“فاغنر” بعد محاولة التمرد العسكري.. نهاية دور أم إعادة تأهيل؟ | سياسة
موسكو- كما بدأ سريعا، انتهى كذلك سريعا تمرّد قائد مجموعة “فاغنر” يفغيني بريغوجين، الذي جاء معاكسًا لكل السيناريوهات التي قدمها المراقبون الروس والأجانب على حد سواء فيما يخص التطورات المحتملة للأزمة التي استفحلت تدريجيًا بين هذه المجموعة ووزارة الدفاع.
واستبعدت التقديرات تطور الصدام بين الطرفين ضمن السياق الذي أخذه التمرد العسكري المفاجئ، وتضمّن وضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في زاوية المتهمين بالتهاون في عدم حسم الخلاف.
بيد أن انتهاء الأزمة خلال ساعات قليلة بعد دخول رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو على خط الأزمة، طرح تساؤلات إستراتيجية تتعلق بمرحلة ما بعد انتهاء التمرّد، لما لذلك من أهمية متعددة الأوجه تتناول من بين أمور عدة:
- الأوضاع الداخلية في روسيا.
- مستقبل الحرب في أوكرانيا.
- مصير “فاغنر” ودورها اللاحق، على ضوء الأدوار القتالية المؤثرة التي لعبتها المجموعة في ساحات الحرب بأوكرانيا ومناطق صراعات وبؤر توتر أخرى.
وجاء خطاب بوتين -أمس الاثنين- إلى الشعب الروسي ليضع النقاط على الحروف بخصوص مستقبل عناصر المجموعة، إذ خيّرهم ما بين توقيع عقود مع وزارة الدفاع، أو “العودة إلى البيوت” أو التوجه إلى بيلاروسيا، فهل تمثل الصفقة المعلنة نهاية فعلية لهذه الأزمة داخل روسيا؟
ورغم تأكيد مكتب المدعي العام الروسي بأن القضية الجنائية المرفوعة ضد بريغوجين بسبب مسؤوليته عن تنظيم التمرّد المسلح لم تُغلق بعد، إلا أن مراقبين روسا يعتبرون أن الأزمة المتصلة بـ “فاغنر” ككل قد تكون انتهت من حيث وقف التهديد المسلح للمجموعة وإمكانية تكرار ما حدث.
نسخ جديدة ودور جديد
حسب مدير مركز التنبؤات السياسية دينيس كركودينوف، سيكون هناك 3 نسخ من “فاغنر”:
- الأولى ستنضم إلى قوات وزارة الدفاع.
- الأخرى ستحل نفسها، لكنها لن تتعرض للملاحقة بانتظار استيضاح الصورة.
- الثالثة -الأبرز- ستعيد تأهيل نفسها ضمن الواقع الجديد.
وبرأيه، لن يتم بعد الأحداث الأخيرة إقرار قانون الشركات العسكرية الخاصة في روسيا، وستبقى فيما يسمى المنطقة الرمادية، باعتبار أن هذه الشركات “للاستخدام الخارجي” وليس لمسائل تتعلق بالشأن الداخلي.
ويرى كركودينوف أن “فاغنر الثالثة” ستعيد بناء نفسها على أساس هياكل مهام خاصة في أفريقيا وآسيا وربما أميركا اللاتينية، معتبرا أن ما “أقوى جيش خاص في العالم” سيكون قادرا على إبرام العقود مع عشرات الحكومات في جميع أنحاء العالم، لتصبح هذه المجموعة واحدة من أكبر الشركات العالمية بهذا المجال.
-
كيف سيكون مصير بريغوجين؟ ولماذا بيلاروسيا؟
برأي الخبير الاستراتيجي رولاند بيجاموف، فإن ما وصفه بـ “سوق العمل” ما زال مفتوحا أمام بريغوجين، لا سيما في القارة الأفريقية.
لكنه أوضح للجزيرة نت أن عمل المجموعة سيكون مباشرا مع البلدان الأفريقية، مع دور أقل تأثيرا للجهات الرسمية، مفسّرا ذلك بالتوجه نحو وقف الحديث عن أن المجموعة تمثل اليد الطولى للعمليات العسكرية الروسية بالخارج، وكذلك بالنظر للعلاقات المباشرة التي يتمتع بها بريغوجين مع جهات رسمية عديدة ببلدان أفريقية.
ويفسّر بيجاموف توجّه بريغوجين نحو بيلاروسيا خاصة، وهو -برأيه- الشيء الأهم في تداعيات التمرد الذي قام به، إذ يشير إلى أن بريغوجين توجه إلى بيلاروسيا مع عدة آلاف من المقاتلين، ومن المحتمل أن يرتفع هذا العدد مع مرور بعض الوقت، عندما يتم ترتيب المسائل المتعلقة بتوفير الموارد وتنظيم وجود المجموعة.
ويبين أن توجه “فاغنر” في بيلاروسيا “كنز” للرئيس لوكاشينكو، فوجود أسلحة نووية تكتيكية فيها من جهة، وقوات محترفة إلى جانبها من جهة أخرى، سيشكّل رادعا لدى حاكم مينسك أمام التهديدات الغربية ضد بيلاروسيا، في حال لم تصل الأمور إلى الحد الذي يتطلب استخدام السلاح النووي التكتيكي ضدها.
ويشير الخبير الروسي إلى بقاء سقف التهديدات الأوكرانية والبولندية المعلنة وغير المعلنة مرتفعا، إضافة إلى أن “الرؤوس الساخنة” في بلدان البلطيق ضد الجبهة الجنوبية في بيلاروسيا تحتاج لعامل ردع “وسيط” وتعتبر “فاغنر” أفضل نموذج له.
علاوة على ذلك، يقول بيجاموف إن وجود فاغنر في بيلاروسيا سيعزّز من سلطة لوكاشينكو بالداخل ويرفع من أهمية بلاده في المواجهة المفتوحة مع الغرب، فضلًا عن مصالح لوكاشينكو الاقتصادية بأفريقيا، حيث يروج هناك المنتجات والمعدات الزراعية البيلاروسية، وبهذا المعنى تشكل هذه البلدان مصادر دخل حيوية جدًا لمينسك.
-
هل انتهى دور بريغوجين؟
الأمر المهم الثاني الذي يشير إليه بيجاموف أن بريغوجين، الموجود الآن في “المنفى المؤقت” جلب معه عددا كبيرا بالنسبة لعدد القوات النظامية البيلاروسية الذي يقارب 60 ألف مقاتل، وهو عدد قليل مقارنة بالقوات البرية البولندية التي تقارب 300 ألف مقاتل، و”تحلم” بإعادة احتلال جنوب بيلاروسيا عبر مغامرة عسكرية مسنودة من الناتو.
وفي كل الأحوال، لن يواجه لوكاشينكو أية مشكلة مع وزير دفاعه بسبب “الضيف الجديد” خلافًا لما كان عليه الحال مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو.
-
ما ارتدادات كل ما جرى على سير القتال في أوكرانيا؟
يؤكد العقيد المتقاعد فيكتور ليتوفكين أن أوكرانيا لم ولن تستفيد من تمرد بريغوجين، إذ لم يكن لهذه الأحداث تأثير سلبي على الوضع في ساحة المعركة، كما أنه تم خلال ساعات قليلة وقف تداعياتها على الداخل الروسي.
ويتابع بأنه صحيح أن مجموعة بريغوجين غادرت أوكرانيا، إلا أنه فتحت لها جبهة جديدة معرضة للتفجّر في أي وقت ممثلة في بيلاروسيا. وفي الحسابات الغربية لا يقل ذلك خطورة عن تواجد فاغنر في أوكرانيا بل يتجاوزه حسب تعبيره.
ولا يستبعد ليتوفكين أن يكون انسحاب “فاغنر” من المشاركة في الحرب مع كييف مؤشرا غير مباشر على قرب انطلاق أول محادثات سلام رسمية بشأن أوكرانيا في يوليو/تموز المقبل، من خلال اجتماع رفيع في كوبنهاغن بمشاركة ممثلين عن البرازيل والهند وجنوب أفريقيا والصين، ومستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، قد يتم من خلاله عقد المشاورات الأولى لحلحلة الصراع.