شاي الصحراء الجزائرية في خطر بسبب الملوثات.. والعلماء ينصحون “بالاعتدال” | علوم
يحظى مشروب الشاي بشعبية كبيرة في الصحراء الجزائرية حيث تستهلكه كل الفئات العمرية تقريبا، ومع ذلك لم يحظ بالقدر الكافي من الدراسة، للبحث في حقيقة الاعتقاد السائد بين الناس أنه “مشروب صحي”، وهي المشكلة التي سعى فريق بحثي من جامعة “قاصدي مرباح” بورقلة الجزائرية إلى علاجها في دراسة نشرتها دورية “فوود أدتيفز آند كونتاميننتس”.
واهتمت الدراسة بفحص منتجات الشاي في منطقة ورقلة الصحراوية بالجزائر، للتحقق من وجود أي عناصر سامة وتقييم المخاطر الصحية المترتبة على استهلاك الشاي بانتظام، وخاصة عند الرضّع والبالغين.
وجاءت هذه الدراسة مكملة لأخرى أجريت في المنطقة نفسها لتقييم نسبة “الفلورايد” في الشاي لدى المتاجر المتخصصة في بيعه.
والفلورايد أيون كيميائي يشيع وجوده في التربة والمياه والمعادن المختلفة، وعندما يحصل عليه الإنسان بكميات صغيرة يكون مفيدا، وخاصة لصحة الأسنان، ولكن يمكن أن يؤدي التعرض المفرط خاصة أثناء الطفولة المبكرة إلى تسمم الأسنان بالفلورايد، وهي حالة تسبب تغير لون الأسنان، وفي التركيزات الأعلى يمكن أن يسبب مشاكل صحية مثل تليف العظام بالفلور، إذ تصبح العظام هشة أو صلبة.
ويقول الدكتور محمد أمين كردون، أستاذ السموم بكلية العلوم الطبية بجامعة قاصدي مرباح، والباحث المشارك بالدراستين في تصريحات لـ “الجزيرة نت”، “كانت النتيجة التي خلصنا إليها من الدراستين هي أهمية الاعتدال في تناول الشاي، حتى يظل الخطر الكامن داخله في حدود النسب الموصى بها عالميا”.
واكتشف الباحثون في الدراستين وجودا للفلورايد والعناصر النزرة السامة من الرصاص والكادميوم والزرنيخ والزئبق والألمنيوم، وشددوا على أن التأثير الضار لهذه العناصر يرتبط بالاستهلاك المفرط لمشروب الشاي.
4 أكواب لا أكثر
وجمع الباحثون في الدراسة الأولى 36 عينة شاي من المتاجر المحلية وقاموا بتحليل محتوى الفلورايد باستخدام طريقة تسمى تقنية أليزارين الطيفية (تقنية تستخدم صبغة الأليزارين في تطبيقات تحليلية وخاصة في مجال التحليل الطيفي)، كما قاموا بحساب حاصل خطر الفلورايد الذي يقيس المخاطر الصحية المحتملة، وكذلك المدخول اليومي المقدر من الفلورايد بناء على استهلاكه.
ووجد الباحثون أن استهلاك كوب إلى 4 أكواب يوميا يسبب متوسط حاصل خطر 0.35 إلى 0.45، وهو أقل من مستوى المخاطر الذي حددته وكالة حماية البيئة الأميركية، وهذا يشير إلى أن الاستهلاك النموذجي لا يشكل خطرا صحيا كبيرا، وفقا لمعايير وكالة حماية البيئة.
ومع ذلك، لا يزال الشاي مصدرا كبيرا للفلورايد في ورقلة، ووجد الباحثون أن متوسط مستوياته في 75% من العينات كان حوالي 2.49 ملغ/لتر، وهو ما يتجاوز الحد الذي توصي به منظمة الصحة العالمية وهو 1.5 ملغ/لتر لمياه الشرب.
ويمكن أن يصل تناول الفلورايد إلى مستويات تبلغ 104.5% من الجرعة اليومية الإرشادية، لمن يشربونه بكثرة (أكثر من 4 أكواب في اليوم). ووجدت الدراسة أيضا أن وقت التخمير يؤثر كثيرا على إطلاق الفلورايد، إذ تزيد أوقات التخمير الأطول (10-30 دقيقة) من مستوياته، ويحتوي الشاي الأسود على ضعف كمية الفلورايد الموجودة في النوع الأخضر بعد 10 دقائق من التخمير.
ويقول كردون “أي إننا وجدنا باختصار أنه في حين لا يبدو أن استهلاك الشاي النموذجي في ورقلة يشكل مخاطر صحية فورية، فقد يواجه شاربوه بكثرة تعرضا مرتفعا للفلورايد، خاصة إذا كانوا يفضلون النوع الأسود أو يخمرونه مدة أطول”.
منهج مختلف للدراسة الثانية
وبينما قام الباحثون في الدراسة الأولى بجمع عينات الشاي التي تم تحضيرها للشرب من بعض المراكز التجارية، قاموا في الدراسة الثانية بجمع 78 عينة شاي خام من متاجر البقالة المحلية، تمثل ماركات مختلفة من الشاي الأخضر (20 ماركة) والشاي الأسود (6 ماركات)، استوردت من الصين وفيتنام، وخُزّنت إما في أكياس شاي أو أكياس بلاستيكية.
وكان وزن كل عينة 20 غراما، ثم قام الباحثون بتحضيرها بغليها في 500 مل من الماء المقطر، وتم ترشيح الماء وتبخيره وهضم بقايا الشاي باستخدام حمض النيتريك وهيدروكسيد البوتاسيوم لتفكيك مركبات الشاي واستخراج أي عناصر نزرة.
وتتضمن عملية الهضم استخدام نظام ميكروويف، وتسخين العينات إلى درجات حرارة عالية في 3 مراحل لضمان التحلل الكامل لمادة الشاي.
بعد الهضم، تم اختبار عينات الشاي بحثًا عن عناصر سامة مثل الرصاص والكادميوم والزرنيخ والزئبق والألمنيوم والعديد من العناصر الأخرى باستخدام جهاز يسمى مطياف الكتلة البلازمية المقترنة بالبحث، وهو جهاز حساس للغاية يمكنه اكتشاف حتى كميات ضئيلة من هذه العناصر الضارة.
توصية خاصة بالرضع
وأظهرت النتائج أن عينات الشاي ملوثة بالعديد من العناصر السامة، كالرصاص والألمنيوم والكادميوم والزرنيخ والزئبق وغيرها.
وجد الباحثون أيضا أن الشاي الأسود هو الأكثر تلوثا بالمعادن الثقيلة، وكانت عينات الشاي في أكياس الشاي أكثر تلوثا من تلك الموجودة في الأكياس البلاستيكية، وخاصة بالزرنيخ والألمنيوم والمنغنيز.
وقيّموا المخاطر الصحية الناجمة عن تناول هذا الشاي بانتظام، ثم حسبوا مؤشر الخطر، وهو مقياس للمخاطر المحتملة، فوجدوا أن المؤشر لدى البالغين كان 0.28، وذلك يشير إلى انخفاض المخاطر، ولكن عند الرضع كان 1.33، وهذا يعني ضرورة أخذ استهلاك الشاي المنتظم لدى الرضع بالاعتبار كمصدر محتمل للمخاطر الصحية، وأنه يجب تقليل استهلاكه بينهم لتجنب المخاطر الصحية المرتبطة بالملوثات المعدنية.
ويتوافق ذلك مع نتائج دراسات مماثلة أجريت في مقاطعتي يونان وفوجيان بالصين، حيث كان مؤشر الخطر المرتبط باستهلاك الشاي أيضا أقل من 1 لدى البالغين.
الاعتدال ثم الاعتدال
ورغم أن مؤشر خطر العناصر النزرة يبدو مطمئنا لدى البالغين، فإن كردون يشير إلى التوصية نفسها التي خرجت بها دراسة الفلورايد، وهي الاعتدال.
ويقول إن “مؤشر الخطر المعتدل يستند إلى استهلاك منتظم، لكنه في الوقت ذاته ليس مفرطا، فأكثر من 4 أكواب يوميا يمكن أن يسبب خطرا على الصحة”.
وتسبب كل العناصر التي تم تتبّعها تأثيرات سلبية على الصحة إذا تجاوزت النسب المسموح بها، لكن أخطرها هو الرصاص الذي يمكن أن يسبب سرطانات وتأخرا ذهنيا لدى الأطفال.
ويضيف “هناك قاعدة تقول إن (كل شي سام .. وكل شيء غير سام)، وهذا يعني أنه مع الإفراط يمكن أن تصبح حتى العناصر المسموح بها سامة”.