كيف أسهمت “عملية عورتا” في تقليل سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية؟ | سياسة
نابلس- قبل انتصاف الليل بقليل، اقترب فلسطيني يقود شاحنة من حاجز عورتا الإسرائيلي العسكري قرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، وبعد وقت قصير -ووفق ما ادعاه الاحتلال- خرج السائق من مسلكه المخصص للعبور نحو الحاجز، وتجاوز المركبات أمامه ودهس جنديين إسرائيليين، قبل أن ينسحب من المكان باتجاه مدينة نابلس.
فاجأ هذا المشهد من شاهد الحدث من جنود الاحتلال، ومن زار المكان من قيادات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين لاحقا، ليعلن الجيش الإسرائيلي بعد ذلك -وفق صحيفة هآرتس- أنها “عملية مقصودة” أسفرت عن مقتل اثنين من الجنود متأثرين بإصابتهما.
وشن جيش الاحتلال بعدها اقتحامات مختلفة لمدينة نابلس وقراها ومخيماتها، لا سيما في المنطقة القريبة من مكان العملية، كما صادر المركبة التي نُفذت بها العملية، وقال إن المنفذ سلَّم نفسه للأمن الفلسطيني، الذي لم يسلمه بدوره للاحتلال.
ولا تكمن أهمية عملية عورتا في زمانها وآلية تنفيذها فحسب، بل في مكانها أيضا، فالحاجز العسكري الذي أعيد تشغيله بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي محصن عسكريا وأمنيا بالسواتر الإسمنتية والحديدية، ومزود بأدوات الكشف والكاميرات المختلفة، وغير ذلك من وسائل الحماية للجنود، فضلا عن قربه من معسكر حوارة.
دفعت الاحتلال للجنون
كسرت “عملية عورتا” حالة الهدوء النسبي في عمليات المقاومة التي تعيشها مدن الضفة الغربية عامة، ومدينة نابلس على وجه الخصوص، والتي كان آخرها في نهاية فبراير/شباط الماضي، حين قتل فلسطيني إسرائيليين قرب مستوطنة “عيلي” جنوب نابلس، لتأتي هذه العملية ضد محاولات إسرائيل وسعيها لإحكام قبضتها على الضفة الغربية.
وبالرغم من التكتم الإسرائيلي على التفاصيل، فإن هذا لم يمنع قادة الاحتلال والمستوطنين أمثال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش من التحريض على الفلسطينيين وعلى الضفة الغربية، إذ قال “إسرائيل يجب أن تخرج لحرب دفاعية في الضفة الغربية”.
ووفق ما نقله ياسر مناع الباحث الفلسطيني بالشأن الإسرائيلي عن القناة السابعة الإسرائيلية، تابع الوزير “كل من يتحدث عن إقامة دولة فلسطينية يهدر دم المستوطنين، ويعرض وجود الدولة للخطر”.
ووفق القناة نفسها، هدد عضو الكنيست الإسرائيلي تسفي سكوت سكان نابلس بعد زيارته موقع العملية قائلا إن عليهم أن يعلموا أن “إسرائيل وشعبها وجيشها وسلطتها الحاكمة تغيرت وجُنت، وأن العملية ممنوع أن تمر بهدوء، ولا يمكن أن يقع حدث كهذا وتبقى نابلس هادئة”.
وفي تفسيره لعملية عورتا، يقول مناع للجزيرة نت إن الضفة الغربية تشهد هبوطا وارتفاعا في منحنى عمليات المقاومة، وتتأثر بممارسات الاحتلال وجرائمه في غزة، إضافة لإجراءاته القمعية واحتجازه أموال الناس، “وكلها مؤشرات لعودة الضفة لنقطة ساخنة”.
وتدرك إسرائيل -حسب مناع- أنه لا يمكنها فرض هدوء بالضفة، خاصة في ظل هذه الظروف من اقتحام واعتقال وقتل، وتعلم أن هذا كله يؤثر على مجريات الأحداث ويدفع نحو التصعيد، “بمعنى آخر، لا يمكن القول إن العمليات عادت، لأنها انخفضت ولم تنقطع”.
واعتبر مناع أن إسرائيل تحاول تأخير المواجهة وجعل الضفة ساحة ثانوية، إلا أن الفصل بين ما يحدث في غزة والضفة صعب للغاية، كما أنها تسعى إلى دفع السلطة الفلسطينية إلى مزيد من التنازلات، في سبيل الحفاظ على أمن إسرائيل، وهو ما لن تستطيع السلطة تلبيته، خاصة في ظل مضايقة إسرائيل لها ماليا.
كسرت معادلة السيطرة
ويرى الخبير الأمني والعسكري اللواء المتقاعد واصف عريقات أن أهمية هذه العمليات العسكرية تكمن في أنها تكون بمناطق ذات بعد أمني واستخباري، إذ يعتقد الجيش الإسرائيلي أنه اختار مكانا مناسبا، بينما يختار المقاوم الفلسطيني المواقع العسكرية هدفا له بعناية، فإذا ما تحققت الإصابة “يكون التأثير ماديا ومعنويا على الجيش الإسرائيلي أكثر من أي موقع آخر”.
ويضيف عريقات أن مثل هذه العمليات ربما تكون ملهمة لخلايا مقاومة أخرى، ويقول “النموذج الناجح -خاصة استهداف الجنود- يولد نماذج مشابهة، وأكثر”.
ويتفق عريقات مع مناع في أن هذه العملية كسرت حالة السيطرة والقبضة التي تحاول إسرائيل فرضها على الضفة، رافضا تسميتها بحالة الهدوء التي يسعى الاحتلال لها، وقال “حيث يوجد احتلال لا يكون هدوء”، وعلل إخفاء تفاصيل العملية الكاملة حتى اللحظة بأن جيش الاحتلال يحبذ دائما عدم إعطاء معلومات تفصيلية، حتى لا يأخذ المقاومون العبرة منها.
ومن جانبه، ربط المحلل السياسي سليمان بشارات عملية عورتا بإجراءات الاحتلال العسكرية والقمعية، في نابلس خاصة وبعموم الضفة الغربية، وسعي إسرائيل وقادتها المتطرفين، أمثال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، لإحكام السيطرة الكاملة والقبضة الأمنية على الضفة الغربية.
وقال بشارات للجزيرة نت إن عملية عورتا تأتي لكسر المعادلة التي تحاول إسرائيل فرضها، وتمثل تحديا لسياساتها أيضا، والتي لجأت عبرها للضغط على الفلسطينيين بالضفة، في محاولة لإضعاف وجودهم.
وأضاف أن ما حدث يعيد طرح سؤال مدى نجاح المقاربة الأمنية في رسم أو تحديد العلاقة الإسرائيلية الفلسطينية بالضفة الغربية، أم أنه يجب أن يعاد تقييمها والعودة إلى مفهوم السياسات التي تمنح الفلسطينيين كيانا سياسيا وحرية بالحركة والحياة.
وفي رده عما إذا كانت “عملية عورتا” ستصعد عمل المقاومة الفلسطينية في الضفة، قال بشارات إن الفلسطينيين اعتادوا على حالة مشابهة ومستمرة منذ أكثر من عامين، لكنها لا تستمر.
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، نفذ الفلسطينيون بالضفة الغربية والقدس -حسب مركز معلومات فلسطين “معطى”- نحو 50 عملية فدائية، قتل فيها 27 إسرائيليا وجرح أكثر من 280 شخصا، بينما قتل في مايو/أيار الجاري 3 إسرائيليين وجرح 7 آخرون.