لماذا يميل البعض إلى الإفراط في البوح بتفاصيل حياتهم؟ | أسلوب حياة
هل سبق وأن فوجئت بأنك شاركت قدرا كبيرا من تفاصيل حياتك مع الغرباء أو زملاء العمل أو أشخاص غير مناسبين؟ وهل كثيرا ما تخدعك الكلمات وتفقد السيطرة عليها وتجد الاعترافات تتدفق وسط الحديث حتى تشارك الآخرين أكثر مما كنت تنوي؟
من المحتمل أنك قمت بالمشاركة المفرطة أو “Oversharing” في مرحلة ما من حياتك، وهي عادة يقع فيها الكثيرون من وقت لآخر بهدف تقديم أنفسهم في إطار معين أو لمجرد الفضفضة ومعالجة المشاعر، وهي ليست حالة سريرية، ومع ذلك يمكن أن تكون سلوكا شائعا في بعض مشكلات الصحة العقلية مثل القلق والاكتئاب.
ما الإفراط في المشاركة؟
يمكن تعريف الإفراط في المشاركة بأنه كشف الشخص عن قدر غير مناسب من المعلومات الشخصية والحساسة بما في ذلك تفاصيل علاقاته الخاصة أو مشاكله الصحية أو ظروفه المالية أو مخاوفه وغيرها من الأمور، وغالبا ما تقدم هذه المعلومات في سياقات غير متوقعة أو غير مبررة، أي أن تُوجه للشخص الخطأ أو في الوقت الخطأ أو كليهما معا.
في مقال لها بصحيفة “وول ستريت جورنال” كتبت إليزابيث بيرنشتاين “غالبا ما نندم على ما كشفناه، ثم نشعر بالقلق أكثر بشأن ما يفكر فيه الطرف الآخر وقد نشعر بالحاجة إلى “إصلاح” الموقف، الأمر الذي قد يؤدي في الغالب إلى المزيد من الثرثرة، إنها دوامة قاسية”.
لماذا يفرط البعض في مشاركة أسرارهم؟
تتعدد الأسباب التي قد تدفع الشخص إلى المشاركة المفرطة، كما أشار خبير العلاقات الأسرية الدكتور غاري براون لموقع “ميَك”. فقد ينتمي الشخص إلى عائلة تميل إلى الثرثرة، مما يجعله يكتسب سلوك المشاركة المفرطة مع الغرباء.
وبعض الأفراد قد يفرطون في المشاركة بدافع الرغبة في بناء تواصل وتوطيد الألفة، خاصة في بداية العلاقات. وقد يكون السبب شعورهم بعدم الكفاءة أو رغبتهم في جذب الانتباه، خاصة إذا كانوا “نرجسيين”، حيث يميلون إلى مشاركة كل ما يخطر ببالهم لضمان الاستماع إليهم. البعض الآخر قد يجد صعوبة في وضع الحدود.
وتعد الوحدة أيضًا سببًا رئيسيًا يدفع الشخص لتزويد المستمع بتفاصيل زائدة، كما يوضح براون. وقد أظهرت دراسة أجراها باحثون من جامعتي إدنبرة ونورث وسترن أن خطر الإفراط في المشاركة يزداد مع التقدم في العمر. حيث شارك في الدراسة 100 شخص تتراوح أعمارهم بين 17 و84 عامًا، ووجد الباحثون أن كبار السن يميلون إلى تقديم تفاصيل غير ذات صلة أكثر من الشباب، مما قد يضر بالعلاقات والسمعة والسلامة.
وفي مقال لبيرنشتاين بصحيفة “وول ستريت”، ترى الكاتبة أن التوتر غالبًا ما يكون الدافع الرئيسي وراء الإفراط في المشاركة، حيث يحاول الأشخاص بشكل غير واعٍ التحكم في قلقهم من خلال “التنظيم الذاتي”.
وأوضحت أنه خلال المحادثات، قد يبذل الأشخاص جهدًا كبيرًا لإدارة انطباع الآخرين عنهم، محاولين الظهور بمظهر ذكي ومرح ومثير للاهتمام. لكن هذا الجهد يستنفد الطاقة العقلية اللازمة لتصفية ما يقال ولمن، مما يفسر لماذا قد يقول الناس أشياء محرجة أمام من يسعون لإثارة إعجابهم
منصات التواصل الاجتماعي
وينقل موقع “ثيرابي فور بلاك جيلز” عن الباحثة في مجال العافية، غوناي فيليسيس، أن منصات التواصل الاجتماعي جعلت الإفراط في مشاركة المعلومات أمرا طبيعيا إلى الحد الذي أصبح فيه الناس أكثر تقبلا لمشاركة مقدار غير صحي من شؤونهم الخاصة وتفاصيل حياتهم وآرائهم حول كل شيء، الأمر الذي قد يترك مجالا للحكم عليهم أو انتقادهم وقد يتسبب ذلك في الإضرار بالصحة العقلية.
كذلك توصلت ورقة بحثية نشرت في مجلة علم النفس السيبراني والسلوك عام 2004، أن النشر من خلف الشاشة يقلل بشكل كبير من تحفظات الشخص مما يؤدي إلى المشاركة المفرطة ونشر كل أفكاره ومشاعره دون خجل، ولهذا ينبغي تحديد فترات راحة من الهواتف الذكية لتقليل الدافع لمشاركة كل التفاصيل.
نصائح للحد من الإفراط في المشاركة
لا ينكر المتخصصون أهمية مشاركة تجاربنا لتقديم النصيحة أو الحصول على الدعم والتصديق ويؤكدون أن الكشف عن جوانب معينة من حياتنا يعزز الحميمية والتواصل والانتماء، في حين أن البوج بمعلومات أكثر مما يطلبه أو يحتاجه الآخرون قد يؤدي إلى عواقب سلبية.
ولأنه ليس كل من يبالغ في نشر المعلومات لديه الوعي الكافي لإيقاف نفسه عند الحاجة، يقدم موقعا “ماريدج” و”لاف هيل جرو” مجموعة من النصائح ومنها:
ممارسة التأمل الذاتي الواعي: خذ بعض الوقت للتفكير في سبب ميلك إلى الإفراط في المشاركة وهل يرجع ذلك إلى تجارب الماضي؟ أم الخوف من الرفض؟ أم الحاجة إلى التصديق؟ إذ إن فهم الأسباب الكامنة وراء سلوكك يمكن أن يساعدك في معالجة المشكلة.
وضع حدود واضحة في العلاقات: لا يعني وضح حدود واضحة أن تعزل نفسك، ولكن حدد المعلومات التي تشعر بالراحة عند مشاركتها والمعلومات التي تفضل الاحتفاظ بها، يساعدك ذلك في الحفاظ على مساحتك الشخصية وتعزيز التواصل الإيجابي.
قراءة الإشارات الاجتماعية: انتبه إلى ردود أفعال من حولك، إذا لاحظت علامات عدم الارتياح أو عدم الاهتمام أو المفاجأة، فقد يكون ذلك مؤشرا على أنك تبالغ في المشاركة، كما يجب أن تدرك أن مستوى المعلومات المناسب للمشاركة يختلف باختلاف البيئات، فما يعد مقبولا بين الأصدقاء المقربين قد لا يكون مناسبا في بيئة مهنية أو رسمية.
المواظبة على تدوين يومياتك: ينتشر الإفراط في المشاركة لدى الأشخاص الذين تعرضوا لصدمة كبيرة مثل المرور بانفصال أو طلاق أو مواجهة مشاكل في العمل أو فقدان أحد المقربين، وقد تكون الكتابة أحد آليات التأقلم الصحية لمعالجة أفكارك ومشاعرك دون الإفراط في مشاركتها مع الآخرين، وإذا تطلب الأمر حاول استشارة اختصاصي الصحة العقلية.
ممارسة الاستماع النشط: انقل التركيز من نفسك إلى الآخرين واستمع إليهم وانتبه لكلماتهم، وحافظ على التواصل البصري، واطرح الأسئلة حول ما يقولونه، سيساعدك ذلك على خلق ديناميكية تواصل أكثر توازنا.