مساجد وشوارع وأحياء تحمل أسماءهن.. من هن خواتين بغداد؟ | مرأة
بغداد- أحياء ومساجد وشوارع لا تزال تحمل أسماءهن في بغداد، تركن إرثا كبيرا في المجتمع العراقي، هن خواتين بغداد الشهيرات (جمع خاتون)، وهو لقب تقديري يطلق على سيدات المجتمع ممن كان لهن أدوار سياسية ودينية ومجتمعية، كما لهن دور في بناء المساجد والمشاريع العمرانية، وتحظى هذه الأحياء والمساجد والشوارع بشهرة واسعة حتى صار البغداديون يعتمدونها نقاط دلالة، وبعضها لا يزال شاخصا حتى اليوم.
وكما للرجال أثر في المجتمع العراقي، وألقاب مثل بيك وباشا وأفندي، للسيدات أيضا لقب خاتون، الذي يطلق على أميرات البلاط السلجوقي والجلائري والمغولي والعثماني، وهكذا ظل متوارثا حتى منتصف خمسينيات القرن الماضي، حسب الباحث التراثي ياسر العبيدي.
وقال العبيدي للجزيرة نت إن هذا اللقب انقرض مع مرور الزمن، غير أن الأسماء بقيت خالدة في التراث العراقي، وخاصة البغدادي، مشيرا إلى أن التراث ظل يحتفظ بكثير من الأسماء خاصة في محكمة بغداد الشرعية التي دونت فيها أسماء أكثر الخواتين. ومن أبرزهن في بغداد عادلة خاتون، وراغبة خاتون، وهيبة خاتون، وليلى خاتون، وعاتكة خاتون، وسارة خاتون، وقد عشن في أوقات متفاوتة في قلب العاصمة بغداد، وكن من بنات الذوات في المجتمع العراقي آنذاك.
خواتين شهيرات
ويتحدث الباحث في التراث العراقي نبيل عبد الكريم للجزيرة نت عن أشهر خواتين بغداد، وعن أصولهن وأهم ما تركنه من أثر في المجتمع العراقي، وقال إن عادلة خاتون بنت أحمد باشا بن حسن باشا، وزوجة سليمان باشا والي بغداد، والمتوفية في بغداد عام 1768، من أشهر خواتين بغداد وهي من أسرة المميز الشهيرة، وتعود أصولها إلى المماليك، ولا يزال قبرها شاخصا في شارع المستنصر، وكان ضمن مبنى المحكمة الشرعية آنذاك، ولها ميراث وجوامع باسمها مثل جامع العادلية الصغير الذي هدم فيما بعد، وكان يقع مقابل مبنى المتحف البغدادي في شارع المأمون، وجامع العادلية الكبير الواقع في شارع المستنصر مقابل قبرها، إضافة إلى جامع عادلة خاتون وهو الأشهر في بغداد، الذي يقع في منطقة الأعظمية شمالي بغداد.
ويضيف عبد الكريم أن هيبة خاتون المتوفية عام 1919 اشتهرت بسقاية الناس، إذ أسست سقاية خاصة للمارة وللسابلة للمنفعة العامة في الجانب الشرقي لمدينة بغداد وذلك عام 1916، ودفنت بعد وفاتها قرب ضريح الإمام الأعظم النعمان بن ثابت في الأعظمية، ولها جامع في مدينة الموصل يحمل اسمها. أما راغبة خاتون، فهي إحدى سيدات بغداد العثمانية، وأطلق اسمها على مقاطعة في منطقة الشماسية في الأعظمية.
صانعة الملوك
ومن بين الخواتين اللواتي برزن مطلع القرن العشرين، مس بيل، وهي باحثة ومستكشفة وعالمة آثار بريطانية عملت في العراق مستشارة للمندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس جاءت إلى العراق عام 1914، ولعبت دورا بالغ الأهمية في ترتيب أوضاعه بعد نهاية الحرب العالمية الأولى.
وعن حياتها، يقول الباحث والإعلامي المتخصص بشؤون التراث محمد خليل إن “مس بيل على الرغم من أنها إنجليزية، فإن العراقيين أطلقوا عليها لقب خاتون، لكونهم معتادين على مناداة السيدات من ذوي الشأن بالخاتون منذ العصر العباسي ثم العثماني، وهكذا اكتسبت لقب خاتون بغداد”.
ويضيف خليل -في حديثه للجزيرة نت- أن مس بيل خاتون (1868-1926) كانت لها الكلمة العليا في تأسيس الدولة العراقية الحديثة، حتى أنها لقبت بصانعة الملوك في العراق ودول عربية أخرى، حتى توفيت في بغداد ودفنت في مقبرة الإنجليز في منطقة باب المعظم وسط بغداد.
ومن شهيرات الخواتين نهاية القرن 19 أيضا ليلى خاتون وسارة خاتون، ويبين الباحث خليل أن ليلى خاتون (1866-1967) امرأة عراقية ذات نفوذ كبير، كانت تاجرة ولديها أملاك في معظم مناطق العراق، كما تمتلك كثيرا من بساتين منطقة الكرادة والجادرية وما حولها، وصولا إلى منطقة جسر ديالى جنوب شرقي بغداد.
أما سارة خاتون، فهي فتاة اشتهرت بالكرم منذ صغرها وهي من مواليد بغداد عام 1893 من أصول أرمنية استوطنت العراق بحدود القرن 16 الميلادي، واسمها الكامل سارة أونستيان، والدها كان من أصحاب الأملاك التي تمتد بين بغداد وبابل وكربلاء وواسط، عاشت تحت رعاية عمها سيروب وعمتها صوفيا بعد وفاة والديها.
توفيت سارة خاتون أواخر ستينيات القرن الماضي، بعدما تركت حيا كاملا باسمها (كامب سارة) وسط بغداد، حيث وزعت مساكنه على الفقراء والمعوزين من أديان وقوميات مختلفة، ولا يزال الحي قائما حتى اليوم وبالاسم نفسه.
خواتين السقاية
كان توفير مياه الشرب في المحلات البغدادية مشكلة يعاني منها أهل بغداد منذ بنائها، وعلى إثر ذلك ومع نهاية القرن 18 وبداية القرن 19، بادرت عدد من خواتين بغداد بتوفير مياه الشرب مجانا من خلال محطات السقاية.
ويذكر المؤرخ والخبير القانوني الراحل طارق حرب -في كتابه “موسوعة التراث البغدادي” الصادر في بغداد عام 2020- أن من بين خواتين بغداد اللاتي وفرن مياه شرب نابي خاتون التي شيدت محطتها عام 1820، وذلك في عهد زوج ابنتها والي بغداد العثماني داود باشا في محلة الميدان، وكذلك سقاية نافعة خاتون في محافظة ديالى، وعاتكة خاتون ابنة السيد علي القادري الكيلاني نقيب أشراف بغداد والمتوفية عام 1829، وقد أنشئت هذه السقاية في مدرسة عاتكة خاتون المجاورة لضريح الشيخ عبد القادر الكيلاني.
سجلات قديمة
وكان لمحكمة بغداد الشرعية في القرن 18 -أي في العهد العثماني- الأثر في تسجيل الأوقاف والمواريث وغيرها من قضايا الأحوال الشخصية، وقد ورد عديد من أسماء الخواتين فيها، ومنهن قمر خاتون، ونازلي خاتون، وآمرة خاتون، وعادلة خاتون.
ومحكمة بغداد الشرعية، التي كانت تعرف آنذاك بمحكمة شرعية بغداد، هي محكمة غير جزائية وتتولى أمور الأحوال الشخصية فقط كحال محاكم الأحوال الشخصية الحالية، غير أن قاضيها يعينه السلطان العثماني بفرمان (مرسوم سلطاني) وكان جل عمل هذه المحكمة ينصرف إلى تسجيل الوقفيات أي أحكام التصرف بالأموال بعد موت صاحبها.
ودونت المحكمة أسماء أخرى، مثل خديجة خاتون (وهي شقيقة عادلة خاتون)، وعاتكة خاتون بنت السيد علي النقيب سليل الشيخ عبد القادر الكيلاني، وقد حضرت إلى محكمة بغداد الشرعية ووقفت جميع أملاكها، وعائشة خاتون بنت عبد الله التي حضرت إلى المحكمة عام 1794 وطلبت تسجيل بعض أملاكها وقفا، منها بساتين محلة الوردية في بابل.
ويؤكد الباحث ياسر العبيدي للجزيرة نت أن موقع المحكمة كان في شارع المستنصر وسط بغداد، وهي من أوقاف عادلة خاتون، لكنها اندثرت بتقادم الزمن وتحولت إلى محال لبيع الأقمشة في الوقت الحاضر.