3 مجالات رئيسية.. ماذا ينتظر الأفارقة من روسيا في قمة سانت بطرسبرغ؟ | سياسة
القاهرة- في حين تعوّل موسكو على نجاح النسخة الثانية من القمة الروسية الأفريقية في ضوء إستراتيجية توسيع نفوذها بالقارة السمراء، تُثار بالمقابل تساؤلات بشأن ما ينتظره الأفارقة من الشريك الروسي، وهل يستفيدون من التنافس الدولي الراهن؟
وبينما صرّحت الخارجية الروسية أن محاولات الدول الغربية إفشال القمة “باءت بالإخفاق”، بدا لافتا تراجع التمثيل الرسمي الأفريقي في النسخة الثانية للقمة؛ حيث يشارك 27 زعيما أفريقيا فقط من الدول الـ49 المشاركة؛ بينما البقية يمثلها وزراء وسفراء، وذلك بالمقارنة مع النسخة الأولى التي احتضنتها مدينة سوتشي الروسية في 2019، وحضرها 43 من رؤساء الدول والحكومات.
وتأتي القمة بعد أسابيع قليلة من محاولة القادة الأفارقة التأثير في البحث عن السلام بين أوكرانيا وروسيا، حيث سافر وفد منهم إلى موسكو وكييف في منتصف يونيو/حزيران لإسماع صوت القارة في الصراع الذي ألقى بظلاله السلبية على الجميع.
وبعد يومين من الانعقاد في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية، تختتم القمة أعمالها اليوم الجمعة، وسط وعود روسية للقادة الأفارقة وأحاديث عن مساعٍ لتشكيل عالم متعدد الأقطاب وسط تعقيدات دولية وأزمات تعاني منها أفريقيا خاصة على مستوى الغذاء والأمن والطاقة.
الغذاء والحبوب
تسعى موسكو خلال القمة إلى طمأنة الدول الأفريقية فيما يخص مسألة الحبوب، حيث يُعد اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية على رأس الملفات المطروحة.
وتكمن أهمية الاتفاق الذي انسحبت منه موسكو قبل أيام في كون أوكرانيا وروسيا من أكبر مصدري الحبوب في العالم، وتعتمد دول القارة بشكل كبير على إمدادات البلدين.
ويترقب القادة الأفارقة مكاسب في قطاع الغذاء خلال القمة، بالنظر إلى ما تظهره مؤشرات وإحصاءات التجارة والأعمال الدولية التالية:
- اعتماد غالبية الدول الأفريقية على واردات القمح الروسي والأوكراني؛ فعلى سبيل المثال يعتمد الصومال وبنين اعتمادا كاملا على البلدين، في حين تستورد مصر ما يزيد على 80% من احتياجاتها منهما، تليها السودان بـ75% ثم الكونغو 69% والسنغال 66%، وفق تقارير.
- بلغت قيمة واردات أفريقيا من القمح الروسي في 2020 حوالي 3 ملايين و500 ألف دولار، وانخفضت في 2021 إلى 3 ملايين و247 ألف دولار، قبل أن تصل في 2022 إلى مليونين و540 ألف دولار.
- مثّلت واردات القمح الأفريقي عالميا في 2020 حوالي 13 مليونا و166 ألف دولار، وفي 2021 حوالي 16 مليونا و178 ألف دولار، وفي 2022 حوالي 18 مليونا و723 ألف دولار.
- أما الذرة، فتشير البيانات إلى أن الصادرات الروسية للعام المنقضي بلغت حوالي 33 ألف دولار، وسط تباين في أسعار بقية الحبوب مقارنة في الأعوام الثلاثة.
وعود روسية
وخلال كلمته أمام القادة الأفارقة، أعلن الرئيس فلاديمير بوتين أن روسيا قادرة على تعويض صادرات الحبوب الأوكرانية إلى أفريقيا، مبديا استعداده لتوريد الحبوب مجانا إلى 6 دول بالقارة في غضون 3 أو 4 أشهر.
وذكر أن هذه الدول هي، بوركينا فاسو، وزيمبابوي، ومالي، والصومال، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وإريتريا، مضيفا أنها ستحصل على ما يتراوح بين 25 و50 ألف طن لكل منها.
وكان بوتين قد تعهّد في مارس/آذار الماضي، بتزويد الدول الأفريقية بالحبوب مجانا في حالة عدم تمديد اتفاق نقل الحبوب عبر موانئ البحر الأسود، وأعلن أن بلاده ستلغي ديونا مستحقة على الدول الأفريقية بقيمة 20 مليار دولار.
الطاقة والأسواق البديلة
تمثّل الطاقة مجالا خصبا للتعاون بين الجانبين، فمن جهة تُعد روسيا منتجا رئيسيا للنفط والغاز، ومن جهة أخرى هناك تباين أفريقي بين دول تعاني بشدة في هذا القطاع ودول تزاحم روسيا في سوق الطاقة الدولي خاصة بعد اعتماد الاتحاد الأوروبي على مصادر بديلة للنفط والغاز الروسي.
ومع ذلك، لا يزال الأفارقة يراهنون على الاستفادة من المشاريع النفطية الروسية، وتزويدهم بالخبرات التقنية في إنتاج طاقة نووية للأغراض السلمية كما هو الحال مع مصر.
وعلى الجانب الروسي، ثمة مساع لإعادة توجيه صادرات النفط والغاز بعد إغلاق السوق الأوروبي، وتعزيز التعاون مع دول بينها الجزائر التي تعد من أبرز مصدري الغاز الطبيعي.
ويبدو أن دول أفريقية استفادت من الضغوط الغربية على روسيا في مجال النفط؛ حيث تُبين أرقام وكالة “ستاندرد آند بورز غلوبال” الاقتصادية الأميركية، أن الصادرات النفطية الروسية لأفريقيا، خاصة المشتقات البترولية المكررة، تضاعفت 14 مرة منذ بداية الحرب الأوكرانية أوائل 2022 وحتى نهاية الربع الأول من هذا العام.
وقبل الحرب، تذكر الوكالة أن روسيا كانت تصدر 33 ألف برميل يوميا من المنتجات المكررة إلى أفريقيا ومعظمها بنزين. وبحلول مارس/آذار الماضي وصلت إلى 420 ألف برميل يوميا.
وقفزت الشحنات الروسية بشكل حاد لدى دول نيجيريا وتونس وليبيا، وذلك في فبراير/شباط الماضي، حين فرض الاتحاد الأوروبي حظرا على المنتجات الروسية، وبعد قرارات مستقلة من العديد من الدول الغربية بوقف استيراد النفط الروسي.
وأجبرت هذه العقوبات روسيا على إعادة توجيه كميات كبيرة من صادرات النفط إلى أسواق بديلة، بما في ذلك أفريقيا، إلى جانب الهند والصين وتركيا.
وأمس الخميس، نقلت وكالة تاس الروسية عن وزير الطاقة الروسي نيكولاي شولجينوف قوله إن بلاده بدأت بشحن نفط خام إلى أفريقيا للمرة الأولى هذا العام، وإنها عززت مبيعات المنتجات النفطية إلى القارة بأكثر من 3 أمثالها في الفترة من مطلع العام الجاري إلى مايو/أيار.
الأمن والتسليح
روسيا من أكبر موردي السلاح في المنطقة، وخلال عقد وقعت اتفاقيات تعاون عسكري مع حوالي 19 دولة أفريقية، منها مصر والسودان ومالي ونيجيريا، وشملت مقاتلات وصواريخ مضادة للدبابات، وفق تقارير.
وتفوّقت روسيا على الصين كأكبر مورّد للأسلحة لأفريقيا جنوب الصحراء بين عامي 2018 و2022، مع بقاء الولايات المتحدة وفرنسا في صدارة الموردين الرئيسيين عالميا وفي عموم أفريقيا، وفق تقرير صدر في أبريل/نيسان الماضي عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبري” (SIPRI).
ومع ذلك، يبدو أن استمرار الحرب الأوكرانية ستدفع إلى الحد من صادرات الأسلحة الروسية، ويرجع ذلك إلى أن روسيا ستعطي الأولوية لتزويد قواتها المسلحة، وسيظل الطلب من الدول الأخرى منخفضا بسبب العقوبات، وزيادة ضغوط واشنطن وحلفائها على من يشتري الأسلحة الروسية.
ولا يقتصر الوجود الروسي في أفريقيا على صفقات التسليح فحسب، إذ إن لديها مجموعة “فاغنر” التي تقول إنها تعمل على نشر الأمن ومحاربة الإرهاب، وإن وجودها بالقارة مرتبط برغبة الحكومات هناك.
وفي المقابل، ينظر مراقبون إلى “فاغنر” باعتبارها تشكيلا من المرتزقة يوفر الأمن لحكام أفارقة مقابل عقود التعدين المربحة، أو مزاحمة النفوذ الأميركي والفرنسي خاصة في دول مثل ليبيا والسودان ومالي وأفريقيا الوسطى.
ترقّب أفريقي
وتعقيبا على سؤال حول آفاق التعاون الأفريقي الروسي، وهل يشهد معوقات في ضوء المشهد الدولي المتشابك والتكالب بين القوى الكبرى على القارة، يشير الأكاديمي المصري والخبير في الشأن الأفريقي بدر شافعي، إلى العديد من فرص التعاون بين الطرفين:
- أهم هذه الفرص، وفق حديث شافعي للجزيرة نت، الأمن الغذائي، باعتبار روسيا من أكبر مصدري الحبوب في العالم. بيد أنّه يشير إلى ترقّب ما إذا كان بوتين سيصدق في عرضه بتقديم هذه الحبوب لأفريقيا بالمجان أو بأسعار تفضيلية.
- كما يمثل مجالا الطاقة والتسليح فرصا يمكن أن يبني عليها الأفارقة علاقات مع روسيا، وفق شافعي؛ موضحا أن هناك أنظمة أفريقية ليست على وفاق مع الغرب ربما تلجأ إلى موسكو.
ومع ذلك، يشير الخبير إلى وجود معوقات أمام هذه التعاون:
- أهمها العقوبات الغربية المفروضة على المتعاونين مع موسكو، وقد تخشاها العديد من الدول الأفريقية.
- وهناك اعتبارات ترتبط بروسيا نفسها، بالنظر إلى كونها دولة غير ديمقراطية، ربما تفرض وصايتها على النظام الذي تسانده كما حدث في الأزمة السورية، فتجعله تابعا لها، مما قد يخلق مخاوف أفريقية من هيمنة روسية محتملة.
- ويحذّر من كون “فاغنر” من الشركات الأمنية سيئة السمعة التي تتدخل لدعم شرعية نظم مستبدة في حالة عداء مع شعوبها، وقد يؤدي الاعتماد عليها إلى بقاء هذه النظم، لكن مع المس بشرعيتها الشعبية.
روسيا تسقط ديونها عن الصومال بقيمة 684 مليون دولار بعد إجتماع بين وزير المالية الصومالي ونائب وزير المالية الروسي بسانت بطرسبغ.
السؤال ماذا تقدم الصومال من تنازلات لروسيا مقابل العفو عم الديون؟#الصومال #روسيا pic.twitter.com/M48Db0QD2D
— SomaliAalp|صومالي آلب (@Somali_Aalp) July 27, 2023
فرص وخلل هيكلي
ومتفقا مع الطرح السابق، يقول المحلل والباحث السوداني في الشؤون الأفريقية عباس محمد صالح، إن الموجة الحالية من التنافس الدولي حول القارة تمثّل فرصة بالنسبة لأفريقيا لتعزيز حضورها الدولي.
بيد أن أفريقيا كقارة، وفق تصريحات صالح للجزيرة نت، تعاني من أوجه خلل هيكلية تمنعها من الاستفادة من التنافس الدولي عليها، وهي عدم القدرة على التحدث بصوت واحد في المحافل الدولية سواء كانت دول أم منظمات إقليمية.
ويكمن التحدي الذي يواجه القارة، وفق صالح، في التعاطي مع الانخراط الروسي وتحديدا أنشطة “فاغنر”، حيث إن دول القارة هشة وضعيفة وتعاني من مشكلات داخلية متأصلة تجعلها قابلة للانفتاح على التعاون مع أي جهة خارجية تقدم نفسها كمزود للخدمات الأمنية التي تحتاجها هذه الدول، إضافة لقابلية أجهزة الأنظمة في هذه الدول للاختراق من قبل الفاعلين الخارجيين في المجال الأمني، كما حدث في نفوذ “فاغنر” في بعض دول القارة مؤخرا.
ويشدد على أن الأمن الغذائي، خاصة اتفاق الحبوب الأوكرانية، مسألة حساسة بالنسبة لأفريقيا، لا سيما بعد انسحاب روسيا من مبادرة الحبوب، بما يفرض تحديا حقيقيا على القادة الأفارقة في التوصل إلى صيغة مع روسيا تحفظ مصالح شعوبهم ودولهم في خضم الصراع الروسي الغربي.