أفكار ثورية غريبة في خطط كرة القدم | رياضة
تمتاز كرة القدم الحديثة بسرعة الإيقاع والقوة البدنية، مع خطط تدريبية تهتم بأدق التفاصيل، والتزام صارم من اللاعبين بالتعليمات، ما جعل المباريات في الدوريات الأوروبية الرائدة -الإنجليزي تحديدًا- بمثابة تنافس تكتيكي مفتوح ووجبة دسمة للمحللين والصحفيين والجماهير على حد سواء، وباتت أرض الملعب حقل تجارب تدريبية بامتياز، بمقادير منضبطة ودراسات مستفيضة.
ومع ذلك، لم تسلم كرة القدم من بعض الأفكار الثورية التي توحي بالعشوائية والتهوّر، والتي قد لا تتناسب مع التحوّل الجذري في خطط اللعبة، واتجاهها إلى الدقّة والآليات المادية البحتة، وكانت آخرها من المدرب البرتغالي الشهير جوزيه مورينيو، صانع نهضة تشيلسي الحديثة، وصاحب 24 لقبا في مسيرته.
كرة قدم من دون حارس مرمى؟
مورينيو المعروف بولائه المطلق للانضباط التكتيكي ناقض ما دأب عليه خلال مسيرته واقترح، في مقابلة يومية مع تلغراف البريطانية، إلغاء مركز حراسة المرمى في أواخر المباريات عندما يكون الفريق منهزما، وإشراك لاعب في الميدان بدلا من الحارس، لخلق زيادة عددية في الأمام وخنق الخصم في مناطقه، بهدف التسجيل وقلب نتيجة المباراة.
“لماذا تلعب بحارس مرمى -حتى لو يجيد اللعب بقدميه- في حين أنّه يمكن إقحام لاعب وسط مثلا واللعب بلاعب إضافي؟ المدرب الذي يطبق ذلك سيُعتبر عبقريا. عندما يكون الخصم متراجعا في منطقة جزائه ومتبقٍ 10 دقائق على النهاية، دعونا نجربها”.. كان هذا تعقيب مورينيو عن فكرته التدريبية الجديدة، التي قد تعيد اللعبة إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى، حينما لم يكن هناك حارس مرمى مُحدد من بين لاعبي الفريق.
المثير أن مورينيو نفسه أطلق العنان لخياله عام 2015 حينما كان مدربا لتشيلسي، وقال عن المستويات المميزة لحارسيه -آنذاك- بيتر تشيك وتيبو كورتوا “لو أن مباريات كرة القدم عبارة عن 9 لاعبين وحارسي مرمى، فلن يستطيع أن يوقفنا أي أحد، سنكون ظاهرة”. وفيما يبدو أنّ لديه هاجس دائم بشأن حراسة المرمى.
لم يمارس مورينيو كرة القدم الاحترافية، وكانت بداية علاقته باللعبة عندما عمل مترجما للمدرب الإنجليزي بوبي روبسون بالتسعينيات، شأنه شأن الإيطالي ماوريسيو ساري الذي كان مصرفيا في مقاطعة توسكانا قبل الاتجاه للتدريب.. والآن أحزر أي مركز اختار مورينيو عندما شارك في مباراة خيرية عام 2017 بلندن؟ اختار حراسة المرمى!
تبدو فكرة مورينيو “مُقامرة ومُغامرة” فحال انقطعت سيرد الخصم بهدف في الشباك الفارغة، وستتأكد الهزيمة، كما أنّها ليست مناسبة للفرق التي تعتمد على الاستحواذ وبناء اللعب من عند حارس المرمى.
حارس المرمى ونظرية اللاعب الإضافي
تصريحات مورينيو ستأخذنا إلى مُنحنى آخر، وهو تطوّر أدوار حارس المرمى في كرة القدم الحديثة، إذا ما نظرنا إلى أغلب الفرق الكبرى سنجدها تحظى بحارس يجيد اللعب بقدمه، مثل إيدرسون في مانشستر سيتي، وأليسون في ليفربول، وأونانا في مانشستر يونايتد، فهم يمثلون بالفعل لاعبا إضافيا عند حيازة الكرة.
أصبح الاعتماد متزايدا في عموم أوروبا على حارس المرمى في عملية بناء اللعب من الخلف، والمساهمة في عملية الاستحواذ واستدراج الخصوم، قبل كسر الضغط والضرب بالمرتدات، بل وفي صناعة الأهداف عبر الكرات الطولية، فقد صنع أليسون 3 أهداف منذ التحاقه بليفربول، وفي الموسم قبل الماضي كان أكثر حراس المرمى في الدوري الألماني لمسا للكرة في مباراة واحدة حارسي بوروسيا مونشنغلادباخ يان سومر (101 لمسة ضد فرايبورغ)، وجوناس أوملين (96 لمسة ضد كولن)، وهذا العدد لا يصل إليه لاعبو وسط في أغلب الأحيان.
غوارديولا.. استخدامات متعددة لقلب الدفاع
الإسباني بيب غوارديولا، مدرب مانشستر سيتي، قدّم فكرة غير مألوفة بالمرّة، وهي الاعتماد على قلب الدفاع في مراكز هجينة ووظائف متشابكة، أبرز مثال على ذلك هو السويسري مانويل أكانجي الذي لعب هذا الموسم في 4 مراكز مختلفة، كل مباراة على حدة بمركز مُعيّن وفق مقتضاها.
لعب أكانجي في قلب الدفاع والظهير الأيسر والظهير الأيمن ولاعب الوسط، ومن حيث الوظائف، وقد منحه غوارديولا وظائف متعددة ومتشابكة في آن واحد -وقد فعلها أيضا مع الإنجليزي جون ستونز- ورأينا أكانجي يقوم بصناعة اللعب في عمق الملعب أمام مناطق جزاء الخصم بصورة متكررة، فيما يبدو أنه صانع ألعاب كلاسيكي يربط بين خطوط الملعب، ويحاول خلق ثغرة للتمرير بين خطوط الخصم بل ويسجّل أيضا، وفي حالة فقدان الكرة يرتد إلى الخط الخلفي ليقوم بدور المدافع.
ربما منحت هذه الفكرة الثورية مانشستر سيتي مزيدا من الصلابة الدفاعية والقوة البدنية، ما أسهم في بلوغه نصف نهائي دوري أبطال أوروبا في المواسم الثلاثة الأخيرة، لكن عيبها الوحيد أنه لا يمكن تطبيقها مع أغلب الفرق، فهي تناسب فقط قلب الدفاع الجيد مع الكرة، والمتمرس في أسلوب اللعب المتوضعي أمثال أكانجي وستونز وغفارديول.
دل بوسكي (4-6-0)
يُعد مركز المهاجم الصريح الأهم في تشكيلة أي فريق، فهو بطبيعة الحال الأقرب للتسجيل وحسم المباريات، التي بدورها تجلب الألقاب والكؤوس، تأسيسا على ما تقدّم، المهاجم هو الأعلى راتبا في أي فريق، ولبيان مدى أهميته، فإن بعض الفرق في الوقت الحالي تلعب بمهاجمين اثنين في الأمام بالخطة التكتيكية (4-4-2) ومشتقاتها.
إن كان غوارديولا يُكثر من المدافعين، فهناك مدرب آخر انعدم ارتباطه بالمهاجمين، فإن فيسينتي دل بوسكي، مدرب منتخب إسبانيا بين 2008 و2013، نسف هذه القناعات تماما، وخاض بطولة كأس أمم أوروبا 2021 بخطة (4-6-0) برباعي دفاعي، أمامه 6 لاعبين وسط، بدون مهاجم، والمفارقة أنّه حصد الكأس باكتساح كل منافسيه، ليحافظ على الكأس في خزائن (لا روخا) للنسخة الثانية تواليا.
اغتنم دل بوسكي بلوغ فريق برشلونة ذروته التكتيكية مع مدربه السابق غوارديولا، واستخدم قوة خط الوسط في تدوير الكرة وخلق الفرص التهديفية والتسجيل، لا سيما مع رباعي البارسا تشافي وإنييستا وبوسكيتس وفابريغاس.
من غير المحتمل أن نرى مدربين كُثر يطبّقون طريقة (4-6-0) فمن اللازم لتطبيقها، امتلاك خط وسط نموذجي.
موتا (2-7-2)
في 2019، كشف مدرب شباب باريس سان جيرمان -آنذاك- الإيطالي تياغو موتا عن خطته التكتيكية الجديدة (2-7-2).. خطة غريبة، لكن الأغرب أنها تحتوي على 11 لاعبا وليس 10 كما جرت العادة.
الجديد أن موتا أقحم حارس المرمى في الميدان ليصبح اللاعب رقم 11، وبالتحديد في مكان وسط بين قلبي الدفاع، كأنه قلب دفاع ثالثا بجانبهما، وقال عن ذلك “الفكرة تدور حول تعزيز الهجوم، والضغط المستمر على المنافس، وتدوير الكرة بأريحية، أريد أن يتوفر لدى اللاعب 3 أو 4 حلول عند التمرير، لذلك أنا أعتبر حارس المرمى اللاعب السابع في وسط الملعب”.
تتميز كرة موتا كما غوارديولا، بالاستحواذ وتناقل الكرة بصفة مستمرة، وفي حالة فقدان الكرة يعتمد على الضغط العالي لاسترجاعها مجددا.
لا عجب عندما تنبثق هذه الأفكار من موتا، فقد تعاون مع غوارديولا في برشلونة، وتدرّب تحت قيادة المدرب الإيطالي صاحب كرة القدم الفلسفية الرائدة، والذي يشرف حاليا على أتالانتا جان بييرو غاسبريني في فريق جنوى موسم 2008-2009.