إلهان عمر في مقدمتهم.. إنجازات سياسية لافتة للصوماليين بأميركا | سياسة
رغم حداثة عهدها النسبي بالحياة في المَهاجِر، تمكنت الجاليات الصومالية في الغرب من تحقيق إنجازات لافتة في الولوج إلى عوالم السياسة المحلية في البلدان المستضيفة، واستطاع العديد من المغتربين الصوماليين العمل في المؤسسات الحكومية وصولاً إلى قمة هرمها المتمثل في المجالس التشريعية في بلدان كالولايات المتحدة والسويد والنرويج وفنلندا وكندا.
وتعد التجربة الصومالية في الولايات المتحدة الأبرز نظرا لثقل هذه الدولة على مسرح السياسة العالمي وللصعود اللافت لعدد من الأميركيين الصوماليين.
ويشير تقرير لإذاعة صوت أميركا إلى فوز 14 مواطنا أميركيا من أصول صومالية بمقاعد تشريعية في عدد من الولايات بموجب نتائج الانتخابات النصفية عام 2022 التي وصفت بأنها “تاريخية” بالنسبة للصوماليين.
وقبل ذلك بأعوام تمكنت إلهان عمر من الوصول إلى الكونغرس في انتخابات 2018 عن ولاية مينيسوتا، لتصبح أول لاجئة أفريقية تنتخب في المجلس المرموق وكذلك أول سيدة غير بيضاء تفوز بمقعد ولايتها، وما تزال في منصبها منذ ذلك الحين.
تاريخ قريب
الوجود الصومالي الكثيف في أميركا قريب العهد، فوفقا لمقالة هادين غريغز التي نشرتها “جمعية يوتا التاريخية” فإن عدد الصوماليين في الولايات المتحدة عام 1990 كان قرابة 2500 فقط، وكان بعضهم يعيش بتأشيرات مؤقتة نتيجة إدراجهم في برامج تبادل طلابي.
ومع انهيار الدولة في الصومال أواخر ثمانينيات القرن الماضي وما أعقبه من عدم الاستقرار السياسي والحرب الأهلية المستمرة، بدأ الصوماليون النزوح والهجرة ليشهد عددهم تزايداً ملحوظاً في الولايات المتحدة منذ ذلك الحين.
وبحلول عام 2011 منح ما يقرب من 100 ألف صومالي وضع اللاجئ وتمت إعادة توطينهم في الولايات المتحدة، واتخذ نفس الإجراء لأكثر من 47 ألف صومالي بين عامي 2010 و2016، مما أسهم مع مرور الوقت في وجود جاليات صومالية كبيرة في عدد من الولايات أهمها مينيسوتا وأوهايو، ووفقاً لتقديرات أممية تعود إلى عام 2015 فإن الولايات المتحدة تحتضن 150 ألف صومالي من لاجئين وغيرهم.
وتعد مينيسوتا معقلاً لأكبر جالية صومالية أميركية، تليها في الحجم سياتل وكولومبوس في ولاية أوهايو ثم نيويورك وكاليفورنيا، واعتماداً على بيانات التعداد السكاني الأميركي لعام 2021 أشار ملخص حقائق نشره موقع “مين بوست” المعني بشؤون مينيسوتا إلى أن عدد أبناء الجالية الصومالية فيها يبلغ 86 ألفا و610 أفراد وأن ما يقدر بنحو 37 ألفا و48 من سكان الولاية ولدوا في الصومال.
التحول نحو السياسة
في رسالته لنيل الدكتوراة التي درست المجتمع الصومالي في مينيسوتا، يرى صديق عبد الرحمن أن الوعي السياسي والشعور المتزايد بالرغبة في الانخراط بالعمل السياسي والمشاركة الفاعلة في المناقشات والمناظرات السياسية كان شيئاً جديداً و”غير متوقع” بالنسبة للعديد من الناشطين السياسيين الصوماليين وعائلاتهم.
وهو تحول تقف خلفه مجموعة من الدوافع المرتبطة بتمثيل المجتمع والدفاع عن قضاياه ومعالجة التحديات التي يواجهها سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، كالمخاوف التي تعاني منها مجتمعات المهاجرين عموماً والمرتبطة بالإسكان الميسور التكلفة والسلامة العامة وزيادة التمويل للمدارس.
في حين يربط بعض قادة المجتمع في مينيسوتا انخراط الصوماليين في الحياة السياسية في أميركا بتشكل قناعة لدى قطاعات منهم أن “حلم العودة” إلى بلادهم يزداد صعوبة مع تردي الأوضاع الأمنية فيها، في حين أن تجارب الاستقرار في دول إسلامية أخرى لم تكن دوماً مشجعة على الاستمرار.
التحديات المحلية
في هذا السياق تبرز التحديات المحلية الأميركية كعامل مؤثر في التوجه نحو العمل السياسي، حيث دفعت الظروف الضاغطة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 الصوماليين إلى البحث عن طريقة للدفاع عن أنفسهم في مواجهة الصورة النمطية المسيئة للمسلمين من جهة، وللانصهار في البوتقة الأميركية في الوقت نفسه، فكانت الدعوة -وفقاً للمدير التنفيذي لتحالف العمل الصومالي حاشي شافي- إلى تشجيع أبناء المجتمع على التصويت من خلال التسجيل في برنامج تسجيل الناخبين المجتمعي.
وهذا النوع من التحديات يبرز بوجوه مختلفة كل حين، حيث أوضحت ديكا دالاك عضوة مجلس نواب ولاية ماين، وأول عمدة أميركية من أصل صومالي في الولايات المتحدة، أن جزءاً من أسباب ترشحها لعضوية الهيئة التشريعية في الولاية مرتبط بقرار الرئيس السابق دونالد ترامب بطرد المهاجرين من عدة دول منها الصومال.
وقالت “إذا لم نترشح لمناصب، فلا يمكننا أن نلوم الآخرين على وضع السياسات والتشريعات والشكوى منها. عليك أن تكون على الطاولة إذا كنت تريد اتخاذ قرارات جيدة لمجتمعك”.
ومن جهة أخرى يشير عضو البرلمان الكندي السابق من أصل صومالي فيصل أحمد حسن إلى أن نجاح بعض أبناء الجالية في الانخراط في العمل السياسي والحكومي مثّل حافزاً لغيرهم لخوض التجربة، حيث يمكن الحديث عن قادة كاريزميين وملهمين للشباب من أبناء المجتمع كإلهان عمر وعبدي وارسامي في مينيسوتا وهو من أوائل الصوماليين الذين شغلوا منصباً سياسياً مهماً في أميركا من خلال انتخابه لعضوية مجلس مدينة مينيابوليس عام 2013.
تحالفات سياسية
وتشير دراسة نشرتها المحاضرة في العلوم السياسية بجامعة ترينتي الأميركية ستيفاني شامبر إلى أن أحد العوامل الهامة التي سهلت تحول الجالية الصومالية في مينيسوتا إلى كتلة انتخابية فعالة تتمثل في طبيعة النظام الانتخابي نفسه الذي هيأ الفرص للصوماليين للفوز بانتخابات مجلس المدينة ومجالس المدارس المؤثرة في صنع القرار.
فالهيكل الانتخابي في مينيابوليس عاصمة الولاية على سبيل المثال يقوم على الدوائر، حيث يتمتع مرشحو الأقليات بفرصة للفوز أفضل بكثير مما لديهم في ظل النظام الشامل، كما أن استخدام نظام التصويت الفردي القابل للتحويل يسمح للناخبين بترتيب خياراتهم فيما يخص مرشحيهم المفضلين، وهي طريقة تمنح المجموعات الممثلة تمثيلاً ناقصاً فرصة أفضل للفوز في الانتخابات.
ومن الجدير بالذكر هنا أن وارسامي عضو مجلس الولاية المنحدر من أصل صومالي قاد تحالفاً نجح في إقناع لجنة ميثاق مينيابوليس بإنشاء دوائر انتخابية أكثر مساواة، مما ساهم في زيادة الثقل السياسي للأقليات ومن ضمنهم الصوماليون.
وعلاوة على ما سبق، تبرز شامبر دور “حزب المزارعين والعمال الديمقراطي” في مينيسوتا المهيمن بالولاية في احتضان وترشيح أبناء الجالية الصومالية، مما يعزى إلى مجموعة عوامل منها الطبيعة التقدمية للحزب في قضايا العدالة الاجتماعية والإدماج، وإدراك قادته انعكاس التغيرات في تركيبة السكان منذ تسعينيات القرن الماضي على الهيكل الانتخابي، مما قاد إلى بناء علاقة تبادلية بين الطرفين قائمة على مغازلة الحزب للأصوات والمصالح الصومالية مقابل الحصول على المزيد من القاعدة التصويتية.
وقد ضم سباق القوى السياسية لاستقطاب الصوماليين في مينيسوتا منذ وقت مبكر لاعبين آخرين، كالحزب الجمهوري الذي صرح رئيسه في الولاية بات شورتريدج عام 2012 بأن هناك “فرصاً هائلة للجمهوريين بشكل خاص بين مجتمعات المهاجرين” حيث تم تعيين أميركي من أصل صومالي لقيادة لجنة علاقة المهاجرين بالحزب.
قبلية ديناميكية
اتسم أداء المجتمع الصومالي في مينيسوتا بالديناميكية والجرأة مما سهل له قدراً أعلى من الاندماج السياسي، وهو ما أشارت إليه البروفيسورة ستيفاني شامبر مؤكدة استفادته من مجموعة من العوامل المرتبطة بالهيكل الانتخابي والتواصل الحزبي والبيروقراطي والدخول في التحالفات الانتخابية والحكومية والمشاركة مع النقابات التي تحول بعض الصوماليين إلى قادة فيها، حيث أدى نجاحهم فيها إلى تعيينهم خبراء وبيروقراطيين في دوائر صنع القرار الولائية ومن هناك أصبحوا قادرين على لفت الانتباه إلى قضايا الصوماليين في الولاية.
ويتمثل أحد مظاهر هذه الديناميكية في قدرة المجتمع عبر سنوات على تشكيل المؤسسات القادرة على التعبير عنه والتي يديرها أبناؤه، كـ”كونفدرالية المجتمع الصومالي” و”جمعية الآباء الصوماليين الأميركيين” و”تحالف العمل الصومالي” بمينيسوتا.
وتسهم هذه المنظمات بالتعاون مع السلطات المحلية -وبالاستفادة من الدعم الحكومي- في تقديم خدمات مجتمعية مختلفة للصوماليين في الولايات التي تنشط فيها كالتدريب المهني وفصول تعليم الإنجليزية ودروس المواطنة. ورغم أن هذه المنظمات لا تنخرط في العمل السياسي المباشر، لكنها تسهم في صنع صوت صومالي أكثر قوة وإعداد مجموعات جديدة من القادة لهذا المجتمع.
وبالنظر إلى الدور المحوري الذي تلعبه القبيلة في حياة الصوماليين، أكد ناشطون سياسيون من أبناء هذا المجتمع للجزيرة نت أن العامل القبلي هو اللاعب الرئيسي غير المعلن في دعم وتصعيد بعض المرشحين من قبائل معينة وسحبهما عن آخرين، حيث يتم التحشيد عن طريق المساجد وشبكات التواصل الاجتماعي التي تضم مجموعات وصفحات مرتبطة لتلك القبائل.
ولا ينفي تحقيق هذه النجاحات وجود عقبات كالتمييز والعنصرية القائمة على أساس عرقي أو ديني، والصعوبات المتعلقة بتأمين الدعم المادي في مواجهة الشبكات التي يتمتع بها السياسيون المخضرمون، بجانب محدودية الخبرة والتجربة السياسية الناتجة عن حداثة الوجود في أميركا.
كما تمثل الخلافات داخل المجتمعات المحلية حول بعض التوجهات السياسية أو القضايا المثيرة للجدل تحدياً آخر لا يقل أهمية، وهو ما يستلزم من السياسيين الصوماليين بذل المزيد من الجهود للحصول على ثقة الناخبين وتوسيع قواعدهم الشعبية.