طالبات أفغانيات: نقبل أي شروط لتسمح لنا السلطة باستكمال تعليمنا | سياسة
كابل- بين لحظات انكسار وبكاء على ضياع أعمارهن، ولحظات إصرار وتحدّ؛ رفعت طالبات أفغانيات صوتهن عاليا برفضهن قرار حرمانهن من حقهن في التعليم، وتوسلن حكومة بلدهن التراجع عن القرار “مهما كانت الشروط”.
يأتي هذا النداء وسط تأكيدات مستمرة من الطالبات لإيمانهن المطلق بأن الالتزام بالدين الإسلامي وقيم المجتمع الأفغاني لا يتناقض البتة مع التطور والأخذ بناصية العلم.
فتحت الطالبات قلوبهن لمركز الجزيرة للحريات العامة في كابل، وتحدثن عن شعورهن بالتهميش، ومحاولاتهن البقاء ضمن دائرة الفعل التعليمي ولو من خلال التدريس في القطاع الخاص.
وتسمح القوانين السارية في عهد حكومة حركة طالبان الآن للبنات بالدراسة إلى الصف السادس الابتدائي، وتحرمهن من التعليم في المراحل الإعدادية والثانوية والجامعية.
قصّوا أجنحتنا
وتقول مهجبين آريي ذات الـ21 عاما، من كلية الحقوق بجامعة كابل، وهي تغالب البكاء “شعوري سيئ للغاية. لقد سهرنا الليالي ذوات العدد وبذلنا جهودا جبارة للوصول إلى الجامعة، ثم جاء هؤلاء فقضوا على أحلامنا وقصوا أجنحتنا”.
وتضيف “هؤلاء كانوا يدركون أننا إن وصلنا إلى أهدافنا لن نبقى تحت نير العبودية، وما فعلوا ذلك إلا لنقبل ما يفرضونه علينا.. الآن نعيش كأننا أموات؛ نتحرك ونتنفس فقط من دون أن نستمتع بهذه الحياة”.
وتؤكد مهجبين أنها مصرّة على المضي قدما ولن تتوقف عن تحقيق أحلامها وطموحاتها. وتقول إنها تدرّس الآن في إعدادية خاصة للأولاد مواد الفيزياء والكيمياء والرياضيات والعلوم، كما تدرّس اللغة الإنجليزية في معهد للغات.
أما شقيقتها، وجيهة آريي (19 عاما)، وهي طالبة طب في السنة الأولى بجامعة البيروني في ولاية كابيسا شمالي العاصمة الأفغانية، فلا تجد أي كلمات تعبر به عما يعتريها من شعور، كما تقول.
وتضيف في لغة شاعرية “أنا كطائر كسر جناحه وهوى داخل قفص، أينما يولّي وجهه فثمّ ما يحبسه”.
وفي إصرار ونبرة تحدّ، تقول إن الشخصيات الناجحة عبر التاريخ مرت دائما بعوائق، وإنها ستصل، مثلها، إلى طموحاتها وأهدافها. وتشير إلى أنها كانت تطمح لأن تكون “عالمة مشهورة على مستوى العالم” وأن ما حدث لم يكن بالحسبان. وتوجّه رسالتها إلى الذين منعوها من الدراسة بأنها مصرة وستصل إلى ما تريد.
الدين لا يعارض التعلم
وعن دراستها في الخارج، تقول وجيهة التي تدرّس الآن، مثل أختها، في معهد للغة الإنجليزية، “نعم، إذا وجدت الفرصة سأغادر حتى أخدم شعبي وبلدي. وعائلتي التي كانت تعارض سفري وحدي، أضحت -للمفارقة- الآن موافقة على ذلك”.
وتؤمن الأختان بأن الدين الإسلامي لا يتعارض أبدا مع دراسة المرأة وتعلّمها، وبأن “القرآن يحضّنا على أن نتعلم ونستكشف ونعمل عقولنا في الآفاق”.
وكانت المدارس والجامعات قد أغلقت أمام الفتيات خلال فترة الحكم الأولى لطالبان من (1996-2001)، ولكن قيادات الحركة أكدت قبل العودة إلى السلطة للمرة الثانية، في مناسبات مختلفة، أنهم سيسمحون للنساء بالدراسة والتعليم، وهو ما رآه مراقبون -حينئذ- مؤشرا على تغيير في نمط تفكير الحركة.
ولكن بعد مدة قصيرة من تسلّم طالبان الحكم، أصدر زعيم الحركة هبة الله آخوند زاده قرارا بمنع الفتيات من مواصلة الدراسة بعد الصف السادس الابتدائي، بما في ذلك المرحلتان الثانوية والجامعية.
بدورها، قالت الطالبة آنجوما كوهيستاني، من قسم الإدارة والدبلوماسية بجامعة البيروني، “أشعر بأن لا قيمة للفتاة في أفغانستان.. وهذا شعور مؤلم ومخجل، وكل الذين يدّعون بأنهم منعوا التعليم حفاظا على المرأة هم مخطئون، فالإسلام هو الذي أعطى المرأة مكانتها وأوجد لها كينونتها”.
مهما كانت الشروط
وتتهم الطالبة “هؤلاء” -دون أن تسميهم- بأنهم “يخافون من تعليم المرأة وثقافتها، ولكن عليهم أن يدركوا أن هذا الوضع لن يستمر.. ففي الحكومة الأولى (لطالبان) مُنعت المرأة من الخروج دون محرم، ولكن ذلك لم يستمر وسيأتي اليوم الذي تصبح فيه المرأة رائدة وقائدة”.
وبشأن رسالتها للحكومة الحالية، تقول كوهيستاني إنها لا تطالب الحكومة الحالية إلا “بشيء واحد، هو استئناف الدراسة وفق أي شروط: بالحجاب أو البرقع، وفي أي مكان وأي ظروف.. المهم أن تبدأ الدراسة”.
وبشأن ما كشفه مسؤول أفغاني كبير عن “عودة متدرجة” لتعليم النساء في المراحل الإعدادية والثانوية والجامعية خلال سنتين أو ثلاث في حال “تحقق الشروط الشرعية”، قالت الطالبة إنها لا تصدق تلك “الوعود”.
وقبل يومين، صرح حافظ محمد يونس راشد، وكيل وزارة الإعلام والثقافة لشؤون الشباب في حكومة حركة طالبان، للجزيرة نت، بأن قرار استئناف الدراسة سيأخذ في الحسبان تعديل المناهج الدراسية، وتهيئة الأماكن الملائمة، وظروف “انتقال الطالبات من البيت إلى المؤسسات التعليمية”، فضلا عن “انضباط” سلوك النساء بالمنهج الإسلامي.
وعلقت الطالبة على ذلك بالقول “لا أثق بهذه الوعود، ونحن نضيع الوقت ونخسر أعمارنا”.