ويمكن أن يختلف مقدار ثاني أكسيد الكربون المنبعث خلال العملية الطويلة لصنع البطارية كثيرا، وذلك اعتمادا على المواد المستخدمة، وكيفية الحصول عليها، ومصادر الطاقة المستخدمة في التصنيع.
وتُصنع الغالبية العظمى من بطاريات الليثيوم أيون (حوالي 77% من إمدادات العالم) في الصين، حيث يشكل الفحم المصدر الرئيسي للطاقة. ويُطلِق الفحم ما يقرب من ضعف كمية الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي التي يطلقها الغاز الطبيعي، وهو وقود أحفوري آخر يمكن استخدامه في التصنيع عالي الحرارة.
وعلى سبيل المثال، تحتوي سيارة من طراز تسلا 3 على بطارية ليثيوم أيون بقدرة 80 كيلووات في الساعة. وتتراوح انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن تصنيع تلك البطارية بين 2400 كلغم (ما يقرب من طنين ونصف طن متري) و16 ألف كلغم (16 طنا متريا). علمًا بأن الطن الواحد من ثاني أكسيد الكربون يعادل انبعاثات سيارة نموذجية تعمل بالبنزين خلال حوالي 2500 ميل من القيادة.
ومن الواضح أنه كلما زاد حجم البطارية زاد استهلاك ثاني أكسيد الكربون لإنتاجها، فإنتاج بعض البطاريات الأصغر حجمًا في المركبات الكهربائية ذات الحجم الاقتصادي قد يستغرق ما يصل إلى طنين متريين، لكن المركبات الكهربائية الأكبر حجمًا ذات البطاريات طويلة المدى يمكن أن تكون مسؤولة عما يصل إلى 17 طنا متريا من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
ويمر تصنيع البطاريات أيضا برحلات طويلة ينبعث خلالها الكربون بكميات تفوق ما تنتجه محركات الوقود الداخلي، حيث يتم شحن المواد الخام حول العالم لتكريرها ثم شحنها مرة أخرى لوضعها في السيارات.
وغني عن القول إن الطلب على الليثيوم مرتفع، ويمكن الحصول عليه حاليا بشكل رئيسي من مناجم الصخور الصلبة، مثل تلك الموجودة في أستراليا، في حين يأتي أكثر من نصف الإمدادات في العالم من “مثلث الليثيوم” في أميركا الجنوبية المكون من تشيلي والأرجنتين وبوليفيا.
وفي السهول الملحية القاحلة في صحراء أتاكاما في أعالي جبال الأنديز، يقوم العمال بالحفر عبر قشرة الملح للوصول إلى المحلول الملحي الغني بالمعادن تحت السطح، وتؤدي هذه العملية إلى تسرب كميات هائلة من المياه الجوفية من المنطقة المحيطة، مما يؤدي إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية وتلوث المياه وتقليل إمكانية الوصول إلى المياه للزراعة المحلية وتغطية المناظر الطبيعية.
ويتطلب استخراج الليثيوم ضخ كميات هائلة من المياه، بما يقرب من 500 ألف غالون (750 طنا) لكل طن من الليثيوم. ففي منطقة في تشيلي تسمى سالار دي أتاكاما، استخدمت شركات التعدين 65% من مياه المنطقة، ولم يتسبب هذا في نقص حاد في المياه فحسب، بل كان له أيضا تأثير كبير في قدرات المزارعين المحليين على زراعة المحاصيل والحفاظ على الماشية.
ومن الآثار البيئية الإضافية لتعدين الليثيوم أنه يضر بالتربة ويلوث الهواء وإمدادات المياه المحدودة بالفعل، ففي هضبة التبت أدَّى تسرب مواد كيميائية -مثل حمض الهيدروكلوريك- من منجم غانزيتشو رونغدا لليثيوم إلى تسمم نهر ليتشو المحلي ونفوق الماشية في عام 2016، وهو ما أدى إلى إثارة احتجاجات واسعة النطاق في المنطقة.
وشوهدت عواقب مماثلة داخل “مثلث الليثيوم” بالفعل. ففي الأرجنتين قال سكان مقاطعتي سالتا وكاتاماركا إن عمليات شركات تعدين الليثيوم لوثت الجداول التي يستخدمها البشر والماشية ولأغراض ري المحاصيل. ومع ذلك يؤكد المدافعون عن تعدين الليثيوم أن بطاريات الليثيوم أيون ضرورية في مكافحة الآثار الضارة للاحتباس الحراري.
لكن الليثيوم هو مجرد أحد مكونات البطارية، فهو في الواقع يشكل نسبة أقل مما قد تعتقد أيضا، حيث يبلغ نحو 6%. وهناك قلق متزايد يحيط بمصادر عنصر آخر يُستخدم في البطاريات وهو الكوبالت.
لكن القضية أكثر من مجرد معضلة بيئية، حيث تَستغل أعداد كبيرة من مناجم الكوبالت غير المنظمة أطفالاً لا تتجاوز أعمارهم السابعة للعمل في المناجم مقابل أقل من دولارين يوميا، وتقول الأمم المتحدة إن هناك ما لا يقل عن 40 ألف طفل يعملون في هذه المناجم في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ويتنفسون الغبار المحمل بالكوبالت الذي يمكن أن يسبب أمراضا رئوية مميتة أثناء عملهم في أنفاق معرضة للانهيار.
ويُعتبر هذا البلد الإفريقي الفقير مصدر أكثر من نصف إمدادات الكوبالت في العالم، ويأتي معظمه من مناجم محفورة يدويا، لكن عمال المناجم الفقراء للغاية -بحيث لا يستطيعون امتلاك سيارة كهربائية يوما ما- يخاطرون بأنفسهم من أجل أولئك الذين يسعون لامتلاك السيارات الكهربائية.
ويوثق تحقيق لمنظمة العفو الدولية كيف يقوم التجار بشراء الكوبالت من المناطق التي تنتشر فيها عمالة الأطفال -الذين لا تتجاوز أعمارهم السابعة- والبالغين في ظروف محفوفة بالمخاطر، وبيعه لشركة كونغو دونغفانغ ماينينغ، وهي شركة فرعية مملوكة بالكامل لشركة التعدين الصينية العملاقة تشغيانغ هوايو كوبالت المحدودة (هوايو كوبالت).
ويواجه عمال المناجم الذين يعملون في المناطق التي تشتري منها شركة كونغو دونغفانغ ماينينغ الكوبالت؛ خطر حدوث أضرار صحية طويلة الأجل وارتفاع خطر وقوع حوادث مميتة، مما يجعل التعدين أحد أسوأ أشكال عمل الأطفال.
وتقول العديد من الشركات متعددة الجنسيات التي يبلغ إجمالي أرباحها العالمية مليارات الدولارات، إن لديها سياسة عدم التسامح مطلقا مع عمالة الأطفال، لكن هذا الوعد لا يستحق الورق الذي يُكتب عليه عندما لا تقوم الشركات بالتحقيق مع مورديها، ولا يمكن لهذه الشركات أن تدعي بشكل موثوق أنها غير قادرة على التحقق من مصدر المعادن الرئيسية في إنتاجها.
سيارات كهربائية تعمل بالفحم
من المفترض أن تكون الفائدة الرئيسية للسيارات الكهربائية هي تقليل التلوث، لكن بالعودة خطوة إلى مرحلة التصنيع، تبدو هناك مشكلة بيئية معقدة تتجاوز مجرد تصنيع السيارات الكهربائية نفسها، وهي أن المركبات الكهربائية صديقة للبيئة بقدر نظافة شبكة الطاقة التي تستمد منها، فكلما كان مصدر الطاقة الواصل إلى السيارة الكهربائية نظيفا، كان ذلك أفضل للبيئة.
ويمكن للعديد من طرازات السيارات الكهربائية في الوقت الحاضر القيادة إلى ما يصل إلى 250 ميلاً دون الحاجة إلى التوقف لإعادة الشحن، في حين يمكن لسيارة من طراز تسلا 3 أن تسير مسافة 350 ميلاً لكل شحنة، وهذا يعني تقليل عمليات إعادة الشحن، وبالتالي تقليل الاعتماد على شبكة الطاقة.
لكن هذه ليست نهاية انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، لأنه من الصحيح أن السيارات الكهربائية لا تعمل بالبنزين، لكنها تعمل بالكهرباء التي تُخلف أيضًا بصمتها الكربونية، وغالبا ما تُنتجها كثير من الدول حول العالم بواسطة وقود أحفوري آخر هو الفحم، أي أن “السيارات الكهربائية هي سيارات تعمل بالفحم” بحسب توصيف رجل الأعمال والملياردير الهندي الأميركي في مصادر الطاقة الصديقة للبيئة فينود خوسلا.
فعلى سبيل المثال، إذا كنت تقود سيارة “تسلا” الكهربائية في النرويج، حيث تُشغّل معظم الكهرباء عن طريق الطاقة الكهرومائية المتجددة ذات الانبعاثات الصفرية تقريبا، فإنك تساهم بمستويات أقل بكثير من ثاني أكسيد الكربون. ولكن إذا كنت تقود السيارة نفسها في الصين، حيث تأتي معظم الكهرباء من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، فربما تساهم بقدر من ثاني أكسيد الكربون يعادل ذلك الناتج عن استخدام ثلثي خزان البنزين.
في الواقع، وجدت إحدى الدراسات أن السيارة التي تعمل بالبنزين لمسافة أكثر من 90 ألف ميل، تُنتِج أكثر بنسبة 24% فقط من ثاني أكسيد الكربون من سيارة كهربائية مماثلة الحجم تعمل بالكهرباء المنتجة من الغاز الطبيعي، وهذا بعيد كل البعد عن “الانبعاثات الصفرية”. وستكون السيارة الكهربائية طوال عمرها الافتراضي، مسؤولة عن انبعاث 8.7 أطنان من ثاني أكسيد الكربون أقل من متوسط السيارة التقليدية.
لذا يمكن القول إن المركبات الكهربائية تنتج كمية أقل من ثاني أكسيد الكربون مقارنة بالمركبات التي تعمل بالبنزين والديزل طوال دورة حياتها، ولكن من دون كهرباء نظيفة لتشغيلها فإنها لن تنتج صافي انبعاثات الكربون التي نحتاجها.
ويجادل البعض بأن السيارات الكهربائية ستعمل بالكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وبالتالي لا وجود لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وسيؤدي التزايد السريع الملحوظ في استخدام مصادر الطاقة المتجددة هذه إلى جعل السيارات الكهربائية المستقبلية أكثر نظافة.
لسوء الحظ، يبقى هذا في الغالب مجرد تمنيات، خاصة مع صعوبة الإقلاع عن الوقود الأحفوري، ففي الوقت الحالي لا تزال العديد من المناطق حول العالم تحصل على الطاقة من المحطات التي تعمل بالفحم، لذا فإن تأثير قيادة سيارة خالية من الانبعاثات في تلك المناطق يكون أكثر ضررا على البيئة من قيادة سيارة كهربائية في هذه المناطق باستخدام طاقة نظيفة، مثل طاقة الرياح ومحطات الطاقة الشمسية والكهرومائية.
ووفقًا للتقديرات، ارتفعت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الوقود الأحفوري مرة أخرى في عام 2023 لتصل إلى مستويات قياسية، وبحلول عام 2030 سيكون إنتاج الوقود الأحفوري أكثر من ضعف الحد المطلوب للحفاظ على الاحترار العالمي، حيث تخطط الحكومات لإنتاج نحو 110% من الوقود الأحفوري أكثر مما يتوافق مع الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية، وبنسبة 69% أكثر مما يتوافق مع درجتين مئويتين، وفقا لتقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
وحتى مع اتجاه بعض الدول واستمرارها في التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري، تبقى هناك الكثير من المعضلات التي تتعلق بإعادة تدوير العدد المتزايد من البطاريات المستهلكة في السيارات الكهربائية، فقد تصبح الأشياء التافهة نسبيا مثل التخزين مشكلة كبيرة بسبب تقلب العناصر الموجودة في بطارية الليثيوم.
وهناك بالفعل عدد من الحرائق في المنشآت التي تعالج البطاريات القديمة، فهل سيرتفع عدد الحرائق والانفجارات الكارثية المحتملة مع تخزين المزيد من البطاريات في المستقبل؟ كل هذا يتوقف على مدى سرعة صناعة السيارات للتعامل مع مثل هذه الأمور.
حقيقة الأمر أن إنتاج السيارات الكهربائية الحديثة لا يزال في بداياته النسبية مقارنة بمحركات الاحتراق الداخلي. وفي حالة توفر تقنية بطاريات جديدة أكثر صداقة للبيئة، ستكون السيارة الكهربائية خطوة كبيرة أقرب إلى مزيد من تقليل انبعاثات الكربون الإجمالية، وبالتالي يُتوقع أن يتحسن التأثير البيئي.