كيف تبدو تونس بعد 3 سنوات من تدابير قيس سعيد الاستثنائية؟ | سياسة
تونس- يتهم معارضون في تونس الرئيس قيس سعيد بتدمير مؤسسات الدولة وإغراق البلاد في أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية غير مسبوقة بعد مرور 3 سنوات على اتخاذه التدابير الاستثنائية، في حين يقول أنصاره إنه يؤسس لمرحلة جديدة.
ويوم 25 يوليو/تموز 2021، الذي يوافق تاريخ الاحتفال بعيد الجمهورية التونسية، فاجأ الرئيس سعيد الجميع بخطاب بُث مباشرة على التلفزيون الرسمي أعلن فيه عن جملة من التدابير الاستثنائية، منها غلق البرلمان “بدبابة عسكرية”.
وقبل ذلك التاريخ كانت البلاد تعيش على وقع تجاذبات سياسية وأزمة اقتصادية واجتماعية خانقة فاقمتها جائحة كورونا، واختار سعيد ذلك التوقيت ليقيل حكومة هشام المشيشي ويحل البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء.
امتلاء السجون
وأصدر سعيد -تباعا- جملة من المراسيم الرئاسية ألغى بها دستور 2014، وفوّض بها لنفسه صلاحيات واسعة لم يحظ بها أي رئيس قبله، مما جعل الأحزاب المعارضة له تعتبر ما قام به “انقلابا على الشرعية الدستورية وطعنا لمسار الانتقال الديمقراطي”.
وحول حصيلة 3 سنوات من الحكم في إطار التدابير الاستثنائية، يقول هشام العجبوني القيادي المعارض بحزب التيار الديمقراطي إن ما تغيّر في تونس منذ ذلك الوقت هو امتلاء السجون بسجناء الرأي من معارضين سياسيين وصحفيين بتهم “ملفقة لإخراس أصواتهم”.
ويؤكد للجزيرة نت أن تاريخ البلاد لم يشهد حصيلة سلبية مثلما حدث مع الرئيس سعيد، مشيرا إلى تراجع معدل النمو إلى الصفر وتفاقم نسبة التضخم وارتفاع الأسعار وفقدان المواد الأساسية وظهور الطوابير لشراء أبسط الأشياء.
ومن وجهة نظره، أصبحت تونس بعد 3 سنوات من اتخاذ التدابير الاستثنائية في قبضة يد الرئيس بعدما حل البرلمان المنتخَب وهيئة مكافحة الفساد وركّع القضاء ونصّب هيئة الانتخابات وأعاد الإعلام العمومي إلى بيت الطاعة.
وفشل سعيد في تحقيق أي إنجازات تُذكر، فلا استطاع استعادة الأموال المنهوبة الموجودة في الخارج ولا تمكن من إنجاز صلح جزائي مع رجال الأعمال المورطين في شبهات فساد لدفع الاستثمار، حسب العجبوني.
ورغم جميع إخفاقاته على أرض الواقع، يقول العجبوني، فإن الرئيس سعيد يواصل سياسة بيع الأوهام للتونسيين معلقا فشله على شماعة خصومه السياسيين الذين رمى بأغلبهم في السجون، متهما إياهم بالتآمر عليه وعلى الدولة.
تدمير المكتسبات
من جانبه، يقول عماد الخميري القيادي بحركة النهضة إن الرئيس قيس سعيد قام خلال 3 سنوات من الحكم المطلق بتدمير المكتسبات التي حققتها البلاد في المجالات الدستورية والحقوقية والسياسية، حتى أصبحت البلاد “سجنا مفتوحا”.
ويضيف -للجزيرة نت- أن سعيد قام بتصفية كل المؤسسات الدستورية المنتخَبة بعد الثورة فأغلق البرلمان بدبابة ثم حلّ المجلس الأعلى للقضاء الذي كان مستقلا، ليصبح القضاء تحت سيطرته وأداة يطوعها لتصفية خصومه السياسيين.
ويؤكد أن هناك تدهورا خطيرا في أوضاع الحقوق والحريات خلال السنوات الثلاث الماضية بعدما أصدر سعيد المرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة جرائم الاتصال، معتبرا أنه أصبح “سيفا مسلولا” ضد كل منتقدي الرئيس لتكميم الأفواه.
ولم يقابل تضييق الخناق على الحقوق والحريات والزج بالمعارضين الذين يتهمهم سعيد بالتآمر على أمن الدولة أي إنجازات اقتصادية أو اجتماعية، وفق الخميري، الذي يقول إن الأوضاع المعيشية أصبحت لا تطاق نتيجة الغلاء والفقر.
وحتى إعلان الرئيس التونسي عن موعد الانتخابات الرئاسية في 6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، لم تصاحبه أي إجراءات لضمان انتخابات نزيهة وشفافة أو تكافؤ للفرص بين المرشحين، ويسعى سعيد لتجديد ولايته للمرة الثانية، وفق الخميري.
ويقول إن التداول السلمي للسلطة عبر صندوق الاقتراع أمر صعب في ظل الزج بالمعارضين المرشحين في السجون وفرض شروط تعجيزية على المقاس لصالح الرئيس، مما سيجعلها انتخابات صورية لن تُخرج البلاد من أزمتها.
رجل المرحلة
في المقابل، يرى أنصار الرئيس سعيد أستاذ القانون الدستوري الذي صعد للحكم في انتخابات 2019، أنه رجل المرحلة في البلاد وقام بتصحيح مسار الثورة بعد اتخاذه التدابير الاستثنائية بسبب “جشع الأحزاب وتكالبها على السلطة”.
في تصريح للجزيرة نت، يقول الناشط السياسي أحمد الكحلاوي إن الاتهامات التي توجهها المعارضة للرئيس مجرد مغالطات بعد فقدان موقعها في السلطة، مؤكدا أن سعيد يسعى لتحسين الأوضاع المعيشية ومكافحة الفساد وتأسيس مرحلة جديدة.
وصاغ قيس سعيد في 2022 دستورا جديدا غيّر به النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي يتمتع فيه بصلاحيات واسعة ودعا لانتخابات تشريعية صعد بموجبها برلمان جديد، إضافة إلى انتخاب مجلس الجهات والأقاليم أو ما يُعرف بالغرفة الثانية.
وحسب الكحلاوي، فقد عمل سعيد طيلة فترة حكمه على عدم التفريط في مؤسسات الدولة بعدما وقع تخريبها في العقد الماضي بنية بيعها وتفويتها، مشيرا إلى أن الرئيس ورث تركة ثقيلة من التخريب والدمار الذي لحق بالدولة، فيما يواجه مذ توليه السلطة لوبيات تعمل على عرقلته.
ويواصل جزء من التونسيين دعمهم للرئيس سعيد جراء “نقمتهم” على الأحزاب السياسية التي حكمت البلاد بعد سقوط النظام السابق في يناير/كانون الثاني 2011، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية واستشراء الفساد والخصومات الحزبية وغيرها.