4 قضايا تلخص علاقة روسيا بحركة طالبان | سياسة
يتصف الموقف الروسي تجاه أفغانستان بعدم الثبات منذ أن تولت حركة طالبان زمام الحكم في البلاد، ويبدو من خلال تناقض المواقف أن موسكو تبعث رسائل مزدوجة إلى العالم والحركة المسيطرة في البلاد.
فقد اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الخميس أن حركة طالبان الأفغانية حليفة بلاده فيما سماها “مكافحة الإرهاب”، جاء ذلك في أعقاب حديث روسي الأشهر الماضية عن اقتراب موسكو من إقامة علاقات كاملة مع الحكومة الأفغانية التي شكلتها الحركة.
كما نقلت وكالة ريا نوفوستي للأنباء عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قوله إن “كازاخستان اتخذت مؤخرا قرارا، وسنتخذه أيضا، ويهدف إلى شطب طالبان من قائمة المنظمات الإرهابية”.
وسبق ذلك تصريحات المبعوث الروسي الخاص لأفغانستان ضمير كابلوف وبعض المسؤولين في وزارة الخارجية الروسية، التي تحدثت عن دعم روسيا لحركة طالبان خاصة في مجال مكافحة الإرهاب وضرب تنظيم الدولة الإسلامية بخراسان.
تحذير من الإرهاب
لكن في المقابل، هناك التصريحات الصادرة عن وزارة الدفاع وبعض المسؤولين الأمنيين التي تحذر من خطر الإرهاب الموجود في أفغانستان، وأن البلاد تؤوي “مجموعات إرهابية” تهدد أمن دول الجوار، وجمهوريات آسيا الوسطى، التي تعتبر روسيا أمنها جزءا من منظومة الأمن القومي الروسي.
ورغم أن روسيا لا تعترف بالحكومة التي شكلتها طالبان في كابل، فإنها تتعامل معها وتستقبل تباعا وزراء ومسؤولين من الحركة في زيارات رسمية، كما سلمت السفارة الأفغانية في موسكو لممثلي طالبان.
وإزاء هذا التناقض، نحاول في هذا التقرير الإجابة عن أسئلة مهمة تبرز في هذه الآونة، عن ماهية أهداف روسيا في أفغانستان، وأهمية أفغانستان في السياسة الروسية، وحقيقة العلاقة القائمة بين البلدين.
أهمية أفغانستان لروسيا
تكتسب أفغانستان أهمية كبيرة في السياسة الخارجية والإستراتيجية الأمنية الروسية، فهي تشترك بحدود مع طاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان في آسيا الوسطى، التي تُعرف وفقا لإستراتيجية روسيا الأمنية، بأنها الحدود الأجنبية القريبة، وتعتبر منطقة نفوذ ومصالح حيوية لروسيا.
وعلى هذا الأساس فإن الأولوية الأهم لروسيا في العلاقات مع أفغانستان هي مسألة الأمن، يضاف لذلك المنافسة مع الولايات المتحدة والصين على تقاسم النفوذ في منطقة آسيا الوسطى، خاصة مع توسيع النفوذ الغربي في مناطق كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي سابقا.
أريد لأفغانستان أن تكون منطقة عازلة بين بين روسيا القيصرية والإمبراطورية البريطانية، لكن الغزو الروسي العسكري لأفغانستان في 27 ديسمبر/ كانون الأول 1979 الذي استمر لنحو عقد من الزمان قبل أن يهزم أمام المجاهدين الأفغان، كسر تلك القاعدة.
وبعد فترة وجيزة، انهار الاتحاد السوفيتي واستقلت جمهوريات آسيا الوسطى، مما أدى تزعزع الاستقرار في أفغانستان، وكان لذلك انعكاسات على روسيا والدول المستقلة حديثا على حدودها الجنوبية.
ظهور طالبان
شكل ظهور حركة طالبان واستيلاؤها على كابل في عام 1996 انعطافة لسياسة روسيا تجاه أفغانستان، بسبب شعور الكرملين بتهديدات أمنية على حدوده الجنوبية في آسيا الوسطى.
ورافق ذلك أن أفغانستان في عهد حكومة طالبان الأولى كانت الدولة الوحيدة التي اعترفت باستقلال جمهورية الشيشان عن روسيا، وسمحت لها بفتح سفارة في كابل، وقد دفع هذا القلق روسيا إلى دعم حكومة الرئيس برهان الدين رباني والجبهة المعارضة لطالبان في أفغانستان بقيادة أحمد شاه مسعود آنذاك.
وبعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول عام 2001 تعرضت أفغانستان لغزو الولايات المتحدة وحلفائها، كانت هزيمة طالبان بالنسبة للروس ذات أهمية كبيرة لدرجة أنهم سمحوا لقوات التحالف بإقامة قواعد عسكرية في جمهوريتي قيرغيزستان وأوزبكستان.
وبعد أن سقطت حكومة طالبان الأولى، دعمت روسيا حكومة حامد كرزاي التي تشكلت عام 2002 بعد مؤتمر بون، واستمر الحال على ما هو عليه حتى الولاية الثانية للرئيس أشرف غني.
لكن الصعود الثاني لحركة طالبان، واتساع رقعة الأراضي التي سيطرت عليها، ودخول الولايات المتحدة في مفاوضات مع الحركة، أدى إلى تغير السياسة الروسية في التعامل مع أفغانستان.
التواصل مع طالبان
أكد الممثل الخاص لروسيا في أفغانستان ضمير كابلوف في ديسمبر/كانون الأول 2015 أن موسكو لديها قناة اتصال مع طالبان وأنه يتم تبادل المعلومات من خلالها، ويرى الباحث الإيراني علي أكبر جوكار من مركز دراسات آسيا الوسطى والقوقاز أنه “لا يمكن تحليل الإعلان الصريح عن العلاقات بين روسيا وطالبان في عام 2015 بمعزل عن التطورات المهمة التي شهدها ذلك العام”.
ويضيف في مقال له في موقع الدراسات السياسية والإستراتيجية التابع لوزارة الخارجية الإيرانية أن ذلك العام شهد بداية الأزمة في أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم إلى الأراضي الروسية، إضافة إلى صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، كما شهد إرسال القوات العسكرية الروسية إلى سوريا.
وأدت تلك الأحداث إلى تفاقم خلافات روسيا مع الغرب ومن ثم فرض عقوبات اقتصادية شديدة عليها، ومن ناحية أخرى أظهرت بعض التطورات في أفغانستان، وفي مقدمتها عودة حركة طالبان للظهور من جديد، حقيقة أن الولايات المتحدة وقوات التحالف لم تكن لديها القدرة على التعامل بجدية مع تلك التطورات، وفق المقال.
تطورت الاتصالات بين روسيا وطالبان بشكل لافت، وتكررت زيارات وفود الحركة إلى روسيا، واستضافت موسكو محادثات بين طالبان ووفود قادمة من كابل في إطار ما يسمى “صيغة موسكو”.
وتواترت التقارير عن تزويد روسيا مسلحي طالبان بالأسلحة المتطورة في ولايات أفغانستان الشمالية المتاخمة لجمهورية طاجيكستان مثل ولاية قندز.
ماذا تريد روسيا من طالبان؟
قبيل سقوط كابل بأيدي طالبان وعودة الحركة إلى الحكم، استقبلت موسكو وفدا من المكتب السياسي للحركة، ويقول الخبير الروسي ماكسيم سوشكوف الباحث في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية إن الممثل الروسي ضمير كابلوف حدد لوفد طالبان 4 قضايا تثير قلق بلاده.
كان في مقدمتها “خطر مرور عدوى عدم الاستقرار من أفغانستان إلى آسيا الوسطى، والخطر الذي يمكن أن يشكّله تنظيم الدولة الإسلامية على روسيا وحلفائها انطلاقا من الأراضي الأفغانية، وإمكانية تفاقم حجم تهريب المخدرات إلى روسيا، والخطر الذي يمكن أن يهدد أمن البعثات الدبلوماسية الروسية في أفغانستان”.
ويضيف سوشكوف أن وفد طالبان خلال اللقاء حاول طمأنة محاوريه بالنسبة لهذه النقاط الأربع، وقد وعدت الحركة بعدم انتهاك حدود بلدان آسيا الوسطى، وبتقديم ضمانات حول أمن البعثات القنصلية والدبلوماسية الأجنبية في أفغانستان، كما التزمت بالقضاء على إنتاج المخدرات في أفغانستان، وعبّرت عن عزمها على وضع حد للخطر الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان.
ويمكن إضافة نقطة أخرى إلى ما يثير قلق روسيا فيما يتعلق بأفغانستان، وهي خطر التقارب الأميركي والغربي مع طالبان، الذي تعتبره موسكو خطرا على أمنها القومي.
وبعد مرور 3 سنوات من حكم طالبان في أفغانستان يرى مراقبون أن طالبان التزمت إلى حد كبير بما تعهدت به في موسكو، باستثناء فشلها مرة في منع حادث تفجير تبناه تنظيم الدولة بخرسان وقع أمام السفارة الروسية في كابل في سبتمبر /أيلول عام 2022، وقتل فيه اثنان من موظفي السفارة.
وفي المقابل، فقد عبرت موسكو عن دعمها عدة مرات مواقف طالبان مثل مطالبتها برفع الحظر عن أموال البنك المركزي الأفغاني، ومعارضة تعيين ممثل أممي خاص لأفغانستان.
ولم تلق موسكو بالا للاعتراضات التي تبديها دول غربية ومنظمات دولية بشأن حقوق النساء في أفغانستان، وكما يقول رئيس مركز الدراسات الأفغانية المعاصرة ومقره موسكو أندريه سيرينكو إن “روسيا تريد استخدام أفغانستان دون التورط فيها”.
قلق روسيا
على الطرف المقابل، تراقب الأجهزة الأمنية والعسكرية الروسية عن كثب مجريات الأمور في أفغانستان وتوفر الدعم الاستخباراتي والعسكري للجمهوريات الثلاث المتاخمة لأفغانستان تحسبا لأي خطر أو تهديد قادم.
وبهذا الصدد يقول الخبير الروسي ماكسيم سوشكوف الباحث في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية إن “روسيا ليست سعيدة بوجود إمارة إسلامية غير بعيدة عن حدودها، لكن طالما أن مشروع طالبان يبقى محليا دون رؤية شاملة، وأن هم الحركة الأكبر هو فرض الشريعة في أفغانستان فإن روسيا ستقبل بالأمر”.
ويضف أن مديرية المخابرات الرئيسية الروسية ستبقى في حالة تأهب لمراقبة الوضع، كما سيكون على وزارة الدفاع تطوير التعاون العسكري مع نظرائها في آسيا الوسطى، أما جهاز الأمن الفدرالي فسيسعى لرصد أي مؤشر محتمل حول “صعود الإسلاموية في آسيا الوسطى وفي روسيا”.
“ويبقى هذا الحل هو الأنسب في نظر موسكو، وهو أفضل من أي تدخل عسكري دون أهداف سياسية محددة وبتكلفة قد تكون باهظة”، كما يقول سوشكوف.
وفيما يخص علاقة روسيا مع معارضي حركة طالبان، فتجدر الإشارة إلى أن موسكو لا تزال تحافظ على قنوات تواصل مع “المعارضة الأفغانية”، ولعل أبرز مؤشر على ذلك السماح بوجود مقر في طاجيكستان لجبهة المقاومة الوطنية الأفغانية بقيادة أحمد مسعود -نجل القائد الأفغاني الراحل أحمد شاه مسعود- وهي أبرز جبهة تتبنى المعارضة المسلحة ضد حكومة طالبان.
وبالتالي يمكن فهم أن التناقض بين التصريحات الدبلوماسية الروسية وتلك الأمنية يأتي في سياق قلق موسكو من أي تطورات غير محسوبة في أفغانستان تؤثر على أمنها القومي.