كاليدونيا الجديدة.. أرخبيل في المحيط الهادئ تديره فرنسا | الموسوعة
إقليم كاليدونيا الجديدة من الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي التي تديرها فرنسا، وهو أرخبيل يقع شرق أستراليا وشمال نيوزيلندا وجنوب المحيط الهادئ، وتبعد عاصمته نوميا عن فرنسا مسافة 16.732 كيلومترا. ويشتهر بتنوعه العرقي الكبير وبطبيعته الغنية الخلابة.
المعلومات الأساسية:
اسم الإقليم: كالديونيا الجديدة.
العاصمة: نوميا.
المقاطعات: 3 مقاطعات.
اللغة: تعد اللغة الفرنسية اللغة الرسمية، مع وجود 28 لغة أخرى.
العملة: فرنك المحيط الهادئ.
نظام الحكم
تعد كاليدونيا الجديدة إقليما لا يتمتع بحكم ذاتي ويتبع للإدارة الفرنسية، مع ذلك لها حكومة تعددية، تتكون من ممثلين عن جميع المجموعات السياسية المنتخبة في الكونغرس بنظام التمثيل النسبي، لضمان تمثيل عادل ومتوازن لكل فئات الإقليم.
تتشكل الجمعية التداولية لكاليدونيا الجديدة من خلال اجتماع جزء من الممثلين المنتخبين للمجالس الإقليمية للمحافظات الثلاث فيها، ويتقاسم أعضاء الكونغرس المبادرة في إعداد النصوص التشريعية مع الحكومة التي ينتخبونها ويراقبونها.
ويصوت الكونغرس على القرارات والقوانين المتعلقة بالشؤون المشتركة. وتتمتع كل محافظة في الإقليم بصلاحيات عامة وتدير شؤونها بحرية، وتوفر الحكومة المحلية مخصصات مالية للتشغيل والتجهيز.
وبعد اتفاق نوميا عام 1998 أنشئ ما يعرف بمجلس الشيوخ العرفي، ويتكون من 16 عضوا من المناطق العرفية الثمانية في الإقليم، ويقدم الأعضاء آراءهم واقتراحاتهم في ما يخص القوانين المتعلقة بهوية الإقليم.
ويمثل الإقليم نائبان في البرلمان الفرنسي، وسيناتور واحد في مجلس الشيوخ.
الموقع
يقع الإقليم جنوب المحيط الهادئ، وشرق أستراليا على بعد 1500 كيلومتر، وتحده من الشمال نيوزيلندا، وينقسم الأرخبيل إلى 3 مقاطعات، جنوبية وشمالية وجزر لويالتي، وتضم 33 بلدية و341 قبيلة. وتبلغ مساحة الأرخبيل 18576 كيلومترا مربعا، ويعد واحدا من أكبر الأراضي جنوب المحيط الهادئ وثاني أكبر إقليم فرنسي في ما وراء البحار بعد غويانا.
الجغرافيا
تسمى الجزيرة الرئيسية “غراند تير” (عبارة فرنسية تعني الأرض الكبرى) وهي الأكبر حجما، ويبلغ طولها 500 كيلومترا وعرضها 50 كيلومترا تقريبا، وعلى شرقها تقع مقاطعة جزر “لويالتي” (الوفاء) وهي أوفيا وليفو وتيغا وماري، وجنوبا جزيرة الصنوبر وشمالا جزيرة بيليب، التي تعد بحيرتها أكبر بحيرة مغلقة في العالم.
مناخ الأرخبيل استوائي معتدل، ويبدأ الصيف فيه من نوفمبر/تشرين الثاني إلى مارس/آذار، والشتاء من أبريل/نيسان إلى أكتوبر/تشرين الأول. وتصل أعلى درجات الحرارة فيه إلى 30 درجة مئوية من ديسمبر/كانون الأول إلى فبراير/شباط، وهي موسم الأعاصير والعطلات المدرسية.
من وسط جزيرة تير ترتفع سلاسل الجبال المركزية، أعلاها قمة جبل باني، التي يصل ارتفاعها إلى 1629 مترا، وتؤثر على المناخ الساحلي شرقا وغربا، ويعرف الساحل الغربي بجفافه ويتميز بمنطقة السافانا التي تنتشر فيها أشجار النياولي والمزارع الكبيرة لتربية الماشية. ويعرف ساحل الأرخبيل الشرقي برطوبته التي تزيد من اخضرار المنطقة وازدهارها.
تعتبر كاليدونيا الجديدة من الدول الشهيرة بأماكنها ذات الطبيعة الخلابة، ويصل عددها إلى 167، وأدرجت كثير من بحارها وشعابها المرجانية ضمن التراث العالمي لليونسكو في يوليو/تموز 2008.
وتعد بحيرة كاليدونيا الجديدة (اللاغونا) أكبر البحيرات المرجانية في العالم، إذ تغطي مساحة 24 ألف كيلومتر مربع.
وتحتل كاليدونيا المرتبة الثالثة عالميا من حيث أهمية نباتاتها، ففيها شجر الصنوبر والأوركيد والآس والنخيل والشجيرات السرخسية التي يزيد طولها عن 30 مترا، وأشجار الكاوري والهوب والتين.
السكان
بلغ عدد سكان كاليدونيا حسب الأمم المتحدة 268757 نسمة عام 2014. وتعتبر الفرنسية اللغة الرسمية في الجزيرة، مع استعمال لغات محلية تصل إلى 28، وتعرف باسم لغات الكاناك (يشكلون نحو 40%) وهي فرع من لغات المحيط الجنوبي، والواليزية والإندونيسية والتاهيتية والجاوية وغيرها، وتدرس اللغات اختياريا من مرحلة رياض الأطفال.
ويعد الكاناك (تعني باللغة المحلية الرجال الأحرار) أول من سكن الأرخبيل، ونظموا مجتمعاتهم على شكل عشائر لها زعيم يديرها، ومسكنهم التقليدي يعرف بالكاز، ويتبعون تقويما تقليديا يرتبط بموسم زراعة البطاطا الحلوة التي تعد رمزا مقدسا عندهم، وغالبا ما تكون الهدية المختارة في ثقافتهم عند الأفراح.
جاء من بعدهم مجتمع أوروبي (يمثلون نحو 24% معظمهم فرنسيون)، وهو خليط من السجناء والمستعمرين الذين سكنوا الإقليم بعد استعماره من فرنسا عام 1853.
تأثرت المجتمعات الأوروبية الأصل بسكان المنطقة، وطورت نمطا ثقافيا خاصا بها متأثرة بثقافة الأنجلوسكسونين، وهي مجموعة ثقافية سكنت إنجلترا منذ القرن الخامس وأسست مملكة إنجلترا وأثرت لغتهم في الإنجليزية الحديثة.
استعمار فرنسا وجلب الأوروبيين لها أنشأ مستعمرة حديثة اقتصادها ضعيف، فجلبت فرنسا عمالة كبيرة من أندونيسيا نهاية القرن التاسع عشر للعمل في الحقول والمناجم، فكون ذلك مجتمعا إندونيسيا مسلما كبيرا، وأصبحوا يمثلون المجتمع المسلم في المنطقة.
وفي سبعينيات القرن الماضي ومع بداية ازدهار صناعة النيكل، بدأ سكان جزر المحيط الهادئ، ويطلق عليهم “البولينيزيون”، بالهجرة إلى الأرخبيل، هربا من الظروف الاقتصادية التي عانتها جزرهم، وهم خليط من سكان جزر والس وفوتونا وتتبعان مقاطعات أقاليم ما وراء البحار التابعة لفرنسا.
وفي النصف الثاني من القرن العشرين، بدأت كالدونيا الجديدة تستقبل موجة هجرة جديدة من الفرنسيين المعروفين بـ”الزوريل”، وهم عرقية إثنية تصف الفرنسيين المولودين في متروبوليتان بفرنسا. واستقبلت الجزيرة أيضا جماعات من الفانواتو والفيتنام واليابان وجزر الأنتيل.
من جهة أخرى تزخر بيئتها البحرية بأنواع كثيرة من الشعاب المرجانية والأسماك المختلفة من النهاش والدواسات والأسماك الشوكية والسلاحف البحرية والنوتيلوس والأبقار البحرية وغيرها، لكنها تعد في المرتبة الثانية في المناطق المهددة كائناتها بالانقراض.
التاريخ
تشير الآثار إلى أن الاستيطان البشري للإقليم ظهر على سواحله عام 1100 قبل الميلاد، وتعود لمجتمعات أتت من شرق آسيا من عصور حضارة لابيتا. وعام 1774 اكتشف المكتشف البريطاني جيمس كوك الأرخبيل، وأطلق عليه حينها “كاليدونيا الجديدة”. وعام 1840 وصل الرسل البروتستانت والكاثوليك.
عام 1853 احتلت فرنسا كاليدونيا فصارت جزءا من مستعمراتها، وعام 1863 استولى نابليون الثالث على الأرخبيل، وحولها بعد عشر سنوات سجنا، وصارت تستقبل السجناء الجنائيين والسياسيين المنفيين.
ومع إنشاء المستعمرة السجن، بدأ ترحيل الكاناك من أراضيهم وقمعوا بانتفاضتين كبيرتين عام 1878 و1914 ورحلوا بالقوة. ثم صارت موطنا لهجرة الآسيويين بحثا عن العمل مع بداية اكتشاف معادنها الثمينة نهاية القرن التاسع عشر.
وخلال الحرب العالمية الثانية كان للأرخبيل دور إستراتيجي في منطقة المحيط الهادئ، فقد حولتها أميركا إلى قاعدة لها ومركز قيادة مشترك مع الحلفاء في المنطقة، واستقبلت فيها أكثر من مليون أميركي خلال 4 سنوات، مما أثر على نمط المعيشة للسكان والبنية التحتية عموما.
وأدرج الإقليم في قائمة الأمم المتحد للأقاليم التي لا تتمتع بحكم ذاتي عام 1946، بعد أن أحالت فرنسا أوراق الإقليم لها، وعام 1986 أعادت الجمعية العامة إدراج كاليدونيا في القائمة لأنها رأتها “إقليما لا يتمتع بحكم ذاتي في إطار المعنى الوارد في الميثاق”.
أدت الهجرات المتزايدة واكتشاف النيكل بين عامي 1968 و1971 لدخول البلاد في صراع محموم بين حركات استقلال باريس وشعب الكاناك، خاصة مع كثرة الأعراق الدخيلة واختلافها، ومع التغيرات الاقتصادية والسياسية التي عصفت بالمنطقة، مما أدى لاندلاع أعمال عنف قتلت 80 شخصا.
عام 1988 نجح الاستقلاليون الموالون لفرنسا في إبرام اتفاقيتي ماتينيون-أودينو، مما أدى للاعتراف بشعب الكاناك وتقسيم البلاد لثلاث مقاطعات، وتوزيع السلطات في كاليدونيا الجديدة فاستقرت نسبيا.
ثم بعد 10 سنوات مددت الاتفاقيات بتوقيع اتفاقية نوميا التي تجهز الإقليم لحكم ذاتي، وأُنشئت حكومة جماعية. وزَّعت الاتفاقيات المبرمة السلطات ومنحت المقااطعات صلاحيات عامة، وصارت تدار من مجالس تنتخب بالاقتراع المباشر. وسمح لشعب الكاناك والسكان الذين يعيشون في البلاد قبل عام 1998 فقط بالمشاركة في الانتخابات.
وأجريت 3 استفتاءات حول رغبة السكان بالاستقلال عن فرنسا، لكنها أسفرت جميعها عن الرفض، ثم عام 2018 نشر استفتاء حول رغبة كاليدونيا الجديدة بالاستقلال والحصول على السيادة الكاملة.
واندلعت احتجاجات في كاليدونيا الجديدة، في مايو/أيار 2024 بعد تبني باريس مشروع قانون جديد يسمح للمواطنين الفرنسيين الذين عاشوا في الأرخبيل 10 سنوات بالتصويت في الانتخابات المحلية.
وأثارت تلك الخطوة غضب السكان الأصليين، إذ يرى المنادون باستقلال الإقليم أن ذلك سيجعل من السكان الأصليين من الكاناك أقلية، واستمر بذلك جدل تاريخي حول ما إذا كان ينبغي أن يكون الأرخبيل جزءا من فرنسا، أو يتمتع بحكم ذاتي أو استقلال.
وفرضت السلطات في الإقليم حالة الطوارئ، بما يشمل حظر التجول بين السادسة مساء والسادسة صباحا، ومنعت التجمعات وحمل الأسلحة وبيع الخمور، كما حظرت تطبيق “تيك توك”، وألغت مرور الشعلة الأولمبية عبر كاليدونيا الجديدة، الذي كان مقررا في 11 يونيو/حزيران 2024.
وأرسلت فرنسا ألف عنصر أمني إلى الإقليم بهدف استعادة السيطرة الكاملة على الطريق الرئيسي البالغ طوله 60 كيلومترا بين نوميا والمطار، وتعد السيطرة على ذلك الطريق أمرا حيويا وملحا بالنسبة إلى باريس.
وقيل إنه بسبب أعمال العنف والشغب علق قرابة 3 آلاف شخص غالبيتهم من الأستراليين والنيوزيلنديين في الفنادق في ظل نقص في الإمدادات بسبب الاضطرابات وإغلاق المطار الدولي في الأرخبيل.
أبرز المعالم
يوجد على الساحل الغربي لجزيرة “غراند تير”، وهو عبارة عن مساحة طبيعية من أشجار المانغروف شكلت قلبا طبيعيا في مساحة تبلغ 4 هكتارات. يبعد عن العاصمة نوميا 300 كيلومتر، ولا يمكن رؤيته إلا عن طريق مروحية، أو من أعلى جبل كاتيباي على ارتفاع 700 متر.
ويسمى شاطئ روش بيرسي، يبلغ طوله 3 كيلومترات، مكون من الرمال البركانية، وتنتشر فيه رياضة ركوب الأمواج. تحيطه أشجار الصنوبر وصخور الكوارتز. ويتميز المكان بجماليته وإطلالته الخلابة.
الاقتصاد
يعد النيكل من الثروات المهمة التي يعتمد عليها الأرخبيل، وتعد كاليدونيا الجديدة واحدة من أهم منتجي النيكل في العالم، إذ تمتلك 25% من الموارد العالمية منه، ويشكل 90% من صادراتها، ويوفر 20% من فرص العمل في الإقليم. إضافة إلى وجود معادن أخرى مهمة تعد جزءا من اقتصاد منطقة جنوب المحيط الهادئ.
وتشكل السياحة جانبا مهما من اقتصاد الإقليم، فهي توفر ثلاثة أرباع ثروة المنطقة وثلث الوظائف، ويعد معظم سياحها من فرنسا واليابان.
وتشتهر المنطقة بزراعة القهوة وجوز الهند والعسل، إضافة إلى تربية الماشية خاصة البقر، وتتميز بروبيانها الذي غزا أسواق البحريات خاصة في اليابان، حتى صار ثاني أكثر منتج تصديرا بعد النيكل.