يقود صندوق الاستثمارات العامة أجندة التنويع السعودية بتحركات جريئة في عام 2024
الرياض: يواصل صندوق الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية لعب دور رئيسي في التحول الاقتصادي للمملكة، حيث يقود الجهود المبذولة لتنويع مصادر الإيرادات وتقليل الاعتماد على النفط.
ومع وصول الأصول الخاضعة للإدارة إلى 925 مليار دولار، يُصنف صندوق الاستثمارات العامة من بين صناديق الثروة السيادية الأكثر نفوذاً في العالم، مما يدفع الاستثمارات في التكنولوجيا والبنية التحتية والاستدامة والثقافة طوال عام 2024.
ويساهم القطاع غير النفطي الآن بنسبة 52 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية، مما يعكس نجاح رؤية 2030، وهي خطة المملكة الطموحة لإنشاء اقتصاد مستدام ومتنوع. وفي إطار هذا التقدم، قام صندوق الاستثمارات العامة بتوسيع نطاق انتشاره محليًا ودوليًا، من خلال مبادرات تاريخية مصممة لإعادة تشكيل الصناعات وتعزيز القدرة التنافسية العالمية للمملكة.
المشاريع التقنية لصندوق الاستثمارات العامة
وفي فبراير، أطلق الصندوق شركة “آلات”، وهي شركة مكرسة لجعل المملكة العربية السعودية مركزًا عالميًا لتصنيع التكنولوجيا المستدامة. وقد أكدت شراكة آلات مع مجموعة لينوفو في شهر مايو على هذه الرؤية، حيث التزم الكيانان بمبلغ 2 مليار دولار من خلال سندات قابلة للتحويل بدون قسيمة.
وسيؤدي هذا التعاون إلى إنشاء مقر إقليمي في الرياض لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، إلى جانب مركز تصنيع جديد لدعم عمليات لينوفو العالمية. بحلول شهر يونيو، كانت شركة Alat قد وسعت نطاق تركيزها من خلال وحدتي أعمال جديدتين في البنية التحتية للكهرباء والذكاء الاصطناعي، بهدف تلبية الطلب المتزايد على تقنيات الطاقة المتجددة والحلول القائمة على الذكاء الاصطناعي.
وتهدف مبادرة الكهربة إلى تعزيز تكنولوجيا الشبكات، ومعالجة احتياجات الطاقة المتزايدة المدفوعة بمصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين. وفي الوقت نفسه، من المقرر أن يضع قطاع البنية التحتية للذكاء الاصطناعي المملكة العربية السعودية كقوة تصنيعية، تستفيد من القدرات المتقدمة لتلبية احتياجات الصناعات العالمية.
قفزة صناعة الفضاء
حدث إنجاز رئيسي آخر في شهر مايو عندما أطلق صندوق الاستثمارات العامة مجموعة Neo Space Group، وهي شركة مصممة لتعزيز حضور المملكة العربية السعودية في صناعة الأقمار الصناعية والفضاء التجارية.
أعلنت مجموعة Neo Space عن تركيزها على الاتصالات عبر الأقمار الصناعية ومراقبة الأرض والاستشعار عن بعد وتقنيات الملاحة، إلى جانب صندوق رأس المال الاستثماري الذي يستهدف الشركات الناشئة التي تركز على الفضاء.
“ستساهم مجموعة NSG في تطوير ونشر أحدث التقنيات المتطورة في صناعة الفضاء من خلال قطاعات الأعمال الأربعة المخصصة لها: الاتصالات عبر الأقمار الصناعية، ومراقبة الأرض والاستشعار عن بعد، والملاحة عبر الأقمار الصناعية وإنترنت الأشياء، بالإضافة إلى الأقمار الصناعية والفضاء. قال صندوق الاستثمارات العامة: “صندوق رأس المال الاستثماري يركز على الاستثمار”.
في ديسمبر/كانون الأول، تصدرت مجموعة Neo Space عناوين الأخبار بعد استحواذها على UP42، وهي منصة جغرافية مكانية طورتها شركة إيرباص. ومن المتوقع أن يؤدي هذا الاستحواذ إلى تعزيز القدرات الجغرافية المكانية للمملكة العربية السعودية بشكل كبير، وتمكين التطبيقات في مجالات الزراعة ومراقبة البنية التحتية والمزيد، بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.
مشاريع التراث الثقافي
ولم تقتصر أنشطة صندوق الاستثمارات العامة في عام 2024 على التقنيات المتطورة. وفي سبتمبر، أطلقت الشركة الوطنية للترفيه التفاعلي، المعروفة باسم QSAS، والتي تركز على خلق تجارب رواية قصص غامرة متجذرة في التراث السعودي والثقافة الإسلامية.
وتعكس هذه المبادرة الجهود الأوسع التي تبذلها المملكة العربية السعودية لتحقيق التوازن بين الحفاظ على الثقافة وتطوير الأعمال. وتخطط كيوساس لتطوير وتشغيل المعارض التفاعلية في جميع أنحاء المملكة مع تعزيز الشراكات في مجال البناء وإدارة الأحداث والتكنولوجيا.
التوسع في الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات
كما حقق الصندوق دفعة كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي هذا العام. وفي أكتوبر، وقعت شراكة تاريخية مع Google Cloud لإنشاء مركز متقدم للذكاء الاصطناعي بالقرب من الدمام. ومن المتوقع أن تخلق الاتفاقية، التي تم توقيعها خلال مبادرة مستقبل الاستثمار، آلاف فرص العمل وتولد تأثيراً اقتصادياً بقيمة 71 مليار دولار على مدى السنوات الثماني المقبلة.
وإلى جانب الفوائد الاقتصادية، سيقدم المركز تدريبًا على الذكاء الاصطناعي لملايين الطلاب والمهنيين، مما يساهم في تحقيق الأهداف الوطنية المتمثلة في توسيع قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بنسبة 50 بالمائة.
استثمارات البنية التحتية
كما تم التركيز على البنية التحتية للإسكان، مع إطلاق شركة الإقامة الذكية للمجمعات السكنية (SAARC) في أكتوبر. تهدف هذه الشركة إلى تلبية الطلب المتزايد على مساكن القوى العاملة المرتبطة بمشاريع البنية التحتية واسعة النطاق في المملكة العربية السعودية. وتخطط رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي لتطوير مجمعات سكنية تلتزم بالمعايير الدولية، وخلق مساحات معيشة حديثة تدعم التوسع الحضري السريع في البلاد.
وقام صندوق الاستثمارات العامة بتوسيع بصمته الاستثمارية العالمية من خلال مذكرة تفاهم موقعة مع شركة Brookfield Asset Management في أكتوبر. وتضع الصفقة صندوق الاستثمارات العامة كمستثمر استراتيجي رئيسي في Brookfield Middle East Partners، وهو صندوق بقيمة 2 مليار دولار يستهدف قطاعات رئيسية مثل الصناعات والرعاية الصحية والتكنولوجيا. وتؤكد هذه الشراكة استراتيجية صندوق الاستثمارات العامة الرامية إلى الاستفادة من الفرص الدولية لتعزيز القاعدة الاقتصادية للمملكة العربية السعودية.
نمو السياحة والضيافة
وفي قطاع الضيافة، قدم صندوق الاستثمارات العامة شركة أديرة في ديسمبر/كانون الأول، وهي شركة جديدة مكلفة بتشغيل وإدارة الفنادق التي تجمع بين المعايير العالمية والضيافة السعودية الأصيلة. ومن المتوقع أن تعمل أديرة بشكل وثيق مع المطورين المحليين، لتعزيز مشاركة القطاع الخاص ودعم نمو العلامات التجارية المحلية حيث تضع المملكة العربية السعودية نفسها كوجهة سياحية عالمية رائدة.
احتلت الاستدامة والابتكار مركز الصدارة مع إطلاق شركة “ميلاف كولا” في شهر ديسمبر من قبل شركة ثراث المدينة التابعة لصندوق الاستثمارات العامة. على عكس المشروبات الغازية التقليدية، يتم تصنيع ميلاف كولا من التمور السعودية، مما يزيل السكريات المضافة ويركز على المكونات الطبيعية الغنية بالمغذيات. ويمثل المشروب، الذي تم تقديمه خلال مهرجان الرياض للتمور، تركيز صندوق الاستثمارات العامة على إنشاء منتجات ذات قيمة مضافة من الموارد المحلية مع الالتزام بمعايير سلامة الأغذية العالمية.
الاستحواذات الاستراتيجية
وعلى مدار العام، اتبع صندوق الاستثمارات العامة استراتيجية استحواذ قوية، حيث عزز محفظته بصفقات رفيعة المستوى.
وفي شهر يناير، قام الصندوق بزيادة حصته في شركة الشرق الأوسط لصناعة الورق إلى 23.08%، مما مكن الشركة من توسيع الإنتاج وتعزيز الكفاءة التشغيلية.
وشهد شهر فبراير/شباط استحواذ صندوق الاستثمارات العامة على حصة قدرها 40% في شركة الزامل البحرية، وهي لاعب رئيسي في قطاع الطاقة في المملكة.
وشكل شهر أكتوبر علامة فارقة أخرى، حيث اشترى صندوق الاستثمارات العامة حصة قدرها 40% في مجموعة سنترال جروب، وهي مجموعة تايلاندية مهتمة بتجارة التجزئة والعقارات والضيافة.
وعلى مدار العام، أعلن صندوق الاستثمارات العامة عن خطط في نوفمبر للاستحواذ على حصة 54% في مجموعة MBC مقابل 1.99 مليار دولار، مما عزز نفوذه في صناعة الترفيه.
تعكس استثمارات صندوق الاستثمارات العامة في عام 2024 نهجه متعدد الجوانب لتحويل اقتصاد المملكة العربية السعودية. وقد لعب الصندوق دورًا محوريًا في تعزيز أهداف رؤية 2030، بدءًا من التكنولوجيا واستكشاف الفضاء وحتى الحفاظ على الثقافة والضيافة. ومن خلال التركيز على الاستدامة والابتكار والشراكات العالمية، يضع صندوق الاستثمارات العامة الأساس لاقتصاد متنوع ومرن قادر على المنافسة على المسرح العالمي.
وبينما تستعد المملكة للمرحلة التالية من تحولها، فإن مبادرات صندوق الاستثمارات العامة في عام 2024 هي بمثابة شهادة على التزامها بإعادة تعريف المشهد الاقتصادي في المملكة العربية السعودية.