منسق الحراك الطلابي ببنغلاديش للجزيرة نت: أولويتنا الحفاظ على الوحدة الوطنية وتنظيم انتخابات عادلة | سياسة
داكا– من اللافت أن يصل طلاب من قادة ومنسقي حراك طلابي معارض ضد حكومة ما إلى كرسي الوزارة بعد أسابيع قليلة فقط من مشاركتهم في احتجاجات طلابية وشعبية واسعة، وهو بالضبط ما حدث مع محمد ناهد إسلام، أحد أبرز منسقي الحراك الطلابي الذي أطاح بحكم الشيخة حسينة في بنغلاديش، وفتح الباب أمام تغييرات واسعة في مختلف مستويات الدولة.
ولد محمد ناهد إسلام في العاصمة البنغلاديشية عام 1998 لأسرة من الطبقة المتوسطة، وتخرج في قسم علم الاجتماع بجامعة داكا عام 2022. وخلال فترة الدراسة، شارك مع زملائه في حراكات سابقة ونشط في عدد من الاتحادات الطلابية لكنه لم ينضم لأي حزب سياسي.
وفي 2023 تأسست منظمة طلابية جديدة في جامعة داكا باسم “قوة الطلاب الديمقراطيين”، فصار سكرتيرا للجنة المركزية لهذه المنظمة.
تعرض محمد ناهد إسلام للاعتقال مرات عديدة، وبعد الاحتجاجات وإسقاط حكم الشيخة حسينة ومغادرتها يوم الخامس من أغسطس/آب، طالب منسقو الاحتجاجات بتعجيل تشكيل حكومة مؤقتة يكون رئيسها (أو كبير مستشاريها حسب المصطلح القانوني لمسمى رئيس الحكومة) المصرفي والاقتصادي المعروف محليا ودوليا، محمد يونس، وهو لا ينتمي لأي حزب سياسي.
وفوجئ كثيرون أن بين المستشارين أو الوزراء طالبين، هما محمد ناهد إسلام وزميله آصف محمود شوجيب بوهيان، الذي تسلم حقيبتين هما “الشباب والرياضة” و”العمالة والتوظيف”، وكلتا الوزارتين لهما علاقة مباشرة بسبب خروج الاحتجاجات في الأيام الأولى.
وبعد تسلم محمد ناهد إسلام وزارتي “البريد والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات” و”الإعلام والبث الإذاعي والتلفزيوني” في الحكومة المؤقتة في بنغلاديش، كان للجزيرة نت معه هذا الحوار:
-
كيف تقيم ما حققته الحركة الطلابية حتى الآن؟ وهل تشعر بالرضا عما تم إنجازه؟
الثورة التي توجت حراكنا كانت منطلقة من مطلب واحد: إسقاط حكومة الشيخة حسينة الاستبدادية، وإنهاء النظام الفاشي. في الخامس من أغسطس/آب استقالت الشيخة حسينة وهربت من البلاد مما أدى إلى انهيار حكومتها، وهو إنجاز عظيم لبنغلاديش.
وفي ضوء هذا الأمر، شكلنا حكومة مؤقتة نيابة عن الطلاب الذين قادوا الثورة، وينصب تركيزنا على تفكيك النظام الفاشي وإصلاح هيكل الدولة بهدف بناء نظام جديد وعادل، وأعظم إنجازاتنا أننا -ونحن تحت قيادة هؤلاء الطلبة- نجحنا في إسقاط نظام استبدادي وأسسنا حكومتنا، وهذا ما يعد إنجازا مهما لبنغلاديش.
-
هناك من عبر عن قلقه من أنه لو طالت الفترة الانتقالية فإن ذلك قد يخلق إشكالية سياسية جديدة؟ فالأحزاب المعارضة تتوقع انتخابات مبكرة.. هل أنتم قلقون بهذا الشأن؟
لسنا قلقين بشأن الانتخابات أو الفترة الزمنية لهذه الحكومة، وليس هناك داع لذلك القلق، فهذه الانتفاضة الشعبية قد عززت الشعور بالوحدة الوطنية، التي سترشد كل مبادراتنا وأفعالنا، وقد أوضحنا أن هذه ليست حكومة تصريف أعمال مهمتها فقط تسليم السلطة لحكومة أخرى، إنها حكومة مؤقتة شكلت من خلال انتفاضة شعبية، وهي ملتزمة بالوفاء بوعود ثورة الشعب، وستكون خيانة للشعب لو أننا أجرينا ببساطة الانتخابات دون أن نجري إصلاحا لهيكل الدولة.
نحتاج بعض الوقت لتنفيذ تلك الإصلاحات، وهدفنا تنظيم عملية انتخابية عادلة في بنغلاديش من خلال تلك التغييرات التي ستنجز عبر نقاشات مع الأطراف والقوى السياسية وبناء على الإجماع الوطني.
-
كيف هي علاقاتكم مع المنظمات الطلابية المختلفة ومنها المنظمات الطلابية الحزبية؟
لقد ظلت “الحركة الطلابية ضد التمييز” منصة مفتوحة للجميع، ترحب بأي شخص من أي حزب، ولكن دون إبراز أي انتماءات حزبية، فالحراك الذي قادته “الحركة الطلابية ضد التمييز” شهد مشاركة فاعلة وتضحيات من أعضاء أحزاب سياسية معارضة ومنظمات طلابية، كلهم انضموا للحركة دون أن يكونوا ممثلين عن هويات أحزابهم.
وقد سمح هذا للحركة الطلابية بأن تحافظ على تواصل مع أطياف واسعة من المنظمات والقوى السياسية، ولكن “الحركة الطلابية ضد التمييز” في ذاتها لم تكن تحالفا أو منظمة سياسية، بل هي منصة لكل الطلاب وعامة الناس، والمشاركة من خلال الحركة في الحراك كان مندفعا من منطلق هدف مشترك، وليس من منطلق هوية حزبية، وظلت الحركة الطلابية هذه تمثل صوت عامة الناس.
-
ما مستقبل الحركة الطلابية خاصة أن المشهد تجاوز الحراك الطلابي الآن؟ هل ترى أي دور رقابي أو سياسي أو اجتماعي للطلاب؟ وهل ستتجهون نحو تشكيل معين مستقبلا؟
سيظلون في الشوارع حتى تتحقق كامل وعود حركتنا وآمال الانتفاضة الشعبية، وسيستمرون في كونهم قوة اجتماعية وسياسية مهمة.
سيركز الطلاب على البناء الوطني والتكافل الاجتماعي، ونحن ننظم حوارات مع كل الأطراف والمواطنين من مختلف فئات المجتمع لدعم مبادرات البناء الوطني وإصلاح الدولة التي نقوم بها من خلال الحكومة، ومن خلال ذلك الحوار يتشكل التصور المستقبلي لبنغلاديش، بناء على الإجماع الوطني.
-
ما الذي تقومون به من أعمال في الوزارتين اللتين أسندتا لكم؟ وما أولوياتكم كونكم من الطلاب الإصلاحيين؟
نحن نركز على إعادة تقييم المشاكل الهيكلية الموجودة داخل كل وزارة وقطاع، وكذلك القضايا البارزة المتعلقة بالقوانين واللوائح، وللتعامل مع هذا الأمر شكلنا لجان تحقيق في كل القطاعات للتحقيق في قضايا الفساد المالي والإداري في الماضي، أي خلال الفترات التي كان فيها أولئك ممسكين بزمام الأمور، وبناء على نتائج تلك التقارير نتخذ إجراءات ضد المسؤولين الحكوميين وغيرهم ممن هم متورطون في الفساد أو سوء السلوك.
ونحن نتعامل مع ما يشغل المواطن العادي، مثل خفض كلفة شبكة الإنترنت ومنع حدوث قطع لبث الإنترنت في قطاع تكنولوجيا والاتصال المعلوماتي، بالإضافة إلى سعينا لمعالجة القضايا ذات العلاقة بالبث المعلوماتي ووسائل الإعلام، فبنغلاديش في الماضي شهدت تراجعا في مؤشر الحريات الصحفية، وواجه الصحفيون قيودا بسبب قوانين كثيرة، ونحن نعمل اليوم على حل تلك القضايا لنستجيب لمطالب الشعب بأسرع وقت ممكن.
-
كانت وزارة الإعلام الآلة الدعائية لحزب رابطة عوامي -الحاكم سابقا- واليوم هي بيد الطلبة الذين أسقطوا الحكم، ما الذي يجب تغييره؟ وكيف ترى مستقبل حرية الصحافة في بنغلاديش؟
أحوال وسائل الإعلام في بنغلاديش معقدة للغاية، فمن ناحية هناك قيود والتزامات كبيرة فرضها الحكم الاستبدادي، ومن ناحية أخرى هناك ثقافة الرقابة الذاتية المنتشرة بين الصحفيين مدفوعة بالميل إلى استرضاء الحكومة.
كما أن الصحافة في بنغلاديش مسيسة إلى حد كبير، حيث ينحاز الصحفيون في كثير من الأحيان إلى الأحزاب السياسية، وهذا التسييس امتد إلى هيكلية الرواتب، حيث يتزايد عزوف المواهب الشابة عن دخول هذا المجال بسبب عدم وجود جدول موحد لأجور المراسلين المبتدئين.
وهناك انتقادات واسعة بخصوص ملكية مؤسسات وسائل الإعلام، بسبب ارتباط كثير من المؤسسات الإعلامية بقوى سياسية مختلفة، مما يقلص فرصة نشر محتوى خارج أجنداتها.
وسلامة الصحفيين قضية أخرى شديدة الأهمية، فكثيرون استشهدوا أو أصيبوا أثناء قيامهم بالواجب الصحفي، وأمام هذه التحديات، فمن المهم بمكان التعامل مع كل هذه القضايا بشكل شامل، ومن وجهة نظر الحكومة فإن ضمان سلامة الصحفيين، وتأسيس سلم رواتب عادل، وتطبيق قوانين ولوائح واضحة هي من أولوياتنا، وهناك في اعتبارنا تأسيس لجنة إعلامية مستقلة تسعى لحماية مبادئ حرية الصحافة.
-
كيف تقيم علاقتكم كطلاب مع الجيش؟ هل ترون أن الجيش قد قام بدور إيجابي بوقف نزيف الدم وأسهم في تحقق التغيير؟ وكيف ترون دور الجيش في فترة الحكومة الانتقالية هذه؟
لقد تعاون معنا الجيش خلال الانتفاضة، فالجيش لم يقف ضد الشعب، ونحن ممتنون لذلك الموقف، ابتداء عندما بدأت الأوضاع تتصاعد، فرض الجيش حظرا للتجول، ولعب دورا مهما في التعامل مع الاضطرابات، وإن كان على نطاق أصغر.
ولكن خلال فترة الحظر الثانية يومي الرابع والخامس من أغسطس/آب لاحظنا أن سلوكيات الجيش ليست ضد الشعب بل دعما له، ولهذا السبب فنحن قدمنا شكرنا للجيش، ونؤمن بأنه إذا تم تحريض الجيش ضد الشعب فقد يؤدي ذلك إلى تقويض مؤسسته وجعلها مثيرة للجدل.
لقد كانت بنغلاديش على شفا حرب أهلية، ولكن في تلك اللحظة الحاسمة لعب الجيش دوره وأظهر وطنيته، ولكننا لطالما أكدنا أننا نرفض أي شكل من أشكال الدعم العسكري أو الحكم العسكري.
ففي تاريخ بنغلاديش لم تكن الأنظمة المدعومة عسكريا في الغالب تتماشى مع مصالح الشعب، ولا نريد تأييدا بالشكل الذي حصل في حكومة 11 يناير لعام 2007، عندما كان الجيش يتحكم بالحكومة من وراء الكواليس، نتوقع من الجيش أن يخدم البلاد وشعبه، وأن يظل متعاونا مع الحكومة، ونأمل الحفاظ على علاقة الجيش بحكومة ديمقراطية خلال الفترة الانتقالية.
-
هل أنتم قلقون من أن تفشل ثورتكم أو تختطف أو تحصل انتكاسة ويزداد الوضع سوءا؟
هذا الاحتمال وارد، لكننا يقظون ومدركون لذلك، ولهذا السبب يظل الطلاب فاعلون في الميدان، فهم يسعون إلى حماية هذه الانتفاضة وحماية بنغلاديش، ولأننا ندرك الأهمية الجيوسياسية لبلادنا، فإننا نواجه أعداء داخليين وخارجيين، وخاصة منذ أن أهملت الحكومة السابقة المصالح الوطنية وتعاونت مع قوى كبرى عديدة، ولأن الهيكل الحالي للدولة ظل كما هو.
وفي حين ما زال بعض الأشخاص من النظام السابق في أماكنهم، فإن هذا يمثل تهديدا ممكنا. ندرك هذه المصاعب وندرك أن المخاطر لا يمكن تفاديها بشكل كامل، لكننا نظل حذرين ونؤمن بأن أيا من هذه الحوادث لا يمكن أن تستمر في بنغلاديش، فالشعب سيقف ضد أي من محاولات الثورة المضادة ولن يقبلها.
إن الشعب يريد حماية الثورة وأن يرى تمثيلها في الحكومة، وحزب رابطة عوامي ليس في وضع يجعله قادرا على الحركة، فقياداته هربت من البلاد تاركة عمال حزبها والجميع في خطر، وهذا ما تسبب في غضب بين أعضاء حزب رابطة عوامي ومؤيديه في عموم بنغلاديش، ونحن ملتزمون بالعدالة للجميع وأن نصون حقوق الإنسان، وأن نحاكم المجرمين من خلال الإجراءات القانونية الواجبة.
-
إلى متى ستظل الحكومة المؤقتة تدير شؤون البلاد؟ فالبعض يتحدث عن شهور وآخرون يتحدثون عن عام أو عامين أو 3 أعوام والموضوع محل نقاش ساخن. وهل ترى دورا سياسيا للطلبة في الانتخابات المقبلة ؟
الفترة الزمنية لهذه الحكومة لم تحدد بعد، وقد وضحنا أن الجدول الزمني سيعتمد على مهام إعادة هكيلة الحكومة، ونحن قائمون على إعداد هذا الجدول الزمني الآن، ونحن لن نقرر منفردين نشاطات الحكومة أو العهدة الزمنية لها بل سنتبع في ذلك سلوكا ديمقراطيا.
ليس لدينا خطة لتأسيس حزب سياسي في هذا الوقت، ولا نريد الدخول في أي منافسات سياسية، فأولويتنا هي الحفاظ على الوحدة الوطنية التي شكلتها قيادة الطلاب.
ربما يتخذ القرار لاحقا بناء على تطورات الأوضاع، وهناك تطلع من الشعب بأن يأخذ الطلاب دورا قياديا، وإذا كان الشعب والرأي العام مؤيدا لذلك، فإن قرارا يمكن أن يتخذ في المستقبل، ولكن في الظروف الراهنة، أولوية اهتمامنا هي البناء الوطني والحفاظ على الوحدة الوطنية من خلال الحكومة المؤقتة و”الحركة الطلابية ضد التمييز”.