تحركات واشنطن تجاه السودان.. لمنع المجاعة أم لمصالح جيوسياسية؟ | سياسة
واشنطن– منذ أن فتحتْ فصلا جديدا في اهتمامها بالشأن السوداني بتعيين توم بيريلو مبعوثا أميركيا جديدا للسودان نهاية فبراير/شباط الماضي، تسعى إدارة الرئيس جو بايدن إلى جمع الفرقاء في هذا البلد، والعمل على وقف القتال.
وقبل أيام، دعا وزير الخارجية أنتوني بلينكن طرفي الأزمة في السودان للاجتماع في سويسرا. وتريد الولايات المتحدة إنهاء القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. كما تريد أن ترى وصولا غير مقيد لمنظمات الإغاثة الإنسانية إلى جميع أنحاء السودان.
وتريد أيضا أن ترى عملية سياسية تؤدي إلى حكومة مدنية تضمن سيادة القانون. ووفقا لبيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، هناك أكثر من 10 ملايين شخص نازحين قسرا، وفرّ أكثر من 2.1 مليون منهم إلى خارج السودان.
ومع اقتراب إدارة جو بايدن من نهاية ولايتها، ربما يبحث وزير الخارجية أنتوني بلينكن وفريقه عن تحقيق إنجاز أكبر في السياسة الخارجية، وقد يكون السودان الساحة الأفضل لذلك.
عنف عشوائي
ويرى بعض المراقبين أن قرار بايدن الانسحاب من الحملة الانتخابية الرئاسية قد يساعد السودان، لأن تفكيره سينصب على إرثه السياسي، وأنه قد لا يريد نقل عبء الصراع السوداني بما يتضمنه من مزاعم حول الإبادة الجماعية، التي هي وصمة عار لا يريدها أي رئيس أميركي.
وكشف تقرير جديد عن السودان صادر عن منظمة أطباء بلا حدود أن المدنيين لا يتمتعون بحماية تذكر من الهجمات العشوائية والعنف الجنسي، مع القليل جدا من المساعدات القادرة على دخول البلاد. وأوضح التقرير الذي جاء بعنوان “حرب على الناس”، حجم الدمار الذي عانى منه المدنيون منذ اندلاع الصراع في أبريل/نيسان 2023.
وقالت خبيرة قضايا الصحة العالمية في المنظمة فاطمة تانيس، للإذاعة الوطنية الأميركية، إن منظمة أطباء بلا حدود جمعت البيانات الطبية من عملياتها في السودان، وإن ما وجدوه هو “مستوى مروّع من العنف العشوائي من كلا جانبي النزاع ضد المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال”.
وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار ديفيد شن مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون أفريقيا إلى ضغوط متزايدة في الولايات المتحدة من بعض أعضاء الكونغرس ووسائل الإعلام ومنظمات الإغاثة الإنسانية وجماعات حقوق الإنسان لكي تصبح واشنطن أكثر نشاطا في إنهاء الصراع الكارثي في السودان.
وأضاف أنه لسوء الحظ كانت الحرب الروسية على أوكرانيا والحرب في غزة هما “محور الاهتمام الأميركي خلال العامين الأخيرين، مما ترك القليل من الوقت للوضع في السودان، رغم أن الولايات المتحدة هي أكبر مزود للمساعدات الإنسانية هناك”.
ومن خلال العمل مع المملكة العربية السعودية، حاولت الولايات المتحدة، كما يقول الدبلوماسي الأميركي السابق، جلب الأطراف المتحاربة إلى طاولة السلام لكن دون نجاح كبير. واعتبر أن “المبادرة الجديدة في سويسرا تمثل الأهمية التي توليها واشنطن الآن للمشكلة”.
أكبر العوائق
وقال المسؤول السابق في البيت الأبيض كاميرون هادسون، في حديث للجزيرة نت، إن على الولايات المتحدة استخدام كل نفوذها ليس فقط لجلب الأطراف إلى طاولة المفاوضات، بل لإبقائها هناك حتى يتم وقف إطلاق النار. وهذا يعني إشراك الوزير بلينكن وغيره من كبار المسؤولين شخصيا في عملية التفاوض، وكذلك فرض عقوبات على أي جانب يرفض الحضور.
وأضاف هادسون أن “إطلاق عملية التفاوض جاء بعد فشل كل المحاولات السابقة، وهو ما قرب السودان بسرعة من نقطة اللاعودة. نحن في لحظة يجب أن يتم فيها الآن وقف القتال إذا كنا نأمل في تجنب أسوأ سيناريو للبلاد”.
من جانبه، اعتبر مدير شؤون أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط بالمنظمة الدولية للاجئين دانيال سوليفان أن محادثات وقف إطلاق النار التي اقترحتها واشنطن خطوةٌ حاسمة محتملة في معالجة ما أصبح الآن أكبر أزمة جوع ونزوح في العالم.
ومن المهم، بحسب سوليفان، أن يشارك هذا العدد الكبير من الجهات الفاعلة الخارجية التي لها مصالح في السودان بصفة رعاة أو مراقبين.
ويضيف “أكبر العوائق التي تحول دون وقف المجاعة والفظائع هي القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، والقيود المفروضة على إيصال المساعدات من كلا الجانبين. ومن الواضح أن الطريق لا يزال طويلا، ولكن أي مبادرة لوقف القتال والحصول على المساعدات المنقذة للحياة هي أمر مشجع”.
منع الإبادة والمصالح
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار سوليفان إلى ضرورة أن “يوازن صانعو السياسة في واشنطن بين مصلحة منع المجاعة والإبادة الجماعية من ناحية، وبين المصالح الجيوسياسية من ناحية أخرى”.
وأضاف أن الجهات الفاعلة الخارجية الرئيسية مثل “مصر والإمارات العربية المتحدة.. تلعب أدوارا مؤثرة في قضايا أخرى تشمل واشنطن مثل الحرب في غزة، وتوازن القوى الأوسع في الشرق الأوسط”.
وحتى الآن، كان ميزان واشنطن يميل نحو المصالح الجغرافية السياسية، ولكن يأمل الدبلوماسي السابق أن تكون محادثات السودان علامة على أن “منع المجاعة والإبادة الجماعية أصبح أكثر أولوية”.
ويرى بعض المحللين أن واشنطن تشعر بالقلق أيضا من أن القتال المستمر قد يسمح لروسيا بزيادة نفوذها من خلال مرتزقتها على الأرض.
ويرى هادسون أنه “على المدى القريب، فإن الوضع الإنساني وحالة النزوح في البلاد هما الأكثر إثارة للقلق. وعلى المدى الأبعد، يجب أن نكون قلقين بشأن العواقب الإقليمية والإستراتيجية الطويلة الأجل للانهيار الكامل للدولة السودانية. فكل شيء من طرق التجارة والهجرة والإرهاب والاستقرار الإقليمي سيتأثر سلبا إذا استمر السودان في مساره الحالي”.
من جهته، ورغم إقراره بأن لواشنطن علاقات جيدة مع مصر والإمارات، وإمكانية أن تستخدما ثقلهما السياسي لدفع محادثات وقف إطلاق النار، إلا أن المحلل الأمني والدبلوماسي السابق فولفغانغ بوستاي يرفض رؤية وجود مصالح كبيرة لواشنطن في السودان، ويرى أن “مشاركتها تتعلق في الأساس بالبعد الإنساني”.
لكن فولفغانغ، مع ذلك، يرى أن “خطر زعزعة السودان لاستقرار الدول المجاورة له، وخاصة جنوب السودان وتشاد، هو بالتأكيد عنصر فاعل في القرار الأميركي. علاوة على ذلك، يمكن للقتال في السودان أن يعرض الأمن المائي لمصر، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة، للخطر”.