أسير فلسطيني للجزيرة نت: سجن الرملة مقصلة إعدام للأسرى | سياسة
الخليل- نقل أسير فلسطيني مفرج عنه صورة صعبة لظروف اعتقال الأسرى المرضى في السجون الإسرائيلية، وخاصة في سجن “الرملة” حيث تُحتجز الحالات الأكثر صعوبة، معتبرا ما يجري بحقهم “اغتيالا طبيا”.
وروى راتب حريبات، الذي أُفرج عنه، فجر الأربعاء الماضي بعد اعتقال دام 22 عاما، للجزيرة نت، جانبا من مشاهداته فيما يسميه الاحتلال “مستشفى الرملة”، حيث أمضى فيه 4 سنوات من فترة اعتقاله.
وأضاف أن الأسرى المرضى، وخاصة مرضى السرطان، ومنذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حُرموا من العلاج الدائم لدرجة إعطائهم أقل من حبة مُسكن واحدة في اليوم، مشيرا إلى حادثة تم فيها تقديم حبة “أكامول” (مسكّن آلام) واحدة لـ8 أسرى.
تسمية خاطئة
وتحدث حريبات عن شواهد حية لنقل أسرى مرضى من هذا السجن، إلى سجون أخرى أو أقسام “لا يتوفر فيها شيء من العلاج”. وقال “في الإعلام يسمونه مستشفى الرملة، هذا تعبير خاطئ، أمضيت هناك 4 سنوات في خدمة الأسرى المرضى، التعبير الدقيق مقصلة وبناية الموت ومكان القتل العمد، بل اغتيال طبي، والشواهد حية”.
وأشار حريبات إلى حالتي الأسيرين الشهيدين وليد دقة وخالد الشاويش اللذين كانا في سجن الرملة بشكل دائم، مبينا أن الشاويش كان مُقعدا وظل في الرملة 18 عاما، معتبرا وضعهما مع باقي الأسرى دون علاج مناسب نوعا من “القتل العمد”.
ومنذ بدء الحرب على غزة، ازدادت معاملة السجانين للأسرى عموما والمرضى منهم بشكل خاص سوءا، ويصف حريبات ما يجري بأنه “حالة صراع مع الحكومة الائتلافية المتطرفة، مع قناعتنا أن كل حكومات الاحتلال متسلسلة ومتكاملة لا تقبل بالشعب الفلسطيني وهدفها القضاء عليه”.
وما بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي لا يشبه أي شيء آخر، وما أُضِيف من قمع للأسرى لا يسعه أي قاموس في العالم، “كنا نقول عن كثير من الأشياء من الألف إلى الياء، هم تجاوزوا حرف الياء”، كما يضيف حريبات.
وأشار إلى “تعوّد” الأسرى على الضرب، “كان سهلا، وكنا نشعر بالكرامة عندما كنا نُضرب، لكن أساليب الفترة الأخيرة تمس الكرامة ومحرّمة دوليا، ولا أستطيع ذكرها حرصا على مشاعر ذوي الأسرى”.
ولفت حريبات إلى سياسة “الإذلال الخادش لإنسانية الإنسان”، مؤكدا أن “الاحتلال كشف عن حقيقته، ومن أصعب ما يعانيه الأسرى هو تعريتهم أمام بعضهم، والتعذيب المفضي إلى القتل، وهناك عشرات الشهداء”. وتابع أن وحدات مختصة بالضرب داخل السجون تستخدم الهراوات لضرب رؤوس الأسرى و”الأماكن الحساسة في الجسم حتى لا يستطيع أي أسير أن ينجب مستقبلا”.
تجويع وتعطيش
وبالنسبة إلى سياسة التجويع والتعطيش بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال إنها لم تُتبع في أي مكان في العالم، ففي كل 24 ساعة تتوفر لهم المياه ساعة واحدة بين الثانية والثالثة بعد الظهر، وكان في قسم به 150 أسيرا وعليهم جميعا استغلال ساعة الماء لقضاء الحاجة والاستحمام والغسيل والوضوء والشرب.
وتحدث حريبات عن عدم توفر أي عبوات لحفظ الماء فكان عليهم أن يشربوا في أقصر وقت ممكن أكبر كمية ممكنة لتخزينها في أجسادهم، “لقد كانت سياسة التعايش من أصعب المراحل، ويضاف إليها سياسة التجويع إلا من القليل الذي يبقي الإنسان على قيد الحياة وأبرزه 4 معالق أرز منقوع بماء ساخن”.
مع ذلك يشدد على أن معنويات الأسرى “عالية جدا، ويطمئنون ذويهم، وأكثر ما يشغلهم هو الاطمئنان على عائلاتهم”، حيث أوقف الاحتلال منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، زيارة الأهالي لأسراهم، ومؤخرا سمح بزيارات المحامين لبعضهم.
أما عن الرسالة التي يحملها نيابة عن أكثر من 9 آلاف أسير داخل سجون الاحتلال، فيقول حريبات “هي رسالة الصمود والتحدي والكبرياء، والاحترام والانحناء والتحية لأهالي الشهداء وقطاع غزة”.
وحرص حريبات في كل مرة نسأله عن تجربته رغم طولها وقساوتها، بالرد مُعمما الإجابة عن زملاء الأَسر، مؤكدا “تجربتي الشخصية أمام كبار الأسرى وشهداء الحركة الأسيرة بسيطة حتى لو كانت 22 عاما”.
جمال الحرية
ويوم الإفراج عنه احتجزت قوات الاحتلال الأسيرين حريبات ومحمود أبو صالح الذي أمضى المدة ذاتها، وهما من مدينة دورا جنوب الضفة الغربية، حتى انتصاف الليل. وعن شعوره في لحظة فك قيوده، قال “نعمة الحرية لا تعادلها نعمة، بعد 22 عاما وصلنا إلى نقطة النهاية وهي الحرية، كنا في فلسطين ورجعنا إليها”.
وأضاف “فك القيد شعور لا يوصف، ومحطة يتمناها كافة الأسرى، الحرية شيء جميل جدا، والأجمل ما أشاهده من وحدة والتفاف جماهيري وتضامن واستقبال حافل لم أكن أتخليه وهذا كله ينسيني وجع 22 سنة في السجن”.
ويقول إن الفرحة -مهما كانت كبيرة- منقوصة وبها غصة لوجود “الأبطال” داخل السجون، ويستدرك “هناك بارقة أمل والحرية قادمة وأتمنى أن تتحقق ويخرجوا ويحتضنهم أهاليهم وشعبهم، كما تم احتضاني، هذا أملنا برب العالمين، وهناك أشخاص يسعون دائما وفي كل يوم لحريتهم”.
ونقل عن الأسرى مطالبتهم لشعبهم “بالصمود والثبات والالتفاف حول القيادة والفصائل، وأوّلا وقبل كل شيء الوحدة وباعتبارها سبب انتصارنا”.