يوميات حياة مرعبة ترافق كل اقتحام لمخيم نور شمس | سياسة
مراسلو الجزيرة نت
نابلس- أفقدت الاقتحامات المتتالية المواطنين بمخيم نور شمس أبسط خصوصياتهم في كثير من تفاصيل حياتهم اليومية في المخيم قرب مدينة طولكرم شمالي الضفة الغربية، وخاصة منذ انطلاق عملية “المخيمات الصيفية” الأخيرة التي وصفت بالأعنف بين أكثر من 40 اقتحاما نفذتها إسرائيل ضد المخيم منذ الحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إذ يرافق المواطن فراس خليفة (48 عاما) وحوالي 14 ألف نسمة يعيشون في مخيم نور شمس شعور الخوف والقلق مع كل اقتحام لجيش الاحتلال.
جمع صور المعاناة
هذا الشعور “لا يمكن وصفه إلا لمن جرَّبه” كما يقول خليفة للجزيرة نت. ويضيف “أعيش وعائلتي ووالدي المسنّان توترا مستمرا، ونفقد الاستقرار والأمان ونظل نرقب دورنا في اقتحام الجنود، أما التحرك من منزل إلى آخر فهو حكم مسبق بالإعدام برصاص القناصة”.
والنوم يزيد مأساة خليفة وعائلته، فهم لا يعرفون له طعما؛ فقد انقلب ليلهم نهارا، وصاروا يتناوبون بينهم خشية أي اقتحام مفاجئ كسابقه، يتعرضون فيه لتنكيل الجنود بهم وتحطيم أثاث المنزل وحرقه أيضا.
يقول خليفة “جمع الجنود صور أشقائه الأسرى والشهداء (فرسان وفارس خليفة) المعلقة على جدران المنزل وأحرقوها داخل إحدى الغرف وكادوا يتسببون بمجزرة”.
وإن صبر خليفة على تنكيل الاحتلال وعدوانه فلا يصبر وعائلته المكونة من 8 أفراد فضلا عن والديه على الجوع، لا سيما أنه مثل كثيرين من المخيم تعطل عن العمل منذ بداية الحرب وبالكاد يجد ما يسدّ به رمقه.
وإن استطاع تموين بيته ببعض الطعام، فيقتصر الأمر على المواد الأساسية والأكثر ضرورة كالبقوليات والدقيق وبكميات قليلة. ووصف خليفة كيف تجمعت النسوة في أحد منازل الجيران في الاجتياح الأخير قبل أيام، وأحضرن ما لديهن من دقيق وقمن بعجنه وخبزه وتوزيعه، في ظل عرقلة الاحتلال دخول المساعدات.
وقلما يخرج خليفة لزيارة الأهل والأصدقاء في المخيم، وإن حدث فتكون الزيارة للاطمئنان عليهم وبشكل خاطف وسريع وبعد انسحاب الجيش مباشرة خوفا من إعادة الاقتحام.
وإلى خارج المخيم لم يغادر خليفة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، سواء للبحث عن عمل في مدينة رام الله كما كان قبل الحرب أو حتى للعلاج، فهو شقيق لشهيدين أحدهما يدعى فرسان استشهد في منفاه بغزة والآخر وهو فارس اتهمه الاحتلال بتنفيذ عملية عند حاجز عناب شرقي طولكرم. ويقول إنه أجرى قبل الحرب عملية جراحية لكتفه وكان عليه مراجعة الطبيب في رام الله ولم يفعل.
وكان من شبه المستحيل توفير العلاج والأدوية ونقل المرضى وتقديم الإسعاف لهم، وذلك قد أفقد البعض حياته، وألجأ المواطنين إلى استعارة الأدوية التي يحتاجونها من بعضهم.
وتشكل تفاصيل المعاناة اليومية قاسما مشتركا يعيشه كل أهالي المخيم، فالخدمات الأساسية كالكهرباء تنقطع باستمرار، بينما تفيض مياه الصرف الصحي بين الطرقات المدمرة التي بالكاد يستطيع المواطنون التنقل فيها سيرا على الأقدام.
الهرب من “الكاراكون”
وفي مشهد آخر تعدّت فيه معاناة الشاب عامر سليم وأشقائه اقتحام منزلهم وتحطيم أثاثه أو حتى انقطاع الماء والكهرباء والإنترنت الذي يعرفون عبره آخر أخبارهم، وصاروا تجنبا لصلف الجنود وتنكيلهم بهم يغادرون منزلهم ويتركون والديهم خلفهم.
وبمجرد سماعه أي خبر عن اقتحام جيش الاحتلال للمخيم يغادر عامر وأشقاؤه السبعة المخيم، فلم يعد بهم جلَد على تحمل قمع الاحتلال الذي بات يتسلط عليهم وعشرات الشبان مع كل اقتحام للمخيم، ويحتجزهم في ساحة مصنع للبلاط قرب المخيم اصطلحوا على تسميتها “بالكاراكون” من هول ما يواجهونه فيها من تنكيل.
يقول عامر “بداية كنت أرفض الخروج من المنزل، ولم أسمع نصيحة أشقائي، فاعتقلني الجنود واقتادوني مقيدا ومعصوب العينين واحتجزوني بهذا الحال 25 ساعة متواصلة في الكاراكون”.
وداخل مخزن للمعدات في منطقة مجاورة لمخيم نور شمس يقضي عامر كل فترة الاجتياح، طالت أم قصرت، ومن هناك يرقب توغل الجيش في المخيم، وعند انسحابه يعود مسرعا ليتفقد عائلته.
شهيد تلو آخر
وما أصاب مأمون أبو الهيجا وعائلته جعله غير آبه لأي معاناة أخرى كنقص الطعام أو الشراب أو انقطاع الخدمات وخاصة الكهرباء والماء وغيرها من ضرورات الحياة.
ومنذ بدء الحرب على غزة فقد أبو الهيجا نجله الأكبر عدي (14عاما) شهيدا بقصف إسرائيلي على مجموعة من الأطفال يلهون بالحجارة، إذ استشهد 14 فلسطينيا مرة واحدة وأفجع رحيلهم ذويهم وكل المخيم، وواصل الاحتلال عدوانه فقتل عمه عايد (62 عاما) بعد قنصه داخل المنزل في الاجتياح الأخير قبل أيام.
وبحرقة يروي أبو الهيجا ظروف استشهاد عمه عايد، فيقول للجزيرة نت “قنصه جندي برصاصة اخترقت رأسه وظل مضرّجا بدمائه أكثر من ساعتين. ويضيف “تسلقت ابنتي عبر نافذة المنزل لتطمئن عليه وتبعث إليه بالطعام، فهو يسكن بالطابق الأرض والمنزل محاط بالجيش والقناصة، فوجدته قد استشهد”.
وفي حي المنشية حيث يقطن أبو الهيجا حوَّل الجنود منزل عائلته إلى ثكنة عسكرية وممر إلى المنازل المجاورة، بعد أن فجروا جدرانه وهدموها، في سياسية جديدة قديمة تسميها إسرائيل “من بيت لبيت” لتأمين تنقل الجنود، وأدت إلى تدمير أكثر من 70% من منازل المواطنين في الحي تدميرا كاملا أو جزئيا، حسب نهاد الشاويش من لجنة خدمات المخيم.