بنغلاديش في قبضة الجيش والطلبة ينادون بنصير الفقراء رئيسا للحكومة | أخبار
باتت بنغلاديش في قبضة الجيش النافذ في البلاد، في حين دعا الطلبة الذين نظموا الاحتجاجات إلى تولي محمد يونس -مؤسس بنك الفقراء والحائز على جائزة نوبل- الحكومةَ المؤقتة، غداة فرار الشيخة حسينة إلى الهند، وسط اضطرابات لم تنتهِ بعد؛ رغم الفرحة العارمة التي تعم البلاد بعد الإطاحة بها.
واستبقت قيادات الطلبة اجتماعا مرتقبا مع قائد الجيش في وقت لاحق اليوم الثلاثاء بالإعلان عن عزمهم الضغط من أجل تولي محمد يونس (84 عاما) رئاسة الحكومة المؤقتة.
وأفادت المنظمة، في منشور بالفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، بأن قادة الاحتجاج الطلابي “تحدثوا بالفعل مع يونس، الذي وافق على تولي المسؤولية بالنظر إلى الوضع الحالي في البلاد”.
كما ذكرت قيادات الطلبة أنهم سيعلنون عن المزيد من الأسماء للحكومة، “وسيكون من الصعب “على القيادة الحالية تجاهل خياراتهم.
ويونس موجود حاليا في أوروبا وأفاد مساعد مقرب منه في وقت متأخر أمس بأنه لم يحصل حتى اللحظة على أي عرض من الجيش لقيادة الحكومة المؤقتة.
وواجه يونس، الذي وصف استقالة حسينة بأنها “يوم التحرير الثاني” للبلاد، عددا من اتهامات الفساد وتم تقديمه للمحاكمة أثناء حكم رئيسة الوزراء السابقة التي اتهمته بـ”مص دماء” الفقراء.
وسبق أن حصل يونس على جائزة نوبل للسلام في عام 2006 بعد أن كان رائدا في مجال الإقراض الصغير، وقال إن اتهامات الفساد الموجهة إليه كانت بدافع الانتقام.
وعود
وأعلن قائد الجيش الجنرال وقر الزمان في بث على التلفزيون الرسمي استقالة الشيخة حسينة من منصبها كرئيسة للوزراء مؤكدا أن الجيش سيشكّل حكومة تصريف أعمال مؤقتة قريبا.
وأكد أنه سيتم رفع حظر التجول صباح اليوم الثلاثاء وسط توقعات بأن يقود الجيش حكومة مؤقتة. وقال بعد وقت قصير من اقتحام الحشود مقر إقامة حسينة ونهبه إن “البلد عانى كثيرا وتضرر الاقتصاد وقتل عدد كبير من الناس، وحان الوقت لوقف العنف”.
وأمر الرئيس البنغلاديشي محمد شهاب الدين في وقت متأخر أمس بالإفراج عن الأشخاص الذين سجنوا على خلفية الاحتجاجات وعن رئيسة الوزراء السابقة وزعيمة المعارضة خالدة ضياء (78 عاما) التي سجنتها حسينة عام 2018 بتهم الفساد، والتي تعاني من وضع صحي متدهور.
واجتمع الرئيس وقائد الجيش أيضا في وقت متأخر أمس، إلى جانب قادة للمعارضة، وأعلن الرئيس شهاب الدين، بعد الاجتماع أنه سيتم “حل البرلمان وتشكيل حكومة وطنية في أقرب وقت ممكن”، مما يؤدي إلى انتخابات جديدة.
وأعلن فريق العلاقات العامة الخاص بالرئيس بأنه تم “اتخاذ قرار بتشكيل حكومة مؤقتة فورا”، لكن لم يتضح بعد إن كان سيرأسها قائد الجيش الذي أعلن مساء أمس إغلاق مطار دكا الدولي من دون توضيح الأسباب.
وفي تصريحاته المتلفزة، قال الجنرال زمان، الذي تولى منصب قائد الجيش في 23 يونيو/حزيران الماضي فقط: “إن البلاد تمر بفترة ثورية، وأعدكم جميعا بأننا سنحقق العدالة لجميع جرائم القتل والظلم ونطلب منكم أن تثقوا بجيش البلاد”.
ووعد واقر الزمان بأن الجيش سوف يحقق في حملة القمع التي خلّفت ما يقرب من 300 قتيل منذ منتصف يوليو/تموز، وهي واحدة من أسوأ عمليات إراقة الدماء في البلاد منذ حرب الاستقلال عام 1971، والتي أججت الغضب ضد الحكومة.
وطبقا لصحيفة “بروثوم ألو” اليومية الواسعة الانتشار في البلاد والتي تصدر باللغة البنغالية، تم اعتقال ما لا يقل عن 11 ألف شخص في الأسابيع الأخيرة. وقال واقر الزمان: “حافظوا على ثقتكم في الجيش. سوف نحقق في جميع عمليات القتل ونعاقب المسؤولين”.
ويعرف عن بنغلاديش تاريخها الطويل في الانقلابات، حيث يتمتع الجيش بنفوذ سياسي كبير في البلاد، التي واجهت أكثر من 20 انقلابا أو محاولة انقلاب منذ الاستقلال عام 1971.
وقد التقط البعض صور “سيلفي” مع الجنود الذين يحرسون المبنى، حيث نهب المتظاهرون الغاضبون قبل يوم واحد الأثاث واللوحات وحتى الدجاج وأواني الزهور الخاصة برئيسة الوزراء السابقة.
الهدوء والفوضى
وبدت شوارع العاصمة دكا هادئة نسبيا اليوم، مع عدم وجود تقارير عن أعمال عنف جديدة. وتم رفع حظر التجول، واستعادة الاتصالات إلى حد كبير، وتم إطلاق سراح العشرات من المتظاهرين الذين اعتقلوا خلال أسابيع من الاحتجاجات.
ولا يزال المتظاهرون المبتهجون يتزاحمون على مقر إقامة الزعيمة المخلوعة بعدما قُتل 109 أشخاص على الأقلّ خلال اضطرابات شهدتها البلاد أمس حسبما أفادت الشرطة وأطباء.
وتعد حصيلة القتلى هذه الأعلى التي تسجل خلال يوم واحد منذ بدء الاحتجاجات الطلابية في مطلع يوليو/تموز الماضي، وهذا يرفع إجمالي قتلى المظاهرات إلى 409، بحسب تعداد أجرته وكالة فرانس برس استنادا إلى بيانات صادرة عن الشرطة ومسؤولين حكوميين وأطباء.
واقتحم متظاهرون البرلمان أمس وأحرقوا محطات تلفزيونية بينما حطم عدد منهم تماثيل لوالد حسينة، الشيخ مجيب الرحمن الملقب بـ”بطل الاستقلال”.
وأضرم آخرون النار في متحف مخصص للزعيم السابق، فالتهمت ألسنة اللهب الصور، في مشهد لم يكن من الممكن تخيله قبل ساعات فقط، عندما كانت حسينة تحظى بدعم القوات الأمنية لحكمها الاستبدادي.
وحسب شهود عيان تعرضت مكاتب رابطة عوامي، حزب حسينة، إلى الحرق والنهب في أنحاء البلاد، كما اقتحمت حشود المبتهجين المقار الفخمة التابعة للرئاسة بدون معارضة، ونهبت الأثاث وأجهزة التلفاز.
في غضون ذلك حث حزب المعارضة الرئيسي في بنغلاديش (حزب القوميين في بنغلاديش) الناسَ اليوم على ممارسة ضبط النفس، واصفا المرحلة بأنها “لحظة انتقالية في مسارنا الديمقراطي”.
وكتب طارق رحمن، رئيس الحزب بالنيابة، على منصة إكس يقول: “سيؤدي ذلك إلى هزيمة روح الثورة التي أطاحت بالنظام غير الشرعي والاستبدادي للشيخة حسينة إذا قرر الناس أخذ القانون بأيديهم بدون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة”.
وفي إطار ردود الفعل الدولية شدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على أهمية “الانتقال السلمي والمنظّم والديمقراطي” للسلطة، في دعوة كررها أيضا مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، كما دعت بريطانيا والولايات المتحدة إلى “التهدئة”.
المصير
في غضون ذلك بدا مصير حسينة غير واضح أيضا بعد أن هبطت حسينة في مطار عسكري بالقرب من نيودلهي أمس عقب مغادرتها دكا، والتقت مستشارَ الأمن القومي الهندي أجيت دوفال، حسبما ذكرت صحيفة “إنديان إكسبريس” التي قالت إن حسينة “نُقلت إلى منزل آمن ومن المرجح أن تسافر إلى المملكة المتحدة”.
وبنيما أفاد مصدر عالي المستوى بأنها ستتوقف في الهند قبل استكمال رحلتها إلى لندن، أثارت دعوات الحكومة البريطانية إلى فتح تحقيق تقوده الأمم المتحدة في “مستويات العنف غير المسبوقة”؛ الشكوكَ حيال ذلك.
وصرح ابن حسينة، سجيب وازد جوي، لهيئة الإذاعة البريطانية بأنه يشك في أن والدته ستعود إلى العمل السياسي، كما فعلت في الماضي، قائلا إنها “شعرت بخيبة أمل كبيرة بعد كل عملها الشاق”.
يذكر أن حسينة (76) قد أقامت علاقات مع دول قوية، بما في ذلك الهند والصين المجاورتين. كما كانت العلاقة بين حسينة والولايات المتحدة جيّدة في الغالب، إذ كانت واشنطن تعتبرها شريكة في تحقيق أولوياتها لا سيما “مكافحة التطرّف الإسلامي” وإيواء لاجئي الروهينغا الهاربين من الاضطهاد في بورما.