من الشنتوية إلى إلحاد 86%.. كيف أعادت أميركا تشكيل الشعب الياباني؟ | سياسة
شهدت اليابان خلال تاريخها العريق موجات تغيير هائلة في بنيتها الاجتماعية وأنظمتها السياسية، وبعدما اختارت العزلة لدرء خطر الاستعمار الأوروبي أطلقت في منتصف القرن التاسع عشر حملة ميجي الإصلاحية للانفتاح على الغرب واللحاق به، وسرعان ما أصبحت دولة استعمارية تشاطر النازية والفاشية طموحهما لاحتلال العالم، فكانت هزيمة هذا “المحور” في الحرب العالمية الثانية نقطة تحول أخرى نحو النقيض.
أعادت إصلاحات الإمبراطور ميجي بين عامي 1868 و1912 إحياء الديانة الشنتوية التي تعتبر الإمبراطور سليل إلهة الشمس، بهدف استعادة سلطة الأباطرة بعد ستة قرون من تهميشها بأيدي القادة العسكريين في النظام الشوغوني، وعندما تولى الإمبراطور هيروهيتو -حفيد الإمبراطور ميجي- السلطة عام 1926 كانت اليابان قد بنت جيشًا حديثًا ينافس الجيوش الأوروبية، وكبار ضباطه يستعيدون سلطة العسكر ويرسمون ملامح الوجه الاستعماري الجديد للبلاد.
وفي ثلاثينيات القرن العشرين، انطلق الجيش الياباني لاحتلال مناطق واسعة من أراضي الصين وروسيا ومنغوليا وكوريا، ثم دخل الحرب العالمية إلى جانب ألمانيا وإيطاليا ليسيطر على دول إضافية في شرق آسيا والمحيط الهادئ.
ومع بلوغه ذروة الطموح الإمبراطوري، تجرأ الجيش الياباني في أواخر عام 1941 على استهداف الأسطول الأميركي القابع في ميناء بيرل هاربر بجزر هاواي، ودفع بذلك الولايات المتحدة إلى التخلي عن حيادها والنزول بكل ثقلها إلى جانب “الحلفاء” في الميدان، لتميل كفّة الحرب تدريجيًّا لصالحهم.
وفي أبريل/نيسان 1945، قُتل الزعيم الإيطالي بينيتو موسوليني، وانتحر الزعيم الألماني أدولف هتلر، أمّا هيروهيتو فقد أصرّ على مواصلة القتال “حتى آخر رجل”، لكن إسقاط الولايات المتحدة قنبلتين نوويتين على هيروشيما وناغازاكي وإعلان الاتحاد السوفيتي الحرب على اليابان في أغسطس/آب كانا كفيلين بإقناع الإمبراطور بإعلان الاستسلام. وقد سلّطنا الضوء على قصة هذه التحولات وموقع الإمبراطور منها في مقال سابق، وسنخصص هذا المقال للبحث في الخطة التي طبقتها واشنطن لاحتلال اليابان وإعادة تشكيل ثقافة شعبها ونظامها السياسي، وكيف نجحت في غضون سنوات قليلة في تحويل عدوّها اللدود إلى حليف إستراتيجي، وهو أمر يصعب العثور على مثيل له في التاريخ.
مراحل الاحتلال الثلاث
خلال عامي 1943 و1944، كانت معظم المؤشرات تؤكد أن دول المحور ستخسر الحرب. وعندما بقيت اليابان وحيدة في الميدان في أبريل/نيسان 1945، كانت الصحف الأميركية تناقش مصير الإمبراطور واحتمالات التعامل معه، وكأن استسلامه كان أمرًا حتميًّا. ففي 21 مايو/أيار 1945، نشرت مجلة تايم الأميركية مقالًا جاء فيه أن الحلفاء لم يصلوا إلى إجماع بعد في هذا الملف، فالصين تطالب بإعدام الإمبراطور انتقامًا من جرائم الحرب التي ارتكبها جيشه في الصين، كما كانت هناك مطالب بمحاكمته من قبل الاتحاد السوفياتي وبريطانيا، لكن واشنطن كانت تميل -بحسب المقال- إلى الحفاظ على مكانة الإمبراطور كي لا يتفكك المجتمع الياباني الذي يراه إلهًا بالفعل، وأنه لا بد من استخدام مؤسسة الإمبراطورية نفسها لتحويل هذا البلد بهدوء إلى دولة مسالمة وغير شمولية.
لم يكن هناك إجماع أميركي على تبرئة الإمبراطور وإعفائه من المسؤولية، بل ترددت في واشنطن مطالب انتقامية جامحة لإذلال الشعب الياباني كله. ففي كتاب “الاحتلال الأميركي لليابان” الصادر عام 1985، أشار المؤرخ الأميركي مايكل شالر إلى أن بعض صقور واشنطن كانوا يفكرون في طرق انتقامية عنصرية وغير واقعية، منها مطالبة السيناتور ثيودور بيلبو بتعقيم جميع اليابانيين لقطع سلالتهم التي تميل “فطريًّا” إلى العنف، ثم إطلاق مشروع لتزويجهم بشعوب جزر المحيط الهادئ -الأكثر ميلًا إلى السلام- لإنتاج سلالة جديدة. لكن الحكومة الأميركية اعتمدت في النهاية سياسة أكثر ذكاء، ونجحت في إنشاء أجيال لا تكتفي بتفضيل السلام على العنف بل تنظر إلى الولايات المتحدة نفسها نظرة إيجابية.
في 15 أغسطس/آب 1945، وجّه الإمبراطور هيروهيتو خطابا إذاعيا إلى شعبه يعلن فيه قبوله بشروط الحلفاء، وكانت هذه المرة الأولى التي يسمع فيها الشعب صوت الإمبراطور الذي حرص بلاطه على تنزيهه عن الاختلاط بشعبه للحفاظ على “قداسته”. وعلى الفور قرر الرئيس الأميركي آنذاك هاري ترومان تعيين قائد قوات الحلفاء في جنوب غرب المحيط الهادئ الجنرال دوغلاس ماك آرثر حاكمًا لليابان.
ومن داخل مبنى داي إيتشي للتأمين في طوكيو أدار ماك آرثر البلاد خلال السنوات الست التالية، ويمكننا تقسيم فترة احتلال اليابان إلى المراحل الثلاث التالية:
المرحلة الأولى: المحاكمات والإصلاح السياسي
امتدت هذه المرحلة من نهاية الحرب عام 1945 حتى أواخر عام 1947، وكان أهم أهدافها نزع مخالب وأنياب الطبقة العسكرية اليابانية، واستبدال ثقافة السلم بثقافة الحرب والتوسع والغزو. ففكك ماك آرثر الجيش الياباني، ومنع الضباط العسكريين السابقين من تولي أدوار القيادة السياسية في الحكومة الجديدة.
ومن جانب آخر، انطلقت سلسلة المحاكمات مع إنشاء “محكمة جرائم الحرب بطوكيو” في أبريل/نيسان 1946، التي واصلت عملها حتى أواخر 1948، وحُكم فيها بإعدام سبعة من كبار قادة الجيش والمخابرات ورئيس وزراء سابق، كما حُكم على 16 متهمًا (معظمهم من كبار الضباط) بالسجن مدى الحياة، إلى جانب أحكام أخرى متفاوتة بالسجن، كما وُجهت اتهامات إلى أكثر من 5700 من ذوي الرتب الدنيا بالجيش خلال محاكمات أخرى في دول الحلفاء والصين. وقد تعرّضت هذه المحاكمات للكثير من الانتقادات بشأن نزاهتها وتبرئة العائلة الإمبراطورية، كما لم يُحاكم مجرمو الحرب اليابانيين على انتهاكاتهم بحق مواطنيهم أثناء الحرب.
وبالتوازي مع المحاكمات، شكّل ماك آرثر لجنة لمراجعة ملفات ما يقرب من 750 ألف موظف ومسؤول ياباني متهمين بالمشاركة في الحرب أو تأييدها، وذلك لمنعهم من ممارسة السياسة أو شَغل أي وظيفة عامة، لكن هذه الخطة الضخمة لم يكتمل تنفيذها وتوقفت بعد منع 200 ألف مسؤول فقط من العمل، إذ أدرك ماك آرثر أن توقيف هذا العدد الضخم سيؤدي إلى حرمان الدولة من كفاءاتها وسيؤدي إلى استعدائهم وربما تحريضهم على التمرد.
على الصعيد الثقافي، حرصت سياسة الاحتلال على فك ارتباط الأمة اليابانية بعقيدة الشنتوية التي كانت تؤلّه الأباطرة وتؤمّن لهم انضباط الشعب، فقد وصف رئيس قسم المعلومات والتعليم في إدارة الاحتلال العميد كين دايك الشنتوية بأنها دين اخترعه القوميون المتطرفون لتحقيق أطماعهم في السيطرة على العالم. ولم تجد سلطات الاحتلال صعوبة كبيرة في هذه المهمة، إذ تخلى ثلث اليابانيين تقريبًا عن إيمانهم بعدما أعلن الإمبراطور الاستسلام وأصدر ما سمي “إعلان الإنسانية”، الذي جاء فيه أنه من الخطأ اعتبار الإمبراطور سليل الآلهة والاعتقاد بأن الشعب الياباني متفوق على الأجناس الأخرى ومقدّر له أن يحكم العالم.
ركّزت سلطات الاحتلال أيضا على “إصلاح التعليم”، ففي مقال نشره الصحفي الصيني هيو لين في مجلة “فورين أفيرز” الأميركية مطلع عام 1946، شدد على أن إصلاح التعليم الياباني هو المشكلة الأساسية، معتبرا أن الشعب الياباني يفتقد الأخلاق الحميدة والشجاعة والإبداع الفكري، وطالب الأميركيين بزرع “القيم الصحيحة” التي يتبناها العالم الحديث في “العقل الياباني” عن طريق التعليم الليبرالي، كما طالبهم بفرض رقابة صارمة على الكتب المدرسية والأفلام والإذاعات والصحف حتى لا يسيطر العسكر مجددا على عقول الشعب. ومع أن السياسة الأميركية لم تكن تتبنى تلك الأوصاف العنصرية الفجة التي عبّر عنها الكاتب الصيني فإنها طبّقت بالفعل خطة طموحة لتعديل المقررات التعليمية، بهدف زرع مفاهيم الديمقراطية ونزع قيم الحرب والتطرف القومي من عقول الأجيال الصغيرة.
وفي المجال الاقتصادي، قدّمت سلطات الاحتلال مشروعًا للإصلاح الزراعي، صُمم لانتزاع ملكية الأراضي من الطبقة الإقطاعية التي كانت تشكل تاريخيًّا مموّلي الحروب والغزوات، وأُعيد تأهيل وتمويل المزارعين بتمليكهم الأراضي في خطة تشبه سياسة التأميم لدى الدول الشيوعية والاشتراكية.
وفي هذه الأثناء، حاول ماك آرثر تفكيك تكتلات الأعمال الكبيرة التي عرفت باسم “زايباتسو” وكان عددها يفوق ثلاثمئة، بهدف تحويل الاقتصاد إلى نظام رأسمالي قائم على السوق الحرة، ولإعادة تشكيل القطاع الصناعي بعيدًا عن الصناعات العسكرية، إلا أن ماك آرثر لم يفتّت سوى قليل من الشبكات الصناعية، بل تراجع عن هذه الخطة كي يضمن ولاء الأوليغارشية الاقتصادية لسلطته ولا يتيح للسوفيات والصينيين استقطاب الأثرياء.
تضمنت الإصلاحات أيضًا إقرار حق العمال في الإضراب وتعديل القوانين لتحسين ظروف العمل، والإفراج عن المعتقلين السياسيين الذين كان معظمهم من الشيوعيين.
وفي مطلع فبراير/شباط عام 1947، أملى مستشارو الحلفاء على زعماء اليابان مسودة لدستور جديد، وأدرك اليابانيون أنهم إذا لم يقبلوا به فلن يضمن لهم ماك آرثر مصير الإمبراطور لأن العديد من دول الحلفاء كانت تطالب بمحاكمته، وهو الأمر الذي كانت ترى فيه واشنطن تفكيكًا للمجتمع الياباني وسقوطًا في الفوضى. وسرعان ما طُرحت المسودة للتداول في البرلمان واعتمدها الإمبراطور.
كان من أهم التغييرات التي أحدثها الدستور في مستقبل البلاد تخفيضُ مكانة الإمبراطور إلى شخصية رمزية لا تتمتع بأي سلطة سياسية، ليقتصر دوره على كونه “رمزًا للدولة ووحدة الشعب الياباني”، واعتمادُ النظام الديمقراطي البرلماني الذي يمثل فيه رئيس الوزراء السلطة التنفيذية، وتعزيز امتيازات النساء ومنحهن حق التصويت. ولم يمنح الدستور أيَّ امتياز للشنتوية كما كانت في السابق، بل نصّ على الحياد العلماني الرسمي وامتناع الحكومة عن إدخال الدين في المناهج الدراسية أو القيام بأي نشاطٍ ديني آخر، مع إتاحة المجال للمشاركة في المراسم أو الاحتفالات الدينية.
أما أكثر مواد الدستور إثارة للجدل فهي المادة التاسعة، وهذا نصّها:
“يتطلع الشعب الياباني بصدق وإخلاص إلى السلام العالمي القائم على أسس من العدل والنظام، ويتخلى إلى الأبد عن الحرب كحق سيادي للدولة وعن القيام بأية أعمال عدوان أو تهديد بواسطة العنف كوسيلة لحل النزاعات الدولية. ولتحقيق هذه الغاية لن تمتلك اليابان إلى الأبد قوات هجومية برية أو بحرية أو جوية أو غيرها من القوات العسكرية، ولا تعترف الدولة بحقها في العدوان الهجومي.”
واللافت أن الذي اقترح هذا البند هو توشيو شيراتوري الذي كان سفيرًا لليابان لدى إيطاليا أثناء الحرب، فبينما كان ينتظر محاكمته في سجن سوغامو أرسل في أواخر 1945 رسالة إلى وزير الخارجية الياباني يوشيدا شيغيرو يقترح فيها اعتماد دستور جديد يتضمن وعدًا من الإمبراطور بعدم السماح لرعاياه بخوض الحرب، وحق الشعب في رفض الخدمة العسكرية. وكان توشيو قبل ذلك من أكثر الصقور اندفاعًا نحو التوسع العسكري، بل كان يصرح بأن الإمبراطور هو الإله الوحيد على الأرض، وأن على حليفيه هتلر وموسوليني الإقرار بأن سيادة العالم حق إلهي لليابان. وربما كانت دعوته إلى السلام الأبدي من داخل السجن محاولة للتكفير عن مواقفه تلك، إلا أنها لم تفلح في تبرئته، إذ حُكم عليه في نوفمبر/تشرين الثاني 1948 بالسجن مدى الحياة، ثم توفي في السجن بسبب سرطان الحنجرة في العام التالي.
من ناحية أخرى، أكد الدستور الجديد حلّ طبقة النبلاء نهائيًّا، فتضمن مادة تنص على:
“عدم وجود طبقة النبلاء إلا مَن بقي منهم على قيد الحياة باستثناء الأسرة الإمبراطورية التي ستمتد إلى الأجيال القادمة، وإلغاء جميع امتيازات النبلاء وعزلهم عن أي سلطة وطنية أو مدنية في الحكومة”.
وفي 10 أبريل/نيسان 1946، عُقدت أول انتخابات تحت الاحتلال الأميركي، وحظيت بمشاركة كبيرة وخصوصا من النساء اللاتي مُنحن حق التصويت للمرة الأولى، وأسفرت الانتخابات عن تعيين شيغيرو يوشيدا أول رئيس وزراء لليابان الجديدة، وتتضارب الآراء بشأن إرثه السياسي بين الثناء على جهوده في قيادة البلاد خلال فترة إعادة الإعمار وبين إذعانه لمطالب الاحتلال الأميركي.
المرحلة الثانية: المسار العكسي لإصلاح الاقتصاد
في أواخر 1945، اعتمدت الولايات المتحدة خطة لإغاثة اليابان بهدف منع المجاعة واحتواء الأوبئة ومنع وقوع اضطرابات مدنية كي لا تعيق الأهداف النهائية للاحتلال. ومع كل المحاولات المبذولة لإنعاش اقتصاد اليابان المدمر فقد شهدت البلاد في أواخر عام 1947 أزمة اقتصادية خانقة، وسط دعوات إلى اعتماد سياسات إصلاحية شيوعية، لا سيما مع تزايد احتمالات انتصار الشيوعيين في الحرب الأهلية في الصين؛ مما دفع قادة الاحتلال الأميركي إلى بدء مرحلة جديدة سمّيت “المسار العكسي”، وضعوا فيها إنعاش الاقتصاد الياباني على رأس أولوياتهم.
تراوحت سياسات هذه المرحلة بين الإصلاحات الضريبية وتدابير السيطرة على التضخم، واستيراد المواد الخام المطلوبة للقطاع الصناعي. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1948 أشار تقرير عسكري أميركي إلى أن الهدف الاقتصادي الأسمى للاحتلال هو مساعدة اليابان على تحقيق حالة من الاكتفاء الذاتي في أقرب وقت ممكن.
ومع اندلاع الحرب الكورية عام 1950، أصبحت اليابان مستودع الإمدادات الرئيسي لقوات الأمم المتحدة، الأمر الذي ساهم كثيرًا في إنعاش الاقتصاد. كما وضعت هذه الحرب اليابان داخل حدود منطقة الدفاع الأميركية في آسيا؛ مما أكد للقيادة اليابانية أن أراضيها ستكون في مأمن من أي تهديد شيوعي، وأن الأولوية ينبغي أن تكون لتوجيه كل طاقاتها نحو التصنيع وإعادة الإعمار.
المرحلة الثالثة: الانسحاب والاتفاقية الأمنية
بالتوازي مع استمرار الخطة الأميركية لضخ الأموال في الاقتصاد الياباني، اقتنع الأميركيون عام 1949 بأن اليابان الجديدة لم تعد تثير القلق، وأن التهديد الحقيقي أصبح متمثلًا في الاتحاد السوفياتي وطموحه لنشر الشيوعية في آسيا ومناطق أخرى من العالم؛ لذا عمل ماك آرثر على تنحية قوات التحالف وزيادة سيطرة اليابانيين على مؤسسات الدولة تدريجيًّا.
وفي 8 سبتمبر/أيلول 1951، تم توقيع اتفاقية السلام مع اليابان (معاهدة سان فرانسيسكو) بحضور 52 دولة، ودخلت حيز التنفيذ في 28 أبريل/نيسان 1952، معلنة بذلك النهاية الرسمية للاحتلال واعتبار اليابان دولة مستقلة، مع السماح للولايات المتحدة بالاحتفاظ بجزيرتي إيوجيما وأوكيناوا والإبقاء على ربع مليون جندي أميركي في 2824 موقعًا عسكريًّا بأنحاء اليابان، كما تضمنت الاتفاقية منع اليابان من السماح لدول أخرى بالحصول على حقوق عسكرية على أراضيها من دون موافقة الأميركيين، في حين أتاحت للأميركيين استخدام قواتهم المتمركزة في اليابان لمهاجمة أي دولة من دون استشارة السلطات اليابانية. وعلاوة على ذلك، لم تتضمن الاتفاقية إلزامًا للأميركيين بالدفاع عن اليابان في حال تعرضهم لهجوم.
ومع أن الاستقلال حظي بترحيب اليابانيين فإن بنود الاتفاقية أثارت استياء المحافظين الذين رأوا فيها إذعانًا وتكريسًا لاحتلال دائم، وتسبب ذلك في خروج عشرات من المظاهرات الضخمة ضد الولايات المتحدة طوال فترة الخمسينيات.
وفي مطلع عام 1960، تم تعديل الاتفاقية السابقة وتوقيع “اتفاقية وضع القوات الأميركية اليابانية” في واشنطن، بهدف تقليص عدد الجنود الأميركيين والجلاء عن بقية الأراضي المحتلة وإلزام الولايات المتحدة بالدفاع عن اليابان، لكن إعادة إيوجيما لليابانيين تأخرت إلى عام 1968، كما تأخرت إعادة أوكيناوا إلى عام 1972، مع الإبقاء على احتلال 19% من مساحتها. وظلت بعض بنود الاتفاقية محل جدل سياسي طويل مع تنصل الجنود الأميركيين من المحاسبة على انتهاكاتهم، فمع أن القضاء الياباني يتمتع بسلطة محاكمتهم على الجرائم التي يرتكبونها في اليابان فإن الاتفاقية تنص على بعض الاستثناءات. ونتيجة لذلك شهدت البلاد في سبتمبر/أيلول 1995 أزمة سياسية وموجة غضب شعبي عارمة عندما شاع خبر اغتصاب ثلاثة جنود أميركيين فتاة يابانية في أوكيناوا، وتم احتواء الأزمة بسجنهم عشر سنوات مع تغريمهم بتعويض مالي للضحية، إلى جانب توقيع اتفاقية جديدة في العام التالي لخفض مساحة أراضي الجزيرة التي تغطيها القواعد الأميركية بنسبة 21%.
ومع أن القواعد الأميركية على أراضي اليابان ما زالت تؤوي حتى اليوم حوالي 47 ألف جندي أميركي فإن هذه القوات لا تعدّ قانونيًّا قوة احتلال، بل هي قوات “مدعوّة” رسميًّا من الحكومة اليابانية تحت بنود اتفاقية التعاون الأمني المشترك.
إرث الاحتلال
لعل أهم سؤال في هذه السياق هو: هل نجح الاحتلال الأميركي في تحقيق أهدافه في اليابان؟ والجواب متعدد الأوجه؛ لأن تحقيق الأهداف قد يخضع لتفسيرات متفاوتة، لا يمكن الجزم بأي منها. فإذا قلنا إن الهدف الأساسي هو إحلال نظام ديمقراطي ورأسمالي على الطريقة الغربية، فقد تحقق هذا الهدف بالفعل، لكن الصحفي الأميركي باتريك سميث يرى في كتابه الذي تُرجم إلى العربية بعنوان “اليابان: رؤية جديدة” -الصادر عام 1998- أن الديمقراطية التي صنعها الاحتلال في اليابان غير مكتملة، إذ أوجد الاحتلال نظامًا عسكريا وسياسيا اتّكاليا منقوص السيادة باعتماده الفعلي على الولايات المتحدة.
كما يرى سميث أن سياسة ماك آرثر رسّخت ارتباط المحافظين بالسلطة، ومنحت الأوليغارشية الاقتصادية القدرة على تثبيت هيمنتها على الاقتصاد؛ مما يجعل الديمقراطية اليابانية بناءً هشًّا يقوم على تحالفات بين كبرى العائلات السياسية والرأسمالية، ولا يتيح قدرًا كافيًا من التنافس الحر. ويستشهد المؤلف بمقولة للروائي الياباني سوسيكي ناتسومي، الذي عاصر فترة ميجي الإصلاحية في أوائل القرن العشرين، عندما قال إن اليابان لا تستطيع التقدم بدون أن تقتبس الأشياء من الغرب، ثم تتظاهر بأنها دولة من الدرجة الأولى.
من ناحية أخرى، نجح الاحتلال في انتزاع ثقافة الغزو والتوسع من الأجيال اليابانية، حتى أصبحت من أكثر الشعوب ميلًا إلى السلم، وبعدما كانت الدعاية الرسمية (البروباغندا) أثناء الحرب تدفع الشباب إلى التضحية بأنفسهم في هجمات انتحارية ضد الأميركيين وحلفائهم، أصبح الجيل الحالي من اليابانيين يُعدّ من أكثر شعوب العالم إعجابًا بالأميركيين. إذ ينظر 67% من اليابانيين إلى الولايات المتحدة بشكل إيجابي وفقًا لاستطلاع أجراه مركز بيو عام 2018، كما يثق 75% منهم في سياسة الولايات المتحدة مقابل ثقة 7% منهم فقط في الحكومة الصينية.
واللافت أن الولايات المتحدة لم تعتذر عن مذبحتي هيروشيما وناغازاكي النوويتين، ولا عن تدمير ست مدن كبرى في اليابان قبل ذلك أثناء الحرب، وما زالت الحكومات اليابانية المتعاقبة حتى اليوم تحيي في 6 أغسطس/آب من كل عام ذكرى مأساة هيروشيما، ومع ذلك تحظى الولايات المتحدة بشعبية استثنائية في اليابان بعد نجاحها في إقناع الشعب الياباني بأن إسقاط القنبلتين وما سبقهما من مجازر كان نتيجة حتمية لا مفر منها لقرار حكومتهم آنذاك الدخول في الحرب ورفض الاستسلام، وأن المسؤول عن مقتل نحو 2.5 مليون ياباني خلال الحرب، أي ما يعادل حوالي 4% من إجمالي السكان، هو القوميون المتطرفون الذين ورّطوا الشعب في هذه الحرب.
وبالمقارنة، نجد أن الصينيين لم يغفروا لليابان مجازرها أثناء الاحتلال الياباني لبلادهم، لا سيما أنها لم تعتذر عنها أيضًا حتى الآن، ففي استطلاع للرأي أجري عام 2022 من قبل مؤسسة غيرنون اليابانية (Genron NPO) ومجموعة النشر الدولية الصينية قال 63% من الصينيين إن لديهم انطباعا سيئا عن اليابان.
ولعل أهم عنصر أدى إلى نجاح الخطة الأميركية هو ربط مصير اليابان وأمنها ورفاهية شعبها بالولايات المتحدة، فاليابان محاطة بثلاث قوى نووية هي روسيا والصين وكوريا الشمالية، وثمة تاريخ طويل من التوتر مع كل منها، فمظلة الردع النووي الأميركية هي التي فرّغت الشعب الياباني للالتفات إلى إعادة الإعمار -وبتمويل أميركي أيضا- ثم للتصنيع والتكنولوجيا، حتى سبق الاقتصاد الياباني كل الدول الأوروبية منذ الستينيات وأصبح الاقتصاد الثاني عالميا بعد الولايات المتحدة، في حين تضطر الدول المنافسة لها إلى تخصيص الكثير من أموالها وطاقتها التصنيعية للقطاع العسكري والدفاعي.
ومن خلال المناهج التعليمية التي تدخّلت الولايات المتحدة في إعدادها أثناء الاحتلال، اقتنعت الأجيال الجديدة بأن التطلع إلى المستقبل والتنعّم برفاهية المجتمع الرأسمالي الاستهلاكي -وهو أمر لم يكن متاحا للشعوب التي ترزح تحت الحكم الشيوعي في الدول المحيطة بعد الحرب- يقتضي نسيان الماضي، وتجاهل السؤال عن مسؤولية الولايات المتحدة وحلفائها عن ما لحق باليابان من دمار وما خسرته من أرواح، وأن الإمبراطور والشعب كانا مُختطَفَين من قبل الطبقة العسكرية والقوميين المهووسين بالغزو، وقد تمت محاكمتهم والتخلص منهم، كما أن الأساطير الشنتوية قد ثبت تهافتُها بعد تراجع الإمبراطور عما منحته إياه من قداسة؛ فليس ثمة أمر يستدعي الحقد على الأميركيين الذين يمدّون يد المساعدة ويتعهدون بالحماية، ولا جدوى للندم على ما فات ولا لهدر الوقت في التفكير فيما مضى.
أما “عرش الأقحوان” الإمبراطوري فما زال قائما حتى اليوم، وما زال دور الإمبراطور مقتصرا على تمثيل الصورة الرمزية للأمة اليابانية، مع القيام بالأعمال الخيرية وإلقاء الخطابات وتأدية المراسم في المناسبات الرسمية. وكان الإمبراطور إكيهيتو -الذي خلف والده الإمبراطور هيروهيتو مطلع عام 1989- قد تنازل عن العرش في 2019 بسبب تقدمه في السن، وتولى ابنه الإمبراطور ناروهيتو المنصب الرمزي في حفل رسمي ضخم وفق طقوس الشنتوية. ومع أن الاستطلاعات تؤكد احتفاظ العائلة الإمبراطورية بشعبيتها حتى الآن، فقد أثارت مراسم تنصيب الإمبراطور حفيظة كثير من المواطنين الملحدين والمسيحيين، حتى اشتكى بعضهم إلى القضاء الياباني باعتبار أن المراسم -التي كلفت الحكومة نحو 25 مليون دولار- تنتهك الدستور العلماني.
من ناحية أخرى، ثمة تساؤلات ملحّة بشأن التغييرات الاجتماعية العميقة التي أحدثتها الإصلاحات، فالفراغ الروحي الناشئ عن تبدّد البوذية والشنتوية لم يُملأ بعد، إذ يصرّح 86% من اليابانيين بأنهم ملحدون؛ مما يضع بلادهم في المرتبة الثانية عالميا على قائمة الإلحاد، ولا يخفى ارتباط الإلحاد بالمادية وما ينشأ عنها من اضطراب في الأسئلة الوجودية ومعنى الحياة.
ولعل هذا يفسر -جزئيا- انغماس الأجيال الجديدة في قيم مجتمعات اللذة، وارتفاع نسب الاكتئاب والعزلة والانتحار، والعزوف عن الزواج والإنجاب. ويبدو أن المعجزة الاقتصادية التي حققها جيل إعادة الإعمار أصبحت الآن أمام تحديات وجودية كبيرة مع تزايد أزمات الشباب وانهيار المنظومة الأسرية. وقد يرى البعض أن أزمات التفسخ الاجتماعي لا يُصلحها تاريخيا سوى شحن الأجيال الجديدة بقيم الحرب من جديد، لا سيما بعد تبدّل العدو من “دول الحلفاء” في الغرب إلى الشيوعية الصينية.
الليبرالية القومية
مع أن اليابان بلد ديمقراطي يتبنى الليبرالية العلمانية والحداثة الغربية، فإن النموذج الياباني للحداثة له طابع خاص، فهو لم ينشأ داخليا ونتيجة لحراك اجتماعي أو صراع بين الطبقات، بل فُرض من الأعلى بِيد الإمبراطور ميجي الذي استورد إصلاحاته من أوروبا مستفيدا من ثورة شعبية ساخطة على النظام العسكري (الشوغوني)، ثم فُرضت نسخته الحديثة بِيد الاحتلال الأميركي بعد هزيمة عسكرية مؤلمة، فكانت النتيجة خليطًا من الأفكار الليبرالية والنزعة القومية المحافظة.
ولعل الحزب الديمقراطي الليبرالي (LDP) خير ممثّل لهذا الخليط الفكري والسياسي، فهو من أبرز الأحزاب المتصدرة للمشهد السياسي منذ تأسيسه بعد انتهاء الاحتلال، ويُصنف حزبا يمينيا معتدلا، وما زال على رأس الحكومة منذ عام 2012.
كان البرنامج الانتخابي للحزب الديمقراطي الليبرالي يتضمن وعودا طموحة قبل صعوده الأخير إلى الحكم، وهي وعود غير مسبوقة في مرحلة ما بعد الاحتلال، فإلى جانب الوعود بدفع الاقتصاد إلى تجاوز الركود، شدد الحزب على مراجعة دور قوات الدفاع وتعزيز المكانة الدولية لليابان، ورفَع الكثير من الشعارات القومية لتعزيز الفخر الوطني.
ترافقت الحملة الانتخابية للحزب عام 2012 مع احتدام النزاع البحري بين اليابان والصين، وبالتوازي مع تزايد الحملات الدعائية التي ينظمها الحزب الشيوعي الصيني لربط مشروعه الاقتصادي الطموح بالقومية الصينية؛ مما دفع اليابانيين في المقابل إلى استعادة أمجادهم القومية والتشبث بها.
وفي خطوة تاريخية، أقر البرلمان عام 2015 قانونا يعيد تفسير المادة التاسعة من الدستور التي تحظر على اليابان استخدام القوة لحل النزاعات إلا في حالات الدفاع عن النفس، بحيث أصبح من المسموح به “الدفاع الجماعي عن النفس” أي استخدام القوة للدفاع عن حلفاء يتعرضون لهجوم، وهذا يعني السماح للقوات اليابانية بالقتال خارج حدود البلاد لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية. وهو أمر نددت به الصين حينئذ، وقالت إن اليابان “تخلت عن سياستها السلمية”.
وفي عام 2022، شنت روسيا حربا واسعة على وكرانيا، وأطلقت كوريا الشمالية عدة صواريخ باليستية في المجال الجوي الياباني، كما توالت التقارير الاستخبارية عن خطة صينية لغزو جزيرة تايوان في السنوات القليلة المقبلة. وإزاء هذه التطورات الخطيرة، أصدرت الحكومة اليابانية ثلاث وثائق إستراتيجية جديدة في أواخر العام نفسه، وهي إستراتيجية الأمن القومي (NSS) وإستراتيجية الدفاع الوطني (NDS) وبرنامج تعزيز الدفاع (DBP)، وتنص هذه الوثائق على أن اليابان تواجه الوضع الأمني الأكثر خطورة منذ الحرب العالمية الثانية، مشددة على ضرورة تطوير القدرات الدفاعية وتعزيز الردع، بالتوازي مع تعميق التحالف الأمني مع الولايات المتحدة.
ومن أهم ملامح الإستراتيجية اليابانية الجديدة سعيُها لتجاوز المادة التاسعة من دستورها التي تحصر دور جيشها في الدفاع، وعزمها على امتلاك “قدرات الهجوم المضاد” التي تمكّنها من ضرب الصين وكوريا الشمالية في عمق أراضيهما في حال تعرضها لهجوم.
ومنذ الإعلان عن الإستراتيجية الجديدة، رفعت اليابان إنفاقها الدفاعي بنسبة 50%، تمهيدا لمضاعفة نسبة الإنفاق الدفاعي السنوي إلى الناتج المحلي الإجمالي من 1% إلى 2% بحلول عام 2027، في محاولة للحاق بالصين التي يتجاوز إنفاقها الدفاعي نظيره الياباني بأكثر من أربعة أضعاف، وذلك بعدما كان إنفاق اليابان الدفاعي ضعف نظيره الصيني في مطلع الألفية.
واللافت أن توجهات اليابان الجديدة لا تلقى الترحيب الكافي من اليابانيين، فقبل إقرار قانون “الدفاع الجماعي عن النفس” في 2015 كان الآلاف يحتشدون في الشوارع وأمام البرلمان طوال أسابيع لرفض القانون والمطالبة بإسقاط الحكومة، كما كشفت استطلاعات للرأي آنذاك أن أكثر من نصف الشعب يرفضون تخلي بلادهم عن سلميتها، وأنهم يعتبرون القراءة الجديدة للدستور محاولة لدفع البلاد إلى القتال إلى جانب الأميركيين في مناطق أخرى من العالم، مع أن الدستور السلمي قد فُرض من قبل الأميركيين أنفسهم قبل نحو سبعة عقود، قبل أن تتحول الولاءات والعداوات إلى النقيض.
وعندما أقرت الحكومة إستراتيجيتها الدفاعية الجديدة خرجت مظاهرات حاشدة للاحتجاج عليها، وكشف استطلاع للرأي أجري في ربيع 2023 أن 19% فقط من اليابانيين يؤيدون خطة زيادة الإنفاق الدفاعي، وقال 48% من الرافضين للخطة إن سبب رفضهم هو عدم قدرة الجمهور على تحمل الأعباء الضريبية لتمويلها، لا سيما مع ارتفاع حجم الدَّين الوطني المستحق على بلادهم.
ومع ذلك، تواصل الحكومة اليابانية سعيها الحثيث لاستدراك ما فاتها من تسليح، كما تبذل جهودا إضافية لتعزيز تحالفها الأمني مع الولايات المتحدة. ففي أبريل/نيسان الماضي استضافت واشنطن قمة أميركية يابانية استثنائية، قال فيها رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا مخاطبا الكونغرس الأميركي إن العلاقات بين البلدين لم تكن يومًا أوثق مما هي عليه الآن، وإن رؤى وتوجهات البلدين أصبحت أكثر اتحادا. كما جاء في البيان المشترك للقمة أن العلاقة بين البلدين “لا حدود لها”.
وبدوره، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن أن التحالف مع اليابان ليس موجها ضد دولة معينة ولا يُشكّل تهديدا للمنطقة، وشدد في الوقت نفسه على التزام بلاده بالدفاع عن اليابان وفقا لاتفاقية التعاون المشترك. لكن كيشيدا كان أكثر وضوحا في خطابه أمام الكونغرس، وقال إن الصين تُشكّل أكبر تحدٍّ لأمن بلاده، ولأمن واستقرار المجتمع الدولي أيضًا.
وفي ظل هذا الواقع الجديد، وبعدما نجحت الولايات المتحدة في نقل اليابان من خانة العدو إلى رأس قائمة الحلفاء، ومع تمايز الصفوف واتفاق البلدين على مواجهة الصين وروسيا، لم تعد القومية اليابانية مصدر قلق في واشنطن وحلف شمال الأطلسي (الناتو) كما كانت في الماضي، بل أصبحت محل ترحيب لدفع الشباب الياباني إلى حمل السلاح مجددا، ليس للدفاع عن الإمبراطور سليل “إلهة الشمس”، ولا للانتحار فداءً لأرض الآلهة، بل للحفاظ على خريطة القطب الواحد للعالم الذي تتصدره الولايات المتحدة.