فصل جديد من المعاناة خلال رمضان يعيشه نازحو جنوب لبنان في مراكز الإيواء | سياسة
مراسلو الجزيرة نت
بيروت- يواجه نازحو القرى والبلدات الحدودية الجنوبية فصلا جديدا من المعاناة والتحديات المعيشية خلال شهر رمضان المبارك، بعد مضي أكثر من 160 يوما على تصاعد المواجهات العسكرية التي أدت إلى نزوح آلاف الأسر، حيث يجدون أنفسهم اليوم بعيدين عن منازلهم وأحبائهم، مع اختفاء جميع التقاليد الرمضانية المعتادة.
ويسترجع النازحون ذكريات أجواء شهر رمضان في السنوات السابقة، مع تفاصيل إفطاراتهم العائلية الودية والأمسيات الهادئة، ويشعرون بالحنين إلى الماضي القريب، وبالأسى وهم يقضون أوقاتهم في مراكز الإيواء، التي تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة.
“اختلاف كبير”
“هنا حياتنا بدائية، رجعنا 40 أو 50 سنة إلى الوراء”، بحسرة ومرارة تعبر النازحة جنوب سويد عن الحالة التي وصلت إليها بعد نزوحها من الضهيرة الحدودية إلى مكان إقامتها الحالي في الجامعة اللبنانية الألمانية بمدينة صور جنوب لبنان.
تتحدث جنوب سويد عن الأجواء الرمضانية للجزيرة نت “بين رمضان هذا العام والأعوام السابقة هناك اختلاف كبير، ففي بيتك يمكنك أن تعد الطعام الذي تريده، أما هنا فلا يوجد شيء، وبعدما كنا في السابق نتبادل صحون الإفطار والسحور، وتجتمع كل العائلة على المائدة، نحن اليوم فقط ننتظر وصول صحن الطعام إلى الغرفة”.
وتقول جنوب، وهي أم لـ5 أطفال، “رغم محاولاتي لاستحضار الطقوس الرمضانية المعتادة، فإنها تختلط بآلام ومعاناة النزوح، أسعى جاهدة للتمسك ببعض روحانية الشهر قدر المستطاع، وهذا كل ما أستطيع فعله في شهر رمضان هذا العام مع أولادي، بالإضافة إلى أننا نجتمع على طاولة إفطار واحدة”.
وتضيف بحرقة “شهر رمضان مختلف واحتياجاته أكثر، فاليوم نحن بحاجة إلى الكهرباء، خاصة أننا نتناول السحور في الظلام، اليوم تسحرنا على ضوء الهاتف”.
وعن وضعها الحالي تقول “أعمل بقدر المستطاع لأجل أولادي، لكن الواقع صعب جدا، في السابق كان لديّ 3 منازل بمساحة 750 مترا مربعا، أما الآن أجد نفسي مقيمة في غرفة صغيرة بمساحة 16 مترا مربعا فقط”.
وتقول ساخرة “في هذه الغرفة الضيقة المزدحمة، يوجد كل شيء بلا استثناء، من غرفة النوم إلى المطبخ وغرفة الطعام والجلوس وحتى الغرفة الخاصة بالمؤن، بالإضافة إلى خزانة الملابس، التي لا يمكن تسميتها إلا بصناديق!”.
“فقدنا كل شيء”
لا يختلف المشهد كثيرا داخل مدرسة صور الفنية، حيث يجلس الحاج الثمانيني موسى الموسى تحت ظلال شجرة في ملعب المدرسة، ويستعيد بتنهيدة ذكريات شهر رمضان في بلدته البستان الحدودية، ويصفها بالقول “كانت أيام عز، كان المنزل مأوى آمنا يمنحك الراحة والاطمئنان، أما الآن ونحن نازحون، فالوضع مختلف تماما، هنا -في المدرسة- لا يمكنك الاعتماد على أي شيء، لأنها تضم المئات من النازحين”.
ويضيف للجزيرة نت “كانت العائلة تتجمع على طاولة واحدة، فأنا أب لـ5 أولاد، وكان المنزل مليئًا بالضجيج، لكن اليوم وفي ظل النزوح تم تشتيتنا، أنا هنا في المدرسة مع ابني وابنتي وأحفادي، في حين يقيم ابني الثاني في العاقبية مع أولاده، وابني الآخر في الكوثرية، وابن في العباسية وآخر في البياضة”.
وعن ما يفعلونه في شهر رمضان يقول الموسى “نصوم ونصلي، هذا كل ما نستطيع فعله في رمضان هذا العام، ونحصل على الإفطار من خلال مساعدات تقدمها الجمعيات الإنسانية، لقد أصبحت رفاهية اختيار الطعام والمقبلات الرمضانية من الماضي أيضًا”.
وبلهجة العجز ووجه يغمره القلق، يقول “لقد فقدنا كل شيء، كان لدينا مواشٍ تجاوزت الـ100 رأس من الماعز والأغنام، وضاع منا موسم الزيتون وكذلك الزراعة، فلم نستطع زراعة شيء هذا الموسم، لا قمح ولا شعير ولا عدس ولا حتى فول وبندورة، كل شيء راح علينا”.
يجلس الموسى على فرشة صغيرة على الأرض داخل غرفته الضيقة في المدرسة، التي لا يمكن الوصول إليها إلا عبر ممر تخيم عليه العتمة، وينظر حوله إلى مقتنيات النزوح التي ملأت المكان.
ويقول عن سبب استمرار نزوحه “نحن نبحث على الأمان والاستقرار، وهذه الأمور لا تزال مفقودة تمامًا في مناطقنا الحدودية، خاصة مع استمرار التوسع في الضربات واستهداف المنازل والأراضي، لقد نزحنا إلى هنا تحت وطأة القصف، وأدعو الله أن ينقذ الناس من هذا الكابوس”.
جهود إغاثية
يقول منسق الإعلام في وحدة إدارة الكوارث في اتحاد بلديات منطقة صور بلال قشمر للجزيرة نت “تم الاتفاق مع الجهات الممولة المسؤولة عن تأمين المواد الغذائية للمطبخ على تحويل الوجبات إلى وجبة إفطار وأخرى للسحور، وضمان تناسبها مع شهر رمضان المبارك، من حيث نوعية الوجبات المختلفة مع سلطات وشوربة”.
ويضيف “في قضاء صور أصبح العدد 23 ألف نازح، هؤلاء نازحون من القرى الحدودية على الخط الأمامي، نزحوا من 40 قرية في قضاء صور إلى منازل أقارب أو استأجروا بيوتا، أو استقروا ضمن 5 مراكز إيواء تضم حاليا حوالي 790 نازحا”.
ويشير قشمر في حديثه للجزيرة نت إلى أنه تم توزيع المساعدات الخاصة بالإيواء، بما في ذلك الفرش وحصص النظافة والحصص الغذائية من المعلبات، ويؤكد أن هذه المساعدات تُقدم بشكل دائم، وتوزع بالاستعانة بالجمعيات والمؤسسات الدولية.