إليزابيث حنا ناصر.. أول امرأة مديرة لدائرة الشؤون الاجتماعية بالقدس | الموسوعة
مقدسية صنعت تاريخا في مجال التعليم والثقافة والمعرفة والرعاية الاجتماعية، هي من أوائل من حمل الدرجة الجامعية من الفلسطينيات، وأول امرأة تشغل منصب مدير دائرة الشؤون الاجتماعية في القدس.
قالت عنها مؤسسة دار الطفل العربي في القدس هند طاهر الحسيني إنها كانت “مدرسة بحد ذاتها”، وقال فيها بواب أحد فنادق القدس إنها كانت “شفيعة المحتاجين”.
الولادة والنشأة
ولدت إليزابيث حنا موسى ناصر مع أختها التوأم فيكتوريا في نابلس عام 1906، وكان ترتيبها السابعة بين شقيقاتها الثماني، إلى جانب شقيقها موسى.
كان والدها القس حنا ناصر من بير زيت راعيا للطائفة الإنجيلية العربية في نابلس في حينه، وأما أمها سعدى شطارة فكانت معلمة في رام الله قبل زواجها من القس حنا عام 1884.
لم تتزوج ولم تنجب كما تفعل النساء، وإنما أنجبت الآلاف ممن أصبحوا رجالا ونساء يمتلكون ناصية العلم والمعرفة والثقافة، وشكلت لهم مربيتهم “مس ناصر” نموذجا حيا لقدسية العلاقة القائمة بين فسيفساء الشعب الفلسطيني، مسلميه ومسيحييه، وبين عائلاته وطوائفه، وهي العلاقة القائمة على الصدق والتفاني في خدمة الوطن.
كانت تعرف في المكتب والدوائر الرسمية بلقب “مس ناصر”، وأما الأصدقاء والعائلة فكانوا يختزلون اسمها إلى “لزي”.
وكان من أعز صديقاتها وزميلاتها في العمل الاجتماعي مؤسسة ورئيسة الاتحاد النسائي العربي في القدس زليخة الشهابي، ومؤسسة ورئيسة دار الطفل العربي هند الحسيني.
الدراسة والتكوين
درست إليزابيث حنا ناصر في كلية القدس للبنات مع بعض أخواتها، ثم تابعت دراستها العليا في الجامعة الأميركية في بيروت، حيث تخرجت بشهادة بكالوريوس في علم الاجتماع عام 1933.
كانت إحدى أربع فتيات مقدسيات تخرجن من الجامعة في منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين، وكانت الوحيدة من بين شقيقاتها السبع، التي تابعت دراستها الجامعية، أسوة بأخيها موسى الذي كان قد تخرج في الجامعة الأميركية عام 1914.
الحياة السياسية والعملية
بدأت إليزابيث مسيرتها العملية معلمة في طبريا، ثم توجهت للعمل الاجتماعي عندما حلت بالشعب الفلسطيني نكبة عام 1948، تغيرت حياتها بين عشية وضحاها، فهجرت بيتها وانتقلت إلى بير زيت.
بدأت بتدريس مادة التاريخ في كلية بير زيت على أمل العودة إلى يافا، وأخذت تسعى إلى العمل في الخدمة الاجتماعية.
شاركت في العديد من المؤتمرات واللقاءات والمظاهرات والاحتجاجات ضمن الحركة النسائية الفلسطينية.
في عام 1952 راودتها فكرة إنشاء دار للفتيات المشردات وحمايتهن من الشارع، وانطلقت إلى الشوارع والمقاهي تبحث عنهن، وخصصت ركنا من منزلها المستأجر لتحتضن فيه هؤلاء الفتيات وتوفر لهن بعض شروط الحياة الكريمة.
سمّت ملجأها هذا “جمعية روضة الزهور”، وبمساعدة أصحاب الأيادي الكريمة، بدأت الجمعية بإيواء 25 فتاة.
وكانت الجمعية تهدف لإيواء الفتيات وتعليمهن، وركزت على محو الأمية والتدريب الصحي والتدبير المنزلي وتعليم الخياطة والتطريز والموسيقى.
وقد شهد لها المجتمع المقدسي بدورها الفعال في القضاء على ظاهرة التسول في القدس قبل عام 1967. وبعد حرب 1967 طوّرت الروضة لتصبح مدرسة أساسية مختلطة تتبع المنهاج الوطني.
يقول الدكتور كرمي أبو لبدة، وهو أحد من تربوا على يديها، إنه كان من أكثر الطلبة مكوثا في مدرسة روضة الزهور، وكان رفيقا لوالدته المعلمة في المدرسة منذ الشهر الثاني من عمره، ثم التحق بالمدرسة طالبا منتظما من صف الروضة وحتى الصف السادس.
كانت إليزابيث تبحث عن المحتاجين لتسد جوعهم وتخفف أوجاعهم، وكانت تجمع ما تبقى من أكل عند وجودها في المطعم، بما فيه الزيتون والخبز لفتياتها وللعاملات.
السكرتير العام للمعهد الفرنسي مازن نوفل هو أيضا من المقدسيين الذين انتشلتهم “مس ناصر” من بين براثن الفقر والعوز، وكانت تمد لأسرته يد المساعدة، وأعفتهم من أقساط التعليم وساعدتهم في مناح أخرى كثيرة.
الوظائف والمسؤوليات
عملت إليزابيث معلمة في طبريا ثم في الخليل وبعدها في القدس، ثم توجهت للعمل الاجتماعي، مثلها مثل شقيقتها التوأم، وواصلت تخصصها الجامعي في علم الاجتماع.
وعملتا معا في القدس مساعدتين اجتماعيتين، ثم انتقلت هي إلى يافا، في حين انتقلت شقيقتها التوأم إلى نابلس، وبعد النكبة هجرت إلى بير زيت.
تم تعيين إليزابيث عاملة اجتماعية في دائرة الشؤون الاجتماعية في القدس، والتابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية الأردنية في عمّان.
أصبحت فيما بعد مراقبة سلوك، ومن ثم عينت مديرة لدائرة الشؤون الاجتماعية، وكانت أول سيدة تشغل هذا المنصب في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، وبقيت في منصبها الحكومي إلى أن تقاعدت عام 1964.
كما كانت عضوا في الهيئة الإدارية للاتحاد النسائي العربي، وعضوا في الهيئة الإدارية لدار الطفل العربي.
الوفاة
توفيت إليزابيث حنا ناصر في الأول من أبريل/نيسان 1987.