إسرائيل بين اغتيالي الضاحية وطهران.. سيناريوهات رد حزب الله وما بعده | سياسة
بيروت- ساعات حرجة تعيشها الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله الشعبي والسياسي والأمني، بعدما شنت مسيرات إسرائيلية، عصر الثلاثاء 30 يوليو/تموز 2024 عند السابعة و40 دقيقة، غارة استهدفت مبنى في حارة حريك، التي تعج بمقرات لحزب الله، يوجَد فيه أحد كبار قادته العسكريين وهو فؤاد شكر، المعروف بالحاج محسن.
جاء ذلك قبل أقل من 12 ساعة على اغتيال إسرائيل، رئيس المكتب السياسي لحركة (حماس) إسماعيل هنية بطهران، وترك وقعا كبيرا بلبنان وعلى حزب الله الذي نعى هنية، وهما هدفان متتاليان، بمدينتين، بيروت وطهران، يُفترض أنهما آمنتان.
وشكل اغتيال هنية منعطفا تصعيديا إسرائيليا، سيطبع أثرا على حسابات رد حزب الله ومآلات المرحلة المقبلة.
وبعد ساعات الصمت، أصدر حزب الله بيانا رسميا صباح الأربعاء، لم يحسم مصير شكر، ومما جاء فيه “كما بات معروفا قام العدو الصهيوني بالاعتداء على الضاحية.. واستهدف مبنى سكنيا.. وكان القائد الجهادي الكبير فؤاد شكر موجود فيه.. تعمل فرق الدفاع المدني على رفع الأنقاض.. بانتظار النتيجة.. حول مصير القائد الكبير.. ليبنى على الشيء مقتضاه”.
سلاح الاغتيالات
لكن المعطى الأهم بالعدوان على ضاحية بيروت أن إسرائيل كسرت باستهدافها قواعد الاشتباك نوعيا وجغرافيا وعسكريا، واعتدت على رمزية الضاحية المتجذرة بذاكرة عدوان حرب يوليو/تموز 2006.
ورغم أنها المرة الثانية التي تضرب إسرائيل عمق الضاحية بعد “طوفان الأقصى”، عقب اغتيال القيادي في حركة حماس صالح العاروري ورفاقه، في الثاني من يناير/كانون الثاني 2024، لكن كان حينها عنصر المفاجأة سمة العملية. أما اليوم، فللمرة الأولى، يكون هدف إسرائيل بالضاحية، حزب الله نفسه، بعد أيام من إعلان نيتها ضرب الحزب بهدف محدود لكنه مؤثر.
ومع تزامن عمليتي بيروت وطهران، تفعل إسرائيل مجددا سلاح الاغتيالات، ويُذكر أنها أعقبت اغتيال العاروري بالضاحية، باغتيال أبرز قادة ومهندسي عمليات حزب الله العسكرية، المسؤول بوحدة “الرضوان” وسام الطويل، في الثامن من يناير/كانون الثاني الماضي، ببلدته “خربة سلم” جنوبي لبنان.
تطورات ميدانية وسياسية
وأدى استهداف “حارة حريك” لاستشهاد امرأة وطفلين، وجرح ما لا يقل عن 75 مدنيا، وانهارت الطوابق الثلاثة العليا من المبنى، وضرب الجيش والقوى الأمنية اللبنانية طوقا أمنيا بالمحلة، ويواصل الدفاع المدني إزالة الحطام والبحث عن ضحايا محتملين.
ولم تهدأ التصريحات الأميركية عقب العدوان الإسرائيلي على الضاحية، وأعلنت صراحة عن وقوفها إلى جانب إسرائيل، بينما مررت رسائل لاحتواء التصعيد وعدم الذهاب إلى حرب واسعة.
علما أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن نفسها تحدثت قبل العملية بأنها تقود جهودا دبلوماسية لردع إسرائيل عن ضرب بيروت أو البنية التحتية اللبنانية.
من فؤاد شكر؟
وكان لافتا إصرار إسرائيل على الترويج بأنها استهدفت الرجل الثاني بحزب الله، ووصفه دانيال هاغاري بـ”اليد اليمنى” لنصر الله، مؤكدا على نجاح عملية الاغتيال. في حين اكتفى حزب الله بوصفه بعبارة “القائد الجهادي الكبير”.
وأهم ما برز بالسيرة المتداولة عن فؤاد شكر:
- كبير مستشاري الشؤون العسكرية لأمين عام الحزب حسن نصر الله ومسؤول العمليات العسكرية لحزب الله مشرف على مشروع الصواريخ الدقيقة،
- مسؤول عن معظم الأسلحة المتقدمة للحزب، بما فيها الصواريخ الدقيقة والمضادة للسفن وبعيدة المدى، والطائرات بدون طيار.
- مطلوب من قبل مكتب التحقيقات الفدرالي عقب اتهامه بتفجير ثكنات مشاة البحرية في بيروت عام 1983، والذي أسفر حينها عن مقتل 241 من أفراد قوات المارينز الأميركية. ورصدت بعدها الولايات المتحدة مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه.
- في 2019، صنفت وزارة الخارجية الأميركية شكر “إرهابيا عالميا” لعمله لصالح حزب الله.
سيناريوهات الرد وما بعده
وبوصول المسيرات إلى الضاحية واستهداف كبار قادة الحزب، تنقض إسرائيل على هدف ثمين لحزب الله، معنويا وشخصيا ومكانيا، وتجسد إدراك إسرائيل لقيمة هدفها، بما قاله وزير الدفاع يوآف غالانت بعد الضربة “حزب الله تجاوز الخط الأحمر”.
ومع احتمالية المصادفة بين عمليتي الضاحية وطهران، طالما أن إسرائيل كانت تتعقب هنية، يجد الخبير العسكري العميد المتقاعد خالد حمادة، عبر الجزيرة نت، أن المجال مفتوح على مصراعي الردود والهجمات المضادة، وبمختلف الساحات.
وإسرائيل التي تعجز عن حسم العمليات العسكرية ميدانيا، “تقول مجددا، إنها قادرة على اختراق إجراءات حزب الله، وتأخرها لساعات عن عملية مجدل شمس، ارتبط بنضوج المعلومات والمعطيات الاستخباراتية، حول وجود هدفها بالمبنى”.
ويرجح حمادة أن يكون “عيار رد حزب الله ثقيلا، بالمكان والهدف، وإن كان غير قادر على تنفيذ عملية من نفس جنس الفعل، أي عملية اغتيال سياسية وعسكرية ثقيلة”.
أما رد فعل إسرائيل على رد حزب الله المتوقع، فيتوقف ليس عند ما لدى إسرائيل من قدرات وأهداف فحسب، بل عند المدى الذي ستدعمها فيه واشنطن، وفق حمادة، لتغطية أي انفجار كبير بالمنطقة، صار محتملا أكثر من أي وقت مضى.
التوقيت والمدى والتجانس
يرى الكاتب والأستاذ الجامعي ربيع بركات، عبر الجزيرة نت، أن عملية الضاحية وقعت بالإطار الزمني المنتظر. وهي ليست العملية الأولى التي يُعلن عنها مسبقا، فقد سبق لإيران أن أعلنت عزمها الرد على استهداف قنصليتها بدمشق، ووقع في غضون أسبوع.
الفارق أن احتمالات تجاوز مبدأ الضربة مقابل ضربة أكبر اليوم. إذ يمكن أن نكون أمام سلسلة من العمليات والعمليات المضادة وفق بركات، “علما أن مسؤولين إسرائيليين قدّروا أن تشهد المنطقة الحدودية مع لبنان اشتباكات عالية الوتيرة قد تستمر لأيام”.
لكن اغتيال إسماعيل هنية يرجّح أن يكون رد الفعل مختلفا عما ورد في التقديرات الإسرائيلية هذه (التي قُصد بها التضليل ربما؟)، وكذلك مداه الزمني وربما طبيعته، على اعتبار أن المسألة تجاوزت الحدود اللبنانية.
وعن سيناريوهات ما بعد عملية الضاحية، يقول بركات إنه حتى لو اتسع نطاق الحرب، فسيكون تدريجيا ولا يرجح ذهاب الطرفين لـ”حرق المراحل” وتفجير كامل للجبهة، ذلك أن لكل طرف بنك أهداف واسع.
وفيما تحاول إسرائيل تعديل قواعد الاشتباك وتوسيع مداها، يحاول حزب الله -برأي الأكاديمي- أن يثبّت هذه القواعد أو يحسنها، بما يسمح له بالحفاظ على قدرة الردع، ولا يسمح لإسرائيل بفرض وقف إطلاق النار وفق شروطها.
وتتمثل رمزية فؤاد شكر -وفق بركات- بقربه من نصر الله أولا واحتلاله دورا عسكريا يعود إلى الثمانينيات، أي إلى الجيل المؤسس لحزب الله. لكن “لا يمكننا معرفة حقيقة وطبيعة دوره العسكري اليوم، لأن هذا المجال محاط بالسرية، وهناك دماء جديدة تضخ دائما بالهيكل التنظيمي للحزب، ربطا بالحاجة لتعزيز سرية العمل وتطوير القدرات الأمنية والعسكرية ومواكبة مستجداتها”.
ويربط بركات موقف واشنطن الداعم لإسرائيل، بالقصف الأميركي لمواقع جماعات مسلحة في العراق بُعيد عملية اغتيال شكر، وكأنها تترجم موقفها على الأرض عبر “ضربات استباقية لقوى حليفة لحزب الله بجبهات أخرى، قد تشارك بالرد على إسرائيل من خارج جبهتي لبنان والجولان”.
كما يرجح الكاتب أن تكون إسرائيل راغبة في عمليتها باختبار قدرات حزب الله وإمكانياته وكشف ما لديه من مفاجآت.