اليابان تنهي عصر أسعار الفائدة السلبية.. ماذا الآن؟ | اقتصاد
اتخذت البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم خطوات مهمة في أسبوع عجّ بالتحولات المحورية في السياسة النقدية حددت فيه اتجاهات جديدة للاقتصاد العالمي. وبدأ البنك الوطني السويسري، مدعومًا بالتقدم المحرز في إدارة التضخم، في خفض تاريخي لأسعار الفائدة، مبتعدًا عن نظرائه العالميين.
وفي الوقت نفسه، أشارت النرويج إلى توقف مؤقت في تعديلات أسعار الفائدة في المستقبل المنظور. ومع ذلك، جاءت الخطوة الأكثر أهمية من اليابان حيث أنهى بنك اليابان سياسة سعر الفائدة السلبية غير المسبوقة، مما يمثل نهاية حقبة في التاريخ النقدي الحديث.
كان نظام سعر الفائدة السلبي الذي تبناه بنك اليابان عبارة عن إستراتيجية جذرية تهدف إلى تحفيز الإقراض المصرفي، وتعزيز الطلب، ومعالجة مشكلة التضخم. وإنهاء هذه السياسة يشير إلى الابتعاد عن الأدوات النقدية غير التقليدية التي ميزت المشهد الاقتصادي في اليابان لسنوات عديدة. وقد أثارت هذه الخطوة مناقشات حول المسار المستقبلي للسياسة النقدية اليابانية وآثارها المحتملة على الاقتصاد العالمي.
اقتراض دون الصفر
وبعد عقد من السياسة النقدية مفرطة التساهل و8 سنوات من تكاليف الاقتراض دون الصفر، اتخذ محافظ بنك اليابان كازو أويدا قرارا بتوجيه سعر الفائدة إلى نطاق يتراوح بين صفر و0.1%. وتأتي هذه الخطوة، وهي أول زيادة في تكاليف الاقتراض الياباني منذ 17 عامًا، في منعطف فريد حيث تدرس البنوك المركزية الكبرى الأخرى خفض أسعار الفائدة، مما قد يغير دور الين في الأسواق المالية بشكل كبير، وفقًا للمستثمرين والاقتصاديين.
ووفقا لبلومبيرغ فإن هذه الخطوة تعكس السياسة السابقة المتمثلة في فرض رسوم بنسبة 0.1% على بعض الاحتياطيات الفائضة التي تحتفظ بها المؤسسات المالية في البنك المركزي. وينظر المحللون إلى هذا التحول باعتباره خطوة مهمة نحو التطبيع، مما يشير إلى الثقة في مسار الاقتصاد الياباني.
وقال محللون من مورغان ستانلي في مذكرة بحثية: “لقد أنهى بنك اليابان اليوم حقبة من التيسير النقدي الاستثنائي”. ووصفوا هذه الخطوة بأنها مؤشر على دورة حميدة من ارتفاع نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي والأجور والأسعار وأرباح الشركات.
وكجزء من خروجه من سياسة أسعار الفائدة السلبية، أعلن بنك اليابان أيضًا التخلي عن سياسة التحكم في منحنى العائد، التي تم تقديمها في عام 2016 للحفاظ على العائد على سندات الحكومة اليابانية لأجل 10 سنوات للحفاظ على الظروف المالية التيسيرية. بالإضافة إلى ذلك، سيتوقف البنك عن شراء الصناديق المتداولة في البورصة وصناديق الاستثمار العقاري اليابانية.
الأسواق تتأثر
وشهد مؤشر نيكاي 225 القياسي في اليابان تقلبات خلال التداول إثر القرار، حيث عكس في البداية خسائر طفيفة ليرتفع بعد أنباء رفع سعر الفائدة، قبل أن ينزلق إلى المنطقة السلبية مرة أخرى. وأغلق في النهاية مرتفعًا بنسبة 0.7%. وأغلق المؤشر توبكس الأوسع نطاقا مرتفعا 1.1%.
وفي حين يمثل قرار بنك اليابان تحولًا نحو التطبيع، فقد أكد البنك مجددًا التزامه بالحفاظ على ظروف مالية ميسرة “في الوقت الحالي”. ويشير هذا إلى أن البنك المركزي الياباني لن يشرع في دورة تشديد قوية مماثلة للبنوك المركزية الكبرى الأخرى، مثل بنك الاحتياطي الفدرالي في الولايات المتحدة.
وبالنظر إلى المستقبل، فإن حالة عدم اليقين لا تزال قائمة، مع مخاطر تشمل التطورات في الاقتصادات الخارجية، وأسعار السلع الأساسية، وسلوك الشركات المحلية في تحديد الأجور. وأعرب محللون من كابيتال إيكونوميكس لـ”سي إن إن” عن شكوكهم بشأن المزيد من الزيادات في أسعار الفائدة، مستشهدين بتوقعات ضعف نمو الأجور بين الشركات الصغيرة.
كيف سيتأثر الين؟
لأكثر من 3 عقود، حافظت العملة اليابانية على مكانة مستقرة في أسواق الصرف الأجنبي، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى سياسة بنك اليابان لأسعار الفائدة المنخفضة أو السلبية التي تهدف إلى تحفيز النمو الاقتصادي ومنع الانكماش.
وقد جعل هذا الاستقرار الين خيارا جذابا للمستثمرين المشاركين في الصفقات المحمولة، وهي إستراتيجية حيث يقترض المستثمرون بعملة منخفضة العائد للاستثمار في الأصول ذات العائد المرتفع. بالإضافة إلى ذلك، كان الين طريق التمويل المفضل للحكومات والشركات خلال أوقات الأزمات، حيث اختار الكثيرون إصدار “سندات الساموراي” بالين في السوق اليابانية.
ورغم الانخفاض الأولي في قيمة الدولار في أعقاب إعلان بنك اليابان، يعتقد محللون تحدثت إليهم فايننشال تايمز أن الين لا يزال جذابًا بسبب الفارق الكبير في أسعار الفائدة مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، يشير شوسوكي يامادا، رئيس إستراتيجية العملات الأجنبية في اليابان في بنك أوف أميركا، إلى أن التحولات في شهية المؤسسات اليابانية المحلية للتداولات المحمولة في الخارج قد تحدث إذا أصبحت ديون الحكومة اليابانية أكثر جاذبية.
وقال ديريك هالبيني، رئيس قسم الأبحاث في مجموعة ميتسوبيشي يو إف جي المالية في حديث لفايننشال تايمز، إن هذا التحول في سياسة بنك اليابان يمثل نقطة تحول تاريخية، مما قد يؤدي إلى زيادة التقلبات في الين. وقد يؤدي التقلب المكتشف حديثًا إلى جانب التوقعات بالمزيد من رفع أسعار الفائدة إلى تقليل جاذبية الين للمستثمرين.
على من سيؤثر الين؟
ويتردد صدى قرار بنك اليابان أيضا في الأسواق الدولية، ويؤثر بشكل خاص على الحكومات التي أصدرت سندات مقومة بالين. وفي حين أن المقترضين الحاليين قد لا يتأثرون على الفور، فإن الارتفاع المحتمل لقيمة الين قد يؤدي إلى تصاعد تكاليف سداد الديون لبعض البلدان النامية، وفقا لما ذكرته إلفيرا مامي، كبيرة المحللين الاقتصاديين في معهد التنمية الخارجية للصحيفة.
وأشار مارك فارينغتون، مستشار الاقتصاد الكلي العالمي في “فارينغتون للاستشارات”، إلى أن الين يحمل الآن إمكانات صعودية بعد قرار بنك اليابان، مما يشير إلى ارتفاع محتمل على المدى الطويل تماشيًا مع التغيرات الاقتصادية الأخرى في اليابان.
ومع ذلك، فإن هذه التغييرات يمكن أن تؤثر أيضًا على المستثمرين والشركات والحكومات، حيث لم يعد بإمكانهم الاعتماد على استقرار الين في صفقات الشراء المحمولة أو البحث عن ملجأ في أوقات الاضطرابات الاقتصادية.
وشدد جوناثان بيترسون، كبير اقتصاديي السوق في كابيتال إيكونوميكس لبلومبيرغ، على أهمية سياسات الاحتياطي الفدرالي في تحديد الاتجاه قصير المدى للين مقابل الدولار، مما يشير إلى أن قرار بنك اليابان قد يكون له تأثير أقل في عالم رفع فيه بنك الاحتياطي الفدرالي بشكل كبير أسعار الفائدة.
وأبرز يامادا أنه في حين أن الشركات اليابانية قد تستمر في الاستفادة من التمويل الرخيص بالين للتوسع في الخارج، فإن التغيرات في جاذبية ديون الحكومة اليابانية يمكن أن تؤثر على شهية المؤسسات المحلية للحمل الخارجي.
وبينما يتكيف المشهد المالي مع هذه التغييرات، سيراقب أصحاب المصلحة عن كثب الديناميكيات المتطورة في دور الين في الأسواق المالية العالمية، وتقييم الآثار المترتبة على إستراتيجيات الاستثمار وتكاليف الاقتراض.