زارها بابا الفاتيكان.. تعرف على خريطة انتشار المسيحية بإندونيسيا | سياسة
جاكرتا– غادر البابا فرنسيس بابا الفاتيكان أمس الجمعة جاكرتا التي كانت أول محطة له في جولة تشمل 4 دول بمنطقة جنوب شرق آسيا وتشمل بابوا غينيا الجديدة، وتيمور الشرقية، وسنغافورة، وصفت بأنها أطول رحلات البابا الحالي الخارجية.
وإلى جانب لقاء الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو الذي دعاه، فقد أقيم قداس بحضور البابا فرنسيس أمام عشرات الآلاف من أتباع الكنيسة الكاثوليكية في إندونيسيا في أحد أكبر ملاعب البلاد، وزار البابا مسجد الاستقلال والنفق الذي شيد ليربط بين المسجد والكنيسة الكاتدرائية.
لاقت زيارة البابا اهتماما رسميا وإعلاميا في إندونيسيا، وفي استطلاع أجرته صحيفة كومباس الإندونيسية، قال 40% من المستجوبين بأنهم يرون في زيارة بابا الفاتيكان إلهاما وتشجيعا على الوحدة والتعايش الديني في إندونيسيا، في حين قال 39.4% بأنها تمثل تقديم إندونيسيا كمقياس للتعايش السلمي والوئام الديني.
وفي سؤال آخر، قال 29.7% إن الزيارة رمزية للحوار الديني في إندونيسيا، بينما قال 27.6% إنها تقدير للإندونيسيين على الأخوة والتعايش بين أتباع مختلف الديانات.
أقلية وسط أكثرية
ولا شك في أن زيارة بابا الفاتيكان لبلد يعد الأكبر بين البلدان المسلمة من حيث السكان، والأكبر في جنوب شرق آسيا، لها معانٍ كثيرة، يراها الساسة ورجال الدين وعامة المسيحيين، بمستويات مختلفة.
يذكر أن الزيارات البابوية السابقة لإندونيسيا كانت عام 1970 و1989، أي إن هذه الزيارة هي الثالثة لبابا الفاتيكان والأولى منذ 35 عاما.
وتشكل المسيحية بمذاهبها المختلفة الدين الثاني في إندونيسيا (10.47% من السكان) بعد الإسلام، فحسب الأرقام الرسمية، يشكل الكاثوليك نسبة ما بين 3.06% و3.1% أي نحو 8.3-8.6 مليون نسمة، في حين يمثل البروتستانت ضعف تلك النسبة بين 6.9% و7.4% أي نحو 20.9 مليون نسمة، وبالمجموع يقترب عددهم من 30 مليون مسيحي إندونيسي، وتتوزع بقية الأقليات على الهندوس والبوذيين والكونفوشوسيين ومعتقدات قديمة أو محلية أخرى.
تنتشر المسيحية في بعض المناطق في الأرخبيل الإندونيسي لأسباب تاريخية تعود إلى قرن أو أكثر. فمثلا، تنتشر المسيحية بين قومية الباتاك الذين يقدر عددهم بنحو 8.4 ملايين نسمة، حيث يشكل المسيحيون نحو نصف عددهم، ويقطن معظمهم في أراضي أجدادهم شمالي جزيرة سومطرة.
وإلى الجنوب الشرقي من الأرخبيل الإندونيسي يسكن نحو 5.5 ملايين نسمة في جزر إقليم نوساتنغارا الشرقية، وهم من قبائل وقوميات شتى، تصل نسبة المسيحيين بينهم إلى 90.56%، واللافت أن 53.74% منهم من الكاثوليك، و36.82% من البروتستانت.
وتعد نسبة المسيحيين في هذا الإقليم بجزره الكثيرة النسبة الأعلى مقارنة بأي إقليم إندونيسي آخر، ويعود دخول المسيحية لتلك الجزر، إلى وصول الهولنديين إلى كوبانغ حيث تنصر ملكها عام 1613، ثم تتابع وصول المبشرين المسيحيين حتى نهاية ذلك القرن، وما بعده.
@blinxnews الإمام قبّل رأس البابا الذي قبّل يده بدوره.. شاهد لحظات ودية جميلة من زيارة البابا فرنسيس إلى إندونيسيا #البابا #فرنسيس #إندونيسيا ♬ original sound – blinxnews
تيمور وجزر الملوك
وكانت تيمور الشرقية التي انفصلت عن إندونيسيا منذ ربع قرن، منذ الاستفتاء الذي مهد لانفصالها ثم استقلالها بشكل كامل بإشراف دولي، تعد جزءا من الامتداد الجغرافي والإثني لجزر نوسانتنغارا الشرقية، حيث كانت إقليما مستقلا مجاورا لإقليم نوساتنغارا الشرقية، وبعد أن خضعت للحكم البرتغالي الذي امتد بين عامي 1702 و1974، خضعت للحكم الإندونيسي لها حتى استفتاء الانفصال لعام 1999.
واليوم 97.57% من سكان تيمور الشرقية كاثوليك، و1.96% منهم بروتستانت، من مجموع السكان البالغ 1.3 مليون نسمة. وتعد زيارة بابا الفاتيكان لها هذا الأسبوع الأولى منذ الانفصال، حيث كان سلفه قد زارها عام 1989 عندما كانت جزءا من إندونيسيا.
وفي جزر الملوك نقطة انتشار أخرى للمسيحيين، فمن بين 1.8 مليون نسمة، تبلغ نسبة المسلمين منهم 61.84%، مقابل 33.41% من البروتستانت، و4.23% من الكاثوليك. وارتبط وصول الكاثوليكية إلى تلك الجزر بوصول السفن البرتغالية بعد عام 1512 بحثا عن التوابل وخيرات تلك الجزر الغابية.
ويقول مؤرخون إن الحملات البرتغالية البحرية التي اتجهت شرقا نحو ملاكا أو سلطنة ملقا، وهي اليوم جزء من ماليزيا، ثم اتجهت نحو جزر الملوك كانت تسعى للسيطرة الاقتصادية على التجارة بين جنوب شرق آسيا وأوروبا التي ظل العرب والمسلمون عموما هم أسيادها، إلى جانب إضعاف السلطنات المسلمة في تلك الجزر، ونشر المسيحية.
حالات لافتة
والأمر ذاته حصل في مناطق أخرى في إندونيسيا تنتشر فيها المسيحية، مثل سولاويسي الشمالية وعاصمتها مانادو وهي أقرب جغرافيا من الجزر الجنوبية للفليبين اليوم. يقدر سكان الإقليم بنحو 2.6 مليون تصل نسبة المسيحيين بينهم إلى 67.33%، مقابل 31.87% من المسلمين، وقد وصلتهم سفن البرتغاليين عام 1521 في زمن مملكة مانادو، ثم سفن الإسبان ليتبعهم الهولنديون.
من الناحية الإثنية، تشكل قومية المينهاسا 45% من سكان إقليم سولاويسي الشمالية، والتي تصل نسبة المسيحيين البروتستانت فيها إلى 74%، و6% منهم من الكاثوليك، و15% من المسلمين، ومنذ ثلاثينيات القرن الماضي ساعد الهولنديون على بناء الكنائس في مناطقهم، قبل استقلال البلاد.
وحالة أخرى لافتة في الجغرافية الدينية في إندونيسيا، هي حالة محافظة تانه توراجا الشهيرة، في مرتفعات وسط جزيرة سولاويسي. سكان المحافظة هذه يقدرون بنحو 258 ألف نسمة فقط، والأغلبية منهم من قومية توراجا، 86.25% منهم من المسيحيين (70.66% بروتستانت، و15.59% كاثوليك)، مقابل 12.09% من المسلمين.
ويعود هذا التوزيع إلى أحداث تاريخية كثيرة مرتبطة بانتشار الإسلام في جنوب الجزيرة وحروب وقعت، ثم وصول الهولنديين ونشرهم للديانة المسيحية بصورة تتواءم مع المعتقدات القديمة للسكان من قومية التوراجا. وفي المحافظة اليوم 992 كنيسة، و168 مسجدا ومصلى للمسلمين، حيث التعايش بينهم يعد من قصص الوئام الديني، ويبرز ذلك في المراسم التقليدية المتوارثة لدفن موتاهم حيث يكون الجميع حاضرا على اختلاف دياناتهم.
وكما انتشر الإسلام بين قومية الداياك، ويقدر عددهم بنحو 2.3 مليون نسمة وتنقسم إلى إثنيات مختلفة، انتشرت المسيحية بينهم أيضا منذ وصول الأوروبيين بين القرن الـ14 والـ17 الميلاديين، لكن النشاط التبشيري في جزيرة بورنيو أو كاليمنتان كما تسمى في إندونيسيا لم يكن ملحوظا أو قويا إلا بعد سيطرة هولندا على معظم منافذ وسواحل جزيرة بورنيو عام 1787.
وتنتشر المسيحية أيضا بين السكان من ذوي الأصول الصينية، الذين هاجروا إلى هذه البلاد على امتداد قرون مضت، وهم من قوميات صينية متعددة مثل الهوكيان والهاكا وتيوتشوي والكانتونيين، وتقدر بعض الأرقام نسبتهم بنحو 4-5% من السكان.
وفي بحث لجامعة أوهايو إشارة إلى أن عدد السكان ذوي الأصول الصينية يصل إلى 7.3 ملايين نسمة، في حين قدره باحثون آخرون بنحو 8 ملايين نسمة، 49% منهم من البوذيين، و25% بروتستانت، و18% كاثوليك، و 5% من المسلمين، و3% من الكونفوشوسيين، وهؤلاء قوة اقتصادية لافتة في إندونيسيا، وهو ما ينعكس على نشاطاتهم الدينية والاجتماعية سواء كانت بين البوذيين أو المسيحيين.
لكن هذا لا يعني أن المسيحية لم تنتشر بين القوميات الأخرى، ولكن بنسب أقل، فخلال فترة الاستعمار الأوروبي تنصر عدد من أبناء قوميات أخرى بما فيها القومية الجاوية، الذين يسكنون جاوا الشرقية والوسطى، حيث يقدر عدد المسيحيين الجاويين بنحو 3% أي 2.5 مليون نسمة، مقابل 92.2 مليون مسلم.
التعايش رغم بعض التوتر
العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في إندونيسيا هي في الغالب علاقة تسامح وتعايش ووئام، لكن تاريخ تلك العلاقة لا يخلو من محطات توتر وصلت حد المواجهة، وفي الغالب لا يكون البعد الديني وحده سببا لأي تدافع أو إشكال في العلاقة، بل تتداخل أبعاد أخرى يبرز فيها البعد الديني، قبل أن تهدأ الأمور وتتبدل الأجيال وتعود الأمور إلى مجاريها.
فمن محطات التوتر التي وقعت، ما حصل في أحداث صراع محافظة بوسو، 3 مرات بين عامي 1999 و2000، بوسط جزيرة سولاويسي، لكن محافظة بوسو اليوم تهنأ بهدوء ملحوظ، ويقطنها 257 ألف نسمة، 60.80% منهم من المسيحيين، و33.60% منهم من المسلمين، والبقية من الهندوس والبوذيين وغيرهم.
وكذلك أحداث أمبون في جزر الملوك التي اندلعت في 19 يناير/كانون الثاني 1999، حيث تحول خلاف بسيط بين مواطنين إلى حدث دامٍ قبل أن تشهد أمبون تدخلات لإنهاء ذلك التوتر.
ووقع أيضا صراع في توليكارا في يوليو/تموز 2015 بين المسلمين والمسيحيين فيها، ثم انتهى سريعا بتدخل الحكومة المركزية وتحقيق وفاق وطني بين أتباع الديانتين.
تزايد عدد دور العبادة
وفي شأن بناء دور العبادة، تظهر شكاوى من حين لآخر من ناشطين مسيحيين وتنتشر في الإعلام المحلي والأجنبي بشأن صعوبة تشييد كنيسة أو استصدار رخصة لها، وهي حالات توصف بأنها استثنائية مقارنة بمجموع ما يتم تشييده، ويحصل أيضا أن يشتكي مسلمون يعيشون كأقلية بين أكثرية مسيحية من صعوبة استصدار رخصة بناء مسجد، ولكن تظل أيضا استثناءات ضمن سياقات جغرافية وإدارية معينة.
ويخضع تشييد دور العبادة لإجراء معروف، وقبل 11 عاما صرح مسؤول في القصر الرئاسي الإندونيسي آنذاك بأنه بين عامي 1998 وحتى عام 2013 شهدت كل دور العبادة لمختلف الديانات زيادات ملحوظة بنسبة 153% بالنسبة للكنائس الكاثوليكية، و131% بالنسبة للكنائس البروتستانتية، و368% بالنسبة للمعابد البوذية، و475% بالنسبة للمعابد الهندوسية، و64% فقط زيادة في عدد مساجد المسلمين.
وحسب أرقام وزارة الشؤون الدينية، حتى عام 2022 هناك 74 ألفا و675 كنيسة، منها 60 ألفا و727 كنيسة بروتستانتية، و13 ألفا و948 كنيسة كاثوليكية، وهناك مصادر أخرى قدرتها بـ 76 ألفا و517 كنيسة، حيث تتباين الأرقام، كما تتباين إحصاءات المساجد أيضا، فإحداها قدرتها بـ258 ألفا و958 مسجدا، في حين تشير أرقام أخرى إلى ضعف هذا الرقم شاملة بذلك المصليات الصغيرة.
سياسيا، يشارك المسيحيون الإندونيسيون في العمل السياسي، والوظائف العامة، ومنهم شخصيات بارزة عديدة في الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم والمحافظات، وفي العقود الماضية شهدت الساحة السياسية تأسيس عدد من الأحزاب المسيحية في موجة تأسيس أحزاب دينية عديدة، لكن الأحزاب المسيحية لم تعد تحصل على الحد الأدنى للعتبة الانتخابية خلال العقد الأخير، ومع اتجاه الأحزاب السياسية عموما نحو مزيد من البراغماتية.