المزيد من الضرائب تعصف بالاقتصاد البريطاني | اقتصاد
لندن- تمر المملكة المتحدة بوضع اقتصادي هو الأصعب منذ عقود طويلة، هذا التوصيف بات محل إجماع بين الحكومة والمعارضة والخبراء الاقتصاديين والمواطن البريطاني، الذي يشعر بثقل هذه الأزمة على وضعه المعيشي.
كما أن حكومة ريشي سوناك -التي كان يُعَوّل عليها لإيجاد حلول اقتصادية تخرج البلاد من هذه الأزمة- اختارت نهج سياسة تقليص الإنفاق الحكومي والرفع من المداخيل الضريبية، لتكون سياسة تقليدية للتحكم في عجز الميزانية ومواجهة التضخم.
وقد واجهت هذه السياسة كثيرا من الانتقادات، آخرها ما صدر عن “مركز الأبحاث الاقتصادية والتجارية” (CEBR)، الذي يتخذ من لندن مقرا له ويعد من أهم مراكز الأبحاث الاقتصادية في البلاد وأكبرها، إذ تتوقع المؤسسة البحثية أن خطة سوناك سيكون لها تأثير سلبي على نمو الاقتصاد البريطاني، كما أنها ستزيد الضغط على الطبقة المتوسطة البريطانية عن طريق إثقالها بالمزيد من الضرائب.
ركود وتراجع
تقوم خطة الحكومة البريطانية -التي أعلنتها نوفمبر/تشرين الثاني الماضي- على تقليص الإنفاق الحكومي بنحو 30 مليار جنيه إسترليني، والزيادة في المداخيل الضريبية بأكثر من 24 مليار جنيه إسترليني ابتداء من سنة 2025، واختيار هذه السنة ليس عبثا، بل له دوافع سياسية، ذلك أنها سنة الانتخابات العامة، مما يعني أن الحكومة المقبلة -التي على الأغلب ستكون حكومة من حزب العمال- ستكون أمام مأزق حقيقي.
وتوقع مركز الأبحاث الاقتصادية والتجارية أن يتعرض الاقتصاد البريطاني للانكماش على الصعيد العالمي، وبعدما كان المركز نفسه يتوقع أن يتجاوز الاقتصاد البريطاني نظيره الألماني سنة 2050 ليصبح الأكبر في أوروبا، قبل أن يتراجع عن هذا التوقع، ليخلص إلى أن سياسة رفع الضرائب ورفع أسعار الفائدة “ستكون تبعاتها سلبية على نمو الاقتصاد البريطاني خلال العقود المقبلة”.
وستدفع الأسر البريطانية الثمن غاليا جراء هذه السياسة، حيث توقعت دراسة لمكتبة مجلس العموم البريطاني أن هذه السياسة ستؤثر على دخل كل الأسر البريطانية، فمثلا الأسرة التي تجني 60 ألف جنيه إسترليني سنويا، سوف يتراجع مدخولها خلال 10 سنوات ليصل إلى نحو 40 ألف جنيه إسترليني، وفي المتوسط سوف يتأثر مدخول كل أسرة بريطانية بنحو 8 آلاف جنيه إسترليني خلال العقد المقبل.
أيام صعبة قادمة
بلغة متشائمة، يتحدث دوغلاس ماك ويليامس البروفيسور والمدير التنفيذي لمركز الأبحاث الاقتصادية والتجارية، للجزيرة نت، إذ يتوقع الخبير الاقتصادي أن تتحمل الأسر البريطانية تبعات السياسة الاقتصادية لخطة سوناك.
وقال البروفيسور البريطاني، الذي سبق أن كان المستشار الاقتصادي للكونفدرالية البريطانية للصناعة (CBI)، إنه لم يعد أمام الأسر البريطانية من خيار سوى دفع ضرائب جديدة، “وهو ما يعني ضربة موجعة لجودة حياة البريطانيين”.
وأكد الخبير الاقتصادي البريطاني أن الميزانية التي تم إعلانها خريف 2022 “تشبه خدعة ناعمة، يقول أصحابها إن الهدف منها هو تحقيق النمو، لكن من الوارد جدا أن نتائجها سوف تكون عكسية”.
وتوقع دوغلاس أنه من الصعب “رؤية البلاد تخرج من الحلقة المفرغة التي تعيش فيها بين زيادة الضرائب وتباطؤ النمو وتقليل الإنفاق العمومي”، مضيفا أنه لا يرى “أي أمل في تحقيق الاقتصاد البريطاني لأي نمو حقيقي على المدى المنظور”.
وحذر البروفيسور دوغلاس من أن الشغل الشاغل لرئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك هو إعادة الاستقرار للأسواق المالية بعد الفوضى التي أحدثتها الميزانية المصغرة التي أعلنت عنها رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس، “لكن يجب الانتباه إلى أن مستوى الاقتراض العمومي ما زال عاليا ويضع الاقتصاد البريطاني في موقف ضعف أمام أي هزة مالية جديدة”.
حسابات سياسية
في سنة 2010 عند مغادرة حزب العمال للحكومة لصالح التحالف الحكومي الجديد بين المحافظين والحزب الليبرالي الديمقراطي، ترك وزير الخزانة العمالي حينها رسالة إلى من سيخلفه في منصبه تقول “آنا آسف، لكن ليس هناك المال”، في دلالة على أن خزينة الدولة أصبحت فارغة ولا يمكن للحكومة المقبلة التصرف بحرية في مداخيل الدولة.
هذه المرة سينقلب السيناريو عند بلوغ سنة 2025 التي ستشهد وصول حكومة جديدة، إذ تقول كل التوقعات إنها ستكون من حزب العمال، الذين سيجدون أمامهم خطة اقتصادية تقيد أيديهم، ذلك أن خطة سوناك المالية لتقليص الإنفاق الحكومي لن تبدأ إلا في سنة 2025.
وسيكون على الحكومة العمالية التعامل مع أصعب أزمة اقتصادية تمر بها بريطانيا، وحتى الآن لا يطرح حزب العمال أي خطة واضحة الملامح للخروج من هذه الأزمة، باستثناء الحديث عن فرض ضرائب أكبر على الشركات الكبرى وعلى الأغنياء، إلا أن الكثير من الخبراء الاقتصاديين يحذرون من تبعات هذه السياسية، التي اتبعتها بعض الدول الإسكندنافية فكانت نتيجتها خروج الكثير من رجال الأعمال والمستثمرين بحثا عن دول أخرى للاستثمار.
ولن يتحمل الاقتصاد البريطاني أي إجراءات جديدة تهز ثقة المستثمرين في السوق المالية البريطانية، مما يعني أن الحكومة العمالية المقبلة ستكون أمام امتحان اقتصادي عسير.