الخطارات.. نظام ري قبل الإسلام لا يزال يقاوم الاندثار | الموسوعة
الخطارات قنوات باطنية تمتد تحت سطح الأرض وتستوعب مياه بعض العيون أحيانا أو بعض الأنهار، وكانت تستخدم في الماضي للشرب والسقي. تعتبر واحدة من أعرق أنظمة الري التقليدية بالمغرب، وما زالت منتشرة به، كما تنتشر بعدد من الدول الأخرى، ومنها الجزائر وسلطنة عمان ومصر. يعود تاريخ الخطارات، حسب المؤرخين، إلى فترة ما قبل الإسلام، وتختلف الروايات التاريخية حول توقيت ظهورها، ويقال إن أصلها يعود إلى بلاد الفرس.
تاريخ الخطارات
تختلف الروايات التاريخية حول ظهور نظام الري بالخطارات في المغرب، إذ يقول البعض إن أول ظهور لها كان خلال القرن العاشر الميلادي، في عهد علي بن يوسف المرابطي (خامس حكام دولة المرابطين في المغرب والأندلس)، وهناك من يقول بوجودها قبل ذلك خلال عهد الإمبراطورية الرومانية.
تشير مصادر تاريخية أخرى إلى أن الخطارات استخدمت خلال القرن الثامن قبل الميلاد، وكانت معروفة في إيران ومصر وبلاد العرب، وتحدث عنها المتخصصون في الجغرافيا في العصور الوسطى.
ويؤكد باحثون أن هذه التقنية انتقلت عبر تحركات المسلمين عبر بقاع المعمورة، خاصة في مصر وشمال أفريقيا وكذا في المناطق التي كانت تعاني من العجز المائي ومن ارتفاع درجة الحرارة. كما دخلت إلى الأندلس عن طريق الفتح الإسلامي لها.
ومن المؤرخين من يقول باستعمال الرومان للخطارات عند دخولهم سوريا التي صارت جزءا من الإمبراطورية الرومانية سنة 64 قبل الميلاد، وبعد دخول المغرب تحت السيطرة الرومانية متأخرا استخدمت فيه هذه التقنية. كما أبانت الحفريات الأركيولوجية عن وجود الخطارات في منطقة الخليج، خاصة سلطنة عمان، خلال الوجود الفارسي قبل الإسلام.
هندسة الخطارة وتقنياتها
يؤكد باحثون أنه لتحديد موضع الخطارة، يستلزم الأمر حسم ما إذا كان هناك وجود للماء من عدمه، وذلك من خلال الاعتماد على مؤشرات مضبوطة من قبيل لون الصخور وطبيعتها، وأيضا بالاعتماد على بعض النباتات.
ومن الخطوات المتبعة في بنائها اختيار موقع غير بعيد عن قدم سلسلة جبلية ممتدة تفصل بين أودية. كما يشترط في مسارها تعدد أنواع الأتربة وخاصياتها التي تجعل عملية الحفر تختلف حسب كل نوع. ويعتبر الطين الحر من بين أحسن أنواع الأتربة التي يمكن إقامة الخطارة عليها، لكونه يحتوي على نسبة قليلة من الرمل ويتميز برطوبة أصيلة.
وتتكون الخطارة من:
- جزء في العالية يضم قناة لتصريف المياه وعلى مستواها يتم الحفر.
- جزء في السافلة يضم قناة لنقل المياه.
- حوض لتجميع المياه.
- شبكة لتوزيع المياه في السافلة.
ويتم استعمال مياه الخطارة، حسب باحثين، من خلال استخدام عمود مهيأ من جذع النخلة وأحيانا من خشبتين، بحيث تكون في مستوى يسمح بجر المياه، وفي آخر العمود يربط بمادة ثقيلة الوزن وفي الطرف الآخر يتم تعليق دلو مصنوع من الجلد أو من سعف النخيل لجمع المياه. كما أن إنشاء الخطارة وصيانتها كان يتم عبر عمل جماعي مبني على التضامن والتكافل، عبر الانخراط الشامل لأبناء المنطقة أو القبيلة.
ويؤكد عدد من علماء الاجتماع والأنتربولوجيا والمؤرخين أن التخلي عن تقنيات الري التقليدية، ومنها الخطارة، يعد من أسباب التحديات التي تواجه الموارد المائية، وهناك من يدعو إلى العودة إلى هذه الأساليب لما لها من فوائد كبيرة من قبيل أنها كانت تؤدي عدد من الوظائف الاقتصادية والاجتماعية، حيث يعد الماء عملة نادرة خاصة في المناطق الصحراوية.
مزايا نظام الخطارة
تنظم الخطارة عمليات الري وتوزيع المياه بطريقة سلسلة، بهدف تأمين مياه الشرب لجميع المناطق السكنية وضمان توفير مياه للإنتاج الزراعي بشكل مستدام. ومن فوائد الخطارات الحد من التبخر والتقليل من كلفة السقي والمساهمة في الحفاظ على البيئة.
ويرى بعض الباحثين أن الخطارة يمكن أن تكون لها غايات دفاعية لضمان تزويد السكان باطنيا زمن الحرب، ومنع قطع المياه عند الحصار وهجوم الأعداء.
تراث مادي وسعي عالمي
يسعى المغرب لإدراج الخطارات في قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) للتراث العالمي، بعدما تم تصنيف خطارة مدينة الرشيدية، في الجنوب الشرقي للمغرب، من قبل منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقاقة (الإسيسكو) في الخامس من يوليو/تموز 2022 تراثا ماديا.
ففي عام 2020 أصدرت مؤسسة “مفتاح السعد للرأسمال اللامادي للمغرب” (منظمة غير حكومية)، كتيبا بعنوان “الخطارة بالمغرب.. تراث إيكولوجي”، في إطار سعي إلى تسجيل هذه المنشأة المائية تراثا إنسانيا لدى اليونسكو.
ويوجد بالمغرب حوالي 600 خطارة ما زالت تشتغل، ويستفيد منها حوالي 300 ألف شخص، في حين هناك خطارات لم تعد تعمل، وذلك بسبب استخدام التقنيات الحديثة لجلب المياه. ووفق مصادر تاريخية، تراجعت أدوار الخطارات بالمغرب بعد إدخال المضخات الآلية من قبل مهندسي الاستعمار الفرنسي.
وبحسب إحصاء سنة 1918 كانت هناك 350 خطارة تعمل ضمن دائرة نصف قطرها 15 كيلومترا حول مدينة مراكش. وحتى بداية السبعينيات من القرن العشرين كان لا يزال هناك 567 خطارة في جميع أنحاء منطقة الحوز جنوب غربي المغرب، منها 500 خطارة حية، قادرة على تفريغ 5059 لترا من الماء في الثانية.