صحف فرنسية: اعتقال مدير تليغرام يكشف خبايا رجل يعرف الكثير | سياسة
أعطت وسائل الإعلام الفرنسية اهتماما كبيرا لاعتقال مؤسس منصة تليغرام بافيل دوروف، فتابعت صحيفة لوموند تأثير الحدث داخل فرنسا وعلى العلاقات الدولية، في حين اهتمت صحيفة ليبيراسيون بتفاصيل الاعتقال وكواليسه، أما موقع ميديا بارت، فركز على كيفية نيل هذا الملياردير سرا الجنسية الفرنسية.
وردت الصحف الثلاث أسباب الاعتقال إلى تحقيق يتعلق بوجود محتوى إباحي للأطفال على منصته، وأوضحت أن دوروف (39 عاما) متهم الآن بارتكاب 12 جريمة بينها توزيع المواد الإباحية المتعلقة بالأطفال والاتجار بالمخدرات والاحتيال أو غسيل الأموال من قبل عصابة منظمة.
وهو ما ينفيه محامو دوروف ومؤيدوه ويقولون إنها مجرد اتهامات تخفي أهدافا حقيقية للمتابعة وتتلخص في السماح بفرض رقابة غربية على تطبيق أصوله روسية بقي بعيدا عن هيمنة الغرب.
مواجهة
وقالت لوموند -في تقرير مطول بقلم داميان ليلوب ونيكولاس سيكس وأوريلين ديفر- إن قضية بافيل دوروف تصدرت عناوين الصحف العالمية، وأدت إلى مواجهة بين موسكو وباريس، حيث دافعت القنوات الروسية عن الملياردير الذي أكسبه انتشار تطبيق تليغرام الواسع هناك دعما هائلا، خارج الموالين للكرملين.
وحسب ليبيراسيون، بقيت ردود الفعل في فرنسا أكثر تحفظا، فرأى إريك بوتوريل أنه من “الطبيعي” استجواب بافيل دوروف، ورأت النائبة ساندرين روسو الأمر “أخبارا جيدة لحقوق الإنسان”.
وقد أثارت هذه القضية مناقشات حيوية للغاية حول حدود حرية التعبير ومسؤولية الشبكات الاجتماعية، إذ إنه لم يحدث من قبل أن تم القبض على رئيس منصة رقمية -حسب لوموند- وبالتالي فإن أخبار اعتقال بافيل دوروف التي انتشرت بسرعة على شبكات التواصل الاجتماعي، أثارت سخطا عبر الإنترنت، عبر عنه إدوارد سنودن، ودفع إيلون ماسك، صاحب شبكة إكس للتواصل الاجتماعي إلى مهاجمة حرية التعبير.
وقالت ليبيراسيون إن قضية دوروف التي أشعلت النار في العالم، كانت قصة فرنسية بالدرجة الأولى، لأن الروس استفادوا من خدمات الماكرونية التي أسهمت إلى حد كبير في تعميم تطبيق تليغرام في فرنسا، ولم تتخل أبدا عنه حتى بعد تحذيرات الوكالة الوطنية لأمن نظم المعلومات عام 2017 بسبب الأصول الروسية للتطبيق.
جنسية سرية للغاية
بعد انتخابه، قرر ماكرون المفتون بأساطين التكنولوجيا الجدد، تشجيع تثبيت تطبيق تليغرام بفرنسا -حسب ليبيراسيون- ليحصل دوروف على الجنسية الفرنسية بصورة غير معلنة، وكانت التوجيهات تقضي “بجلب الأفضل إلى باريس”، حسب شخص مطلع على التكنولوجيا الفرنسية.
وعند إلقاء القبض على دوروف، كان على ماكرون أن يؤكد أنه منح الجنسية الفرنسية بالفعل لرئيس تطبيق تليغرام عبر نظام استثنائي، وهو إجراء سياسي يظل استخدامه سرا دائما تقريبا، وقد أبقت السلطة التنفيذية ذلك سرا رغم أن صحيفة لوموند كشفت عنه عام 2023.
وقد حصل رجل الأعمال هذا على جواز سفر من جزيرة الملاذ الضريبي سانت كيتس ونيفيس وروسيا والإمارات العربية المتحدة، وفرنسا، لكنه الآن تحت الإشراف القضائي وقد ألزم بتقديم وديعة قدرها 5 ملايين يورو، والحضور إلى مركز الشرطة مرتين في الأسبوع، ومنع من مغادرة الأراضي الفرنسية.
والواقع أن تجنيس الملياردير نشر في الجريدة الرسمية في أغسطس/آب 2021، وصدر مرسوم لتسجيل اسمه بول دو روف في مايو/أيار 2022، ولكن الحكومة حرصت على عدم “الكشف عن الأمر”، رغم أن الأجانب “العاديين” ينالون التجنس بشكل مشروط، إذ يجب أن يكونوا قد أقاموا في فرنسا لعدة سنوات، ويتحدثون اللغة الفرنسية، ويظهرون حسن الأخلاق أو معرفة جيدة بالتاريخ الفرنسي.
غير أن بافيل دوروف استفاد -حسب ميديا بارت- من نظام استثنائي، وهو الحصول على الجنسية الفخرية بموجب المادة 21-21 من القانون المدني، في حين يقيم هو وشركته في دبي.
وبحسب صحيفة لوموند، التقى بافيل دوروف بإيمانويل ماكرون “عدة مرات” خلال اجتماعات سرية لم تكشف في جدول أعمال الرئيس، وخلال مأدبة غداء عقدت في عام 2018، تمت صياغة هذا الطلب بشكل واضح، وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال، بفرضية إنشاء مقر تليغرام في فرنسا.
كواليس الاتهام
ينتقد الادعاء الفرنسي بافيل دوروف بسبب سلوكه مع سلطات إنفاذ القانون في فرنسا والخارج، إذ رفضت تليغرام بشكل منهجي تقريبا الاستجابة للطلبات القضائية، عندما يطلب القضاة منها معلومات تمكنهم من التعرف على المجرمين أو الوصول إلى تبادلاتهم الخاصة.
وحسب مصدر لليبيراسيون مقرب من التحقيق، زعم دوروف أن عملاء المديرية العامة للأمن الخارجي جاؤوا لرؤيته في دبي، مشيرا إلى أنه ربما لن يكون من المناسب له الكشف عن معلومات سرية.
وقال ديفيد أوليفييه كامينسكي محامي دوروف إنه “من السخافة تماما الاعتقاد بأن مدير شبكة اجتماعية يمكن أن يكون متورطا في أعمال إجرامية لا تعنيه، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر”، إلا إن الطبيعة “المنهجية” لعدم الاستجابة للطلبات تخرج مدير تليغرام من مجرد “الرفض السلبي” إلى “العمل المشترك”، حسب قضاة التحقيق.
وبعد تمديد احتجاز دوروف لدى الشرطة، تتزايد الشائعات على شبكة الإنترنت، حيث يتداول بعض السياسيين الروس وأصحاب النفوذ الأميركيين اليمينيين المتطرفين النظرية القائلة بأن اعتقال دوروف تم بناءً على طلب الولايات المتحدة، التي ترغب في تسلمه لاحقا لإخضاعه للعدالة الأميركية.
ومع أنه لا شيء في الإجراء الفرنسي يسمح بإثبات ذلك -كما تقول لوموند- يتم نشر شائعة أخرى على قنوات تليغرام من أصحاب النفوذ اليميني المتطرف، مفادها أن شركة أبل تستعد “لحذف تليغرام مؤقتا في فرنسا”، مع أنه أيضا لا يوجد ما يشير إلى أن مصير تطبيق المراسلة مهدد.