قبة جامعة القاهرة هبة أميرة | ثقافة
القاهرة- داخل القصر الفخم، كانت الفكرة تأخذ مسارها نحو التحول إلى واقع، فالأميرة تجمع حُليها من الذهب والماس والياقوت والزمرد، صحيح أن لكل جوهرة ذكرى لكن المساهمة في بناء أول جامعة مصرية سيكون لها أهم الذكريات.
كانت الأميرة فاطمة إسماعيل، ابنة حاكم مصر سابقا الخديوي إسماعيل، في غاية الحماسة بينما تقدم مجوهراتها الثمينة لطبيبها الخاص الذي سيقوم بدوره ببيعها خارج البلاد ليغطي ثمنها نفقات تشييد مباني جامعة فؤاد الأول التي سيصبح اسمها بعد زوال العهد الملكي جامعة القاهرة.
لم تكتف ابنة الخديوي بتلك الهبة بل أوقفت من أملاكها 661 فدانا ليغطي ريعها باقي نفقات الجامعة، وتبرعت بأرض مساحتها 6 أفدنة لتكون مقرا للجامعة.
وبُنيت الجامعة كما تمنت الأميرة لكن الموت كان أسبق لها من موعد الافتتاح، وبعد أكثر من مئة عام من بناء أول صرح للتعليم العالي بمصر، اعتبرت وزارة الآثار والسياحة مبنى قبة الجامعة وساعة الجامعة في عداد الآثار، بموجب قرار وزاري صدر قبل أيام.
قصة البداية
اختمرت فكرة بناء جامعة مصرية في رأس رواد حركة التنوير وقادة الحركة الوطنية، أوائل القرن الماضي، وبالوقت تزايدت النقاشات عبر صفحات الجرائد وخلال المجالس الثقافية.
وواجهت الفكرة عقبتين أولهما الاحتلال البريطاني الذي ارتأى في الجامعة خطرا، فالتعليم العالي يزيد فرص زيادة طبقة المثقفين وينمي شخصيات ترفض الاستعمار كما يكون المقر الجامعي نبتة للاحتجاج.
وكانت العقبة الثانية هي التمويل، فإنشاء جامعة يحتاج لنفقات كبيرة، وهو ما دفع المتحمسين للفكرة إلى طرح اكتتاب عام على صفحات الجرائد لجمع الأموال اللازمة، وبالنسبة لسلطات الاحتلال فقد ارتكنت الحركة الوطنية إلى مسار الطمأنة بإعلان عدم تجاوز الجامعة كونها صرحا تعليميا فقط بعيدا عن أي فعل سياسي.
ولم تنجح فكرة الاكتتاب في جمع أموال كافية، فتم افتتاحها كجامعة أهلية عام 1908، دون وجود مقر دائم لها، وكانت الصحف هي السبيل للإعلان عن مكان المحاضرات كقاعة مجلس الشورى أو نادي المدارس العليا ثم استأجرت قصرا لنفس الغرض.
ونتيجة لتلك الحالة التعليمية غير المنضبطة مع تنامي الاقتناع بضرورة استمرار وجود الجامعة ظهرت فكرة إنشاء جامعة حكومية، ولكن تلك المرة ظهر ممول متحمس لنشر العلم والثقافة وهو الأميرة فاطمة إسماعيل.
ووضع حجر الأساس لبناء الجامعة الحكومية في مارس/آذار 1914، ونُقش على حجر الأساس عبارة “الجامعة المصرية، الأميرة فاطمة بنت إسماعيل، سنة 1332 هجرية”.
وعام 1925 صدر مرسوم بقانون إنشاء الجامعة الحكومية وبعد 3 سنوات بدأ العمل في إنشاء المقار ببناء أولى الكليات وهي الآداب التي نقش أعلى بابها الرئيسي “هذه من آثار حضرة صاحبة السمو الأميرة فاطمة إسماعيل” كإشارة لصاحبة الفضل والتي توفت عام 1920 قبل أن تشهد تحقق حلمها.
قبة الجامعة
تستقبل قبة خضراء ضخمة زائر الجامعة عند الباب الرئيسي، وهي المعلم الأهم لأول صرح جامعي مصري.
وامتد بناء مبنى قبة الجامعة نحو 6 سنوات، أما القبة نفسها التي تعلوه فاستغرق بناؤها نحو 3 سنوات حيث تولى أساتذة من مدرسة الهندسة العليا مسؤولية التصميم والبناء بعدما فشل مهندسون بريطانيون في تنفيذها حيث سقطت أكثر من مرة لتنتهي أعمال البناء تماما عام 1936.
ويضم مبنى قبة الجامعة قاعة كبرى تحتضن الاحتفالات الهامة وتتسع لنحو 4 آلاف ضيف، وبهوًا يعد مقصدا لمعارض فنية. كما يشتمل المبنى على عدة مكاتب إدارية من بينها مكتب رئيس الجامعة.
وظل مبنى قبة الجامعة مقصدا لعديد من الرؤساء سواء للحصول على الدكتوراة الفخرية أو إلقاء الخطابات، فداوم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على إلقاء خطاب سنوي من داخله بمناسبة عيد العلم، وكان مقصدا للرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك ليوجه خطابا عام 1996.
وعام 2009، ألقى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما خطابا للعالم الإسلامي من تحت قبة جامعة القاهرة بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، وزار الرئيس التركي رجب أردوغان -كان وقتئذ رئيسا للوزراء- جامعة القاهرة عام 2012، ليلقي خطابا من داخل مبنى القبة هنأ خلاله الشعب المصري على ثورة الـ25 من يناير/كانون الثاني.
ساعة الجامعة
منذ تشييد ساعة الجامعة عام 1937 وهي ترتبط بالإذاعة المصرية، فلا يبدأ أي بث لنشرة إخبارية إلا بإعلان دقات الساعة الشهيرة.
وتعلو الساعة برج يصل ارتفاعه نحو 42 مترًا، ويتم الوصول للساعة من خلال سلم يتكون من 168 درجة، في نهايته 5 أجراس وبه 4 ساعات تضاء ليلاً.
وبحسب الموقع الرسمي لجامعة القاهرة، فإن الهدف من إنشاء الساعة أن تصبح بديلًا للجرس الذي كان يستخدم داخل كل كلية عند بدء وانتهاء المحاضرات.
وتتكون الساعة من 5 أجراس ذات حركة ميكانيكية تجعلها تدق كل ربع ساعة 4 دقات، وكل نصف ساعة 8 دقات وكل 45 دقيقة 12 دقة، أما الجرس الخامس وهو أكبر الأجراس يدق على رأس كل ساعة.
وبمرور الزمن أصبحت دقات الساعة متقطعة العمل بسبب أعطال متكررة، مما دفع إدارة الجامعة للإعلان عن بدء أعمال الصيانة بها، وفي أبريل/نيسان 2022، أعلنت عودة الساعة للعمل دون انقطاع بعد تطوير الأجزاء الميكانيكية والكهربائية غير الأثرية بشكل يضمن الصيانة الدائمة لها.
خريجون مؤثرون
منذ افتتاح جامعة القاهرة وهي قبلة للعديد من الطلاب الذين سيصبحون بعد ذلك مؤثرين في مجالات تخصصهم مثل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والرئيس المصري الراحل محمد مرسي.
كذلك تخرج منها الحائز على جائزة نوبل في الآداب (نجيب محفوظ) والحائز على جائزة نوبل للسلام (محمد البرادعي).
ومن أعلام خريجي جامعة القاهرة أيضا الأديب المصري طه حسين، والأديب السعودي غازي القصيبي، والجراح المصري مجدي يعقوب، وعالمة الذرة سميرة موسى.
كما منحت الجامعة الدكتوراة الفخرية للعديد من الرؤساء الراحلين مثل الأميركي تيودور روزفلت، والفرنسي فاليري جيسكار ديستان، والتونسي الحبيب بورقيبة، والباكستاني محمد أيوب خان، وكذلك الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا. كما منح هذه الجائزة ملك المغرب الراحل، وملك السعودية الحالي سلمان بن عبد العزيز.
التصنيف الدولي
توضح المؤشرات الدولية لعام 2024 تقدم جامعة القاهرة بالنسبة لتصنيفها بين الجامعات في باقي دول العالم.
ووضع تصنيف سيماجو لعام 2024 جامعة القاهرة في المرتبة 870 عالميا بينما جاء ترتيبها العام الماضي 1125، بنسبة تقدم بلغت 23%.
ويعتمد هذا التصنيف على 3 معايير رئيسية هي الأداء البحثي ومخرجات الابتكار والتأثير المجتمعي.
وبعد أن جاء ترتيب الجامعة في تصنيف ليدن الهولندي لعام 2023 (يُعنى بتقييم الأداء البحثي) في المركز 279 تقدم العام الجاري ليصبح في المرتبة 260.
واختار التصنيف العربي للجامعات العربية جامعة القاهرة لتكون صاحبة المركز الثاني من بين 115 جامعة عربية للعام الجاري، وهو نفس الترتيب الذي احتلته العام السابق.
واحتفظت جامعة القاهرة هذا العام بنفس ترتيبها العام الماضي بتصنيف شنغهاي الصيني العام حيث جاءت بالمركز (301-400).