هند طاهر الحسيني.. “الأم تيريزا الفلسطينية” | الموسوعة
من رائدات التربية والعمل التطوعي والاجتماعي في فلسطين، ومن أبرز المقدسيات اللواتي كرسن حياتهن لرعاية الأيتام والفقراء وأبناء الشهداء. ولدت في القدس عام 1916، وكانت نموذجا فريدا للمربية والمعلمة والأم المخلصة لأمتها ووطنها.
قضت معظم حياتها في خدمة مؤسسة “دار الطفل العربي”، وعملت جاهدة على توفير كل ما يلزم لصمودها وتطورها من دعم ومال بمساعدة أصدقائها والمانحين من شتى أنحاء العالم.
الولادة والنشأة
ولدت هند طاهر الحسيني -الملقبة بـ”قلب فلسطين” و”أم اليتامى” و”الأم تيريزا الفلسطينية”- في القدس الشريف بتاريخ 25 أبريل/نيسان 1916 في بيت جدها لأمها محمد صالح الحسيني، وهي الدار التي عرفت فيما بعد بـ”دار الطفل العربي”، وتقع في حي الشيخ جراح شمال البلدة القديمة في القدس.
وتنحدر هند من عائلة تميزت بالعلم والقيادة، وشغل كثير من أفرادها مناصب مهمة في فلسطين. وتعد هند من أعلام العائلة خاصة وبيت المقدس عموما.
توفي والدها وعمرها سنتان، فجاهدت والدتها فاطمة في تربيتها هي وخمسة من إخوانها وهم: برهان والمهدي وصادق وزين وجمال. ولكونها أصغر هؤلاء الإخوة، فإن ذلك كان له الأثر الأكبر في حياتها العملية.
لم تتزوج هند، ولكنها كرّست حياتها في تربية أجيال من اليتامى والمستضعفين، وربما كان ليتمها دور في نجاحها في هذه المهمة العظيمة.
الدراسة والتكوين
درست في مدرسة “البنات الإسلامية”، الملاصقة للمسجد الأقصى المبارك، وأنهت الدراسة الابتدائية عام 1922، ومن ثم التحقت بالمدرسة الإنجليزية الثانوية للبنات وتخرجت فيها عام 1937.
عملت بعد ذلك في حقل التعليم، وفيما بين عامي 1936 و1939، أي خلال الإضراب العام الفلسطيني، والثورة ضد الهجرة اليهودية إلى فلسطين وضد المشروع الصهيوني، حصلت هند على منحة دراسية في بريطانيا، ولكن والدتها لم تسمح لها بالسفر، خاصة أن تلك الفترة كانت فترة حرب.
ولم تستسلم هند طاهر الحسيني للظروف، بل اجتهدت ودرست اللغة العربية واللغة الإنجليزية عام 1938 بجهود ودروس خاصة.
التجربة السياسية والعملية
عملت مُعلمة في مدرسة البنات الإسلامية لمدة سنة دراسية، وتوقفت عن التدريس إثر اندلاع الحرب العالمية الثانية لفترة قصيرة، ثم واصلت حتى نهاية العام الدراسي 1945.
في عام 1945 تركت مهنة التعليم وبدأت مرحلة العمل الاجتماعي التطوعي، وأنشأت جمعية التضامن الاجتماعي النسائي في القدس، وانتشرت فروعها في أنحاء فلسطين إلى أن وصل عددها 22 فرعا.
بدأت حرب 1948 وتقطعت أوصال البلاد، وتوقفت الجمعيات عن العمل، وحدث كثير من المآسي، وكانت أكثرها وحشية مذبحة دير ياسين.
جمعت هند -وبمساعدة عدنان التميمي- 55 طفلا وطفلة من أيتام دير ياسين، ووضعتهم في غرفتين استأجرتهما في سوق الحصر، وهو سوق صغير يقع في نهاية سوق البازار بالبلدة القديمة، ولم تكن تملك يومذاك سوى 138 جنيها فلسطينيا، وآلت على نفسها أن تعيش بها مع هؤلاء الأيتام.
وكانت تلك بداية تأسيس مؤسسة دار الطفل العربي في بيت جدها الذي عاشت فيه في حي الشيخ جراح. ولما انتظمت المدارس وزعت هند الأطفال الذين جمعتهم على الصفوف المناسبة لسنهم من أجل تلقي العلم.
ثم وجدت أن الأنسب لهم فتح صفوف دراسية في حرم المنزل الذي يقيمون فيه، فحولت الكراج وإصطبل الخيل وبيت سكن ساسة الخيول إلى صفوف مؤقتة تحت إشرافها المباشر.
في عام 1961 تمكنت من بناء الطابق الأول من بناية المدرسة بتبرع من شركة أرامكو السعودية، وفي عام 1965 تم بناء الطابق الثاني من المدرسة بتبرع من آل الشايع في الكويت، وفي عام 1969 تم بناء الطابق الثالث من عمارة المدرسة وفيها الصفوف الثانوية والمكتبة، وقسم من المنزل الداخلي حيث تقيم بعض الطالبات اليتيمات.
في الستينيات من القرن العشرين بدأت بجمع الثياب المطرزة إلى أن أصبح لديها 3200 قطعة، فبدأت بفكرة المتحف الشعبي حفاظا على التراث من الضياع والنهب والتشويه، ودأبت على إثراء المتحف، كلما أتيحت لها الفرصة لزيادة مقتنياته.
ويتميز المتحف الذي تأسس عام 1962 ببنائه التراثي أواسط الحقبة العثمانية، وأصله بيت خالها من عائلة الحسيني وتم شراؤه من ورثة مالكيه، وبما يحتويه من مجموعة ثمينة ونادرة من الأزياء والحلي الفلسطينية وأدوات الحرف التقليدية والقطع الأثرية. كما بدأت بتأسيس فرقة للرقص الشعبي عدد أفرادها 20 فتاة.
وفي عام 1970 تم بناء عمارة للأطفال من تبرعات الكنيسة الألمانية اللوثرية، وفي عام 1971 تم إنشاء معهد التربية والخدمة الاجتماعية، وبذلك تدرجت الجمعية إلى أن أصبحت حيا كاملا.
وفي عام 1982 تم إنجاز بناية كلية الآداب للبنات بمساعدة من منظمة المؤتمر الإسلامي (غيرت اسمها فيما بعد إلى منظمة التعاون الإسلامي)، وفي العام نفسه تم شراء بيت الأديب الفلسطيني الكبير المرحوم إسعاف النشاشيبي وبدأ إعداده ليكون مركز أبحاث إسلامية ومعهدا عاليا يمنح درجة الماجستير في الآثار والحضارة الإسلامية في القدس الشريف.
مساهمات وإنجازات
شاركت هند الحسيني في عدة مؤتمرات، ومنها:
- مؤتمر خبراء التدريب المهني للشرق الأوسط، الذي عقد في لبنان عام 1953 وقدمت فيه تجربتها: دار الطفل والحقل الاجتماعي.
- حلقة الدراسات الاجتماعية الثالثة للدول العربية في دمشق عام 1952 بصفة مراقب.
- حلقة الدراسات الاجتماعية للدول العربية في عمّان، والتي نظمتها جامعة الدول العربية عام 1956.
- حلقة دراسية عن دور المرأة الريفية واشتراكها في برنامج النهوض بالمجتمع الريفي، نظمتها جامعة الدول العربية عام 1959.
شاركت في عضوية العديد من المؤسسات والهيئات الاجتماعية والتعليمية، إذ كانت:
- عضوا في مجلس إدارة جمعية الفتاة اللاجئة.
- عضوا في مجلس إدارة جمعية المشروع الإنشائي.
- من مؤسسي جمعية المقاصد الخيرية.
- عضوا في مجلس إدارة اليتيم العربي.
- عضوا في مجلس أمناء جامعة القدس.
- رئيسة مجلس أمناء كلية الآداب للبنات-جامعة القدس.
الوفاة
توفيت هند الحسيني عام 1994. وأنتج عنها شريطان وثائقيان في عام 2010، الأول بعنوان “ميرال”، أنتجه المخرج الأميركي جوليان شنابل، وهو نظرة جديدة على فلسطين القديمة، ويعد أول إنتاج سينمائي غربي يعرض صورة مغايرة للمجتمع الفلسطيني قبل التهجير وقبل تدمير بناه الاجتماعية.
والفيلم الثاني أنتجته ساهرة درباس، وروت فيه جزءا من حياة هند طاهر الحسيني.