توجت بـ3 جوائز في مهرجان “كان”: جيل جديد يرسم خريطة طريق للسينما المغربية | فن
مراكش- “أنا مخرجة اليوم”، كانت هذه هي الجملة التي اختارت أسماء المدير أن تختم بها حديثا باللغة العربية على الملأ مع جدتها بُعَيد الإعلان عن فوزها بجائزة أفضل إخراج في مهرجان “كان” السينمائي بفرنسا، الذي اختتم يوم 27 مايو/أيار الماضي.
هي عبارة تشير إلى “بروز جيل جديد من المخرجين المغاربة يعمل بجد، ويجتهد في اختيار الشخصيات والأماكن والعمل على مواضيع محلية”، كما تؤكد هذه المخرجة الشابة.
وتضيف للجزيرة نت “لكي نصل إلى العالمية يجب أن نبدأ من الجذور، ومن الهوية، إن فيلمي المتوج “كذب أبيض” هو الوثائقي الوحيد الذي نافس على الجائزة ضمن مسابقة قسم “نظرة ما”، إلى جانب 25 فيلما “خياليا”، واشتغلت عليه لمدة 10 سنوات، بشخصيات من العائلة، أبرزها الجدة”.
وإلى جانب أسماء المدير، فاز المخرج كمال الأزرق في النوع نفسه بجائزة لجنة التحكيم عن فيلمه “القطعان”، في حين فازت المخرجة زينب موكريم بالرتبة الثالثة في برنامج سينما المدارس عن فيلمها الأمازيغي “أيور” (القمر)، كما عرض فيلم “الثلث الخالي” للمخرج المغربي فوزي بنسعيدي في مسابقة قسم “نصف شهر المخرجين”.
فرحة مشتركة
لم يفرح المتوجون وحدهم، بل “إن المتلقي المغربي سعد كثيرا بالجوائز أيضا” يقول المخرج المغربي حسن دحاني للجزيرة نت. ويضيف “سيكون المتلقي المغربي أكثر سعادة إذا كانت مواضيع هذه الأعمال قريبة من واقعه اليومي، تشاركه أحلامه وهمومه، لأننا بحاجة لأن نروي قصصنا بممثلين مغاربة لا أن نحكي بهم قصص غيرنا”.
يشير الناقد المغربي فؤاد زويريق في حديث للجزيرة نت إلى أن المتلقي المغربي يتفاعل في حينها، ثم يعود لينظر بشيء من الشك والريبة إلى المكتسبات الحقيقية للسينما المغربية، خصوصا أن ما يعرض في القاعات من أفلام مغربية لا يرتقي إلى طموحه وآماله.
ورغم أنها موسمية وقليلة، يتابع المتحدث، فإن هذه الجوائز تبقى أولا أداة محفزة للمخرجين وخصوصا الشباب الذين يجمعون بين الموهبة والتكوين الأكاديمي، وثانيا مهمة للمجال السينمائي المغربي عموما رغم هشاشة منظومته.
في حين يقول الناقد عبد الإله جواهري للجزيرة نت إن المتلقي سيسعى لمشاهدة هذه الأفلام ومعانقتها، وربما تعيد له الثقة في سينماه التي يحوم حولها القيل والقال.
هل هي فلتة؟
يؤكد الجواهري أن “التتويج لا يعد حدثا عابرا، ولكنه نتيجة عمل دؤوب بإمكانات وطنية يبخسها البعض للأسف، مشيرا إلى وجود مخرجين مغاربة عالميين وشباب قادمين بقوة، ويكفي أن نشاهد أفلامهم الروائية القصيرة لنستنتج أن مستقبل السينما المغربية مضمون”.
في حين يرى زويريق أن الأمر قد يكون مجرد فلتة، لأن الأسماء الشابة التي فازت بالجوائز اجتهدت خارج المنظومة السينمائية المغربية لتحصد نتائج اجتهادها. ويضيف “لو كان الأمر مؤسسا لكنا على موعد كل سنة مع أكبر الجوائز في أكبر التظاهرات العالمية، بل لشهدنا انتشار السينما المغربية قاريا وعالميا كما يحدث للسينما الإيرانية على سبيل المثال”.
لكن الناقد مصطفى الطالب تساءل في حديث للجزيرة نت إن كانت بعض الأفلام المتوجة سابقا، (ويؤكد أنه لا يتحدث عن فيلم “كذب أبيض” الذي يقدم مضمونا اجتماعيا هاما)، تصل إلى العالمية لتطرقها إلى مواضيع تناسب هوى المنظمين وتضرب قيم المغاربة، حسب تعبيره، كما حدث في السنة الماضية في فيلم ” القفطان الأزرق”، وقبله فيلم “الزين اللي فيك” لنبيل عيوش.
انتشار محدود
تصنف الأفلام المتوجة في الغالب ضمن سينما المؤلف أو السينما المستقلة، وتقدم بعيدا تماما عن الصخب التجاري، وفيها قدر مهم من الإبداع الخالص البعيد عن التقنيات التكنولوجية والمؤثرات الفنية.
لكن مثل هذه الأفلام، يستطرد زويريق، “لا تستهوي للأسف نسبة كبيرة من الجمهور ومن ثم تهمل من قبل شركات الإنتاج والموزعين، وتعرض في نواد سينمائية خاصة، لا نتوفر على مثلها، والتي تلعب دورا تربويا مهما في جعل المتلقي يتقبل ويتفاعل مع مثل هذه النوعية من الأفلام غير التجارية”.
ويبرز دحاني أن الفيلم المغربي لا يعيش طويلا، مقارنة مع أفلام دولية بعضها ما زال يحظى بالاهتمام وتتسابق قنوات عالمية على شراء حق بثها لتدر أرباحا على منتجيها مما يمكنهم من إنتاج أفلام أخرى.
ويضيف “رغم تتويج السينما المغربية، فإنها تظل في أمس الحاجة إلى تنويع مصادر تمويل الإنتاجات السينمائية وعدم اعتمادها فقط على دعم المركز السينمائي المغربي (مؤسسة رسمية لدعم وتشجيع الإنتاج السينمائي)، مبرزا أن 80% من الأفلام المعدة تبقى في الرف، ليس بسبب عدم جودتها ولكن لمحدودية الدعم”.
صناعة سينمائية
يبرز زويريق أن عبارة “صناعة سينمائية مغربية” لا تستقيم مع الوضع الراهن، “فلم نصل بعد إلى صناعة الأفلام بمفهومها المتعارف عليه، لأن هناك اختلالات وثغرات في المنظومة تمنع أي تطور وتقدم يحدث في هذا المجال”.
ويضيف أن “سياسة الدولة تحد من المنافسة العادلة، والحرية في الإبداع، والسعي نحو الابتكار والتطوير، كما أن اهتمامها بالكم راكم الكثير من الأفلام المنتجة بأموال المواطنين لا قيمة فنية لها، ورغم ذلك لا ننكر وجود تجارب فيلمية مهمة لكنها تبقى شخصية وقليلة”.
ويؤكد الجواهري على وجود أفلام مغربية عالية الجودة، رغم عدم وجود صناعة سينمائية حقيقية، مشددا على ضرورة إشاعة ثقافة سينمائية بين الأجيال الصاعدة، في حين يرى الطالب “أهمية الإرادة السياسية واستغلال التراكمات لخلق صناعة سينمائية قائمة بذاتها كما هو الشأن في مصر وغيرها، فالمغرب يتوفر على الموارد المادية والبشرية والطبيعية لتحقيق ذلك”.
وتبرز أسماء المدير أن الورشات التدريبية التي أحدثها مهرجان الفيلم الدولي لمراكش مثلا، (ومهرجانات أخرى) باستضافتها لأسماء عالمية، والتي استفادت منها شخصيا، ساهمت ربما في إحداث طفرة في السينما المغربية، مشيرة إلى أن كل صناعة سينمائية يجب أن تكون لها هوية وتبدأ محليا من الصفر.