Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
خبر عاجل

جيل “زد” في أميركا.. من كل بستان فكرة | سكون


|

مُجهد، الهوية الجنسية، حر، صحيح، صادق، مزيف، إلغاء. فكّر: ما هذه الكلمات؟

فريق بحثي تابع لجامعة أكسفورد، أجرى تحليلًا لـ70 مليون كلمة مأخوذة من مصادر متنوعة عبر الإنترنت، قارن فيها اللغة التي يستخدمها جيل “زد” (Z) بتلك التي يستخدمها المسنّون، فظهر له أن هذه الكلمات هي الأكثر استخدامًا من قبل هذا الجيل، على العكس من كلمات مثل: الطبقة، والحالة، والأمة، والديني، والروحي.

ما هذا الجيل؟ وما معنى استخدامه لهذا النوع من الكلمات؟ ما أهم خصائصه التي يتفرد بها عن الأجيال التي سبقته؟ والأهم من ذلك: هل يشكل نقطة تحول في التركيبة السكانية الأميركية؟

خليط من المكونات

الجيل “زد”، ما الذي يخطر في بالك عند سماع هذا المصطلح؟ هذا الجيل، الذي يقع مواليده بين أعوام 1997 و2012 هو أول جيل لم تتسنَّ له الفرصة أن يعرف العالم بلا إنترنت، وهو يشكل حوالي 20% من سكان الولايات المتحدة الأميركية، بواقع نحو 70 مليون نسمة.

في مايو/أيار 2023، نشر مكتب الإحصاء الأميركي تقريره عن سكان الولايات المتحدة كما هي العادة، لكن الجديد في التقرير كان إعلانه تحولًا غير مسبوق في المجتمع الأميركي. فبحسب التقرير، سيكون الجيل “زد”، هو الجيل الأخير في الولايات المتحدة الذي سيحتوي على أغلبية “بيضاء”، أي أن العرق الأبيض سيكون “أغلبية أقلية” بعد عشرين سنة من الآن، في مقابل “أقليات أغلبية”، تتشكل من أعراق متنوعة، مثل: ذوي البشرة السوداء، وذوي الأصول اللاتينية، والآسيويين، وغير ذلك.

وفي الواقع، فإن جيل “زد” هو الجيل الأكثر تنوعًا حتى الآن، عرقيًّا وإثنيًّا، ولكن التنوع العرقي ليس الخاصية الوحيدة لهذا الجيل، فهو أيضًا الأكثر تبنّيًا لقضية التعدّد في الهويات والتوجهات الجنسية في تاريخ الولايات المتحدة. هذا إضافة إلى شيوع عدد من الظواهر الاجتماعية والنفسية في هذا الجيل، بطريقة لم تكن موجودة من قبل، على رأسها أزمة الصحة النفسية، والتوجهات السياسية الداعمة لليسار الجديد.

هل “الجيل زد” لا يمتلك الخبرات الكافية لمواجهة الحياة
ما هي أهم المشاكل التي تواجه “الجيل زد” وهل تنقصه الخبرات الكافية لمواجهة الحياة
(Getty)

الأشياء المميتة

“اليوم، أفكر في الأشياء المميتة.. كما لو أنني أريد أن أغرق، وكأنني أريد أن أقضي عليّ”، هكذا غنّت مغنية البوب الأميركية بيلي إيليش (من مواليد 2001)، في أغنيّتها “دفن صديق” (Bury a Friend) عام 2019، وهو ما جعلها تتربّع على عرش الأغاني الأكثر استماعًا على منصة “ساوند كلاود”.

كانت كلمات الأغنية معبرة عن مزاج جيل بأكمله، وهو مزاج يفصح عن الحالة النفسية المتدهورة لصاحبه. فالمراهقون من الجيل “زد”، هم -بشكل ملحوظ- أكثر شعورًا بالوحدة من الأجيال السابقة عندما كانوا في العمر نفسه. وهم بدءًا من عام 2012 تقريبًا، أصبحوا أكثر ميلًا للقول إنهم يشعرون بالوحدة والإهمال، وأكثر ميلًا للموافقة على عبارات مثل: “لا أستطيع فعل أي شيء بشكل صحيح”، و”حياتي ليست مفيدة”؛ وأقل احتمالًا للموافقة على عبارة مثل: “أنا أستمتع بالحياة مثل أي شخص آخر”.

يؤدي عدم العيش في مجتمع مستقر إلى فقدان القدرة على تكوين الصداقات طويلة الأمد، وهو ما أدى بدوره إلى الشعور بالوحدة والاكتئاب.
يتضاعف عدد المصابين بالاكتئاب لدى جيل “زد” بين عامي 2011 و2021. (شترستوك)

بدأ منحنى نسبة الشباب في الصف الثاني عشر الذين يتفقون مع مقولة “أنا غير راضٍ عن نفسي” و”أنا غير راضٍ عن الحياة بشكل عام” منذ 2012م، التصاعد بشكل غير مسبوق.

وبالنظر إلى الإحصائيات المتوفرة، يظهر أن هذا الجيل قد تضاعف فيه عدد المصابين بالاكتئاب بين عامي 2011 و2021. وفي موازاة ذلك، ارتفعت معدلات الانتحار كذلك، متجاوزة المستويات المرتفعة السابقة في أوائل التسعينيات، فتضاعف معدل الانتحار بين المراهقين تقريبًا بين عامي 2007 و2019، وقفز بنسبة 41% لمن هم في أوائل العشرينيات من العمر.

ولعل الأمر الأكثر إثارة للصدمة، هو أن معدل الانتحار بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و14 عامًا -ومعظمهم من طلاب المدارس الابتدائية والمتوسطة- قد تضاعف ثلاث مرات بشكل عام، وتضاعف أربع مرات تقريبًا عند الفتيات.

18 عامًا اليوم = 14 عامًا سابقًا

وممّا لاحظه بعض المراقبين، وجود متلازمة لدى جيل “زد” الأميركي، أطلقوا عليها مسمّى “متلازمة بيتر بان”، وهي تعني عدم رغبة هذا الجيل في النضج، إذ يرفض أن يتولى مسؤوليات مرحلة الرشد، ويريد أن يظل أطفالًا في تعامله مع متطلبات المعيشة، ويغلب عليه التحطم مع أول صدام حقيقي له مع مشاكل وضغوط الحياة، ويتصرّف بشكل غير مسؤول أمام واجباته الحياتية، ولديه رغبة دائمة في التهرب من أعباء الحياة، وهو ما يجعلهم أقرب إلى كونهم أطفالًا كبارًا في المجتمع.

وإذا ما قارنّاهم بالأجيال السابقة من المراهقين، فإن المراهقين من الجيل “زد” يؤجلون الحصول على رخصة القيادة، ويؤجلون أيضًا المشاركة في كل نشاط آخر مرتبط بالاستقلال والبلوغ بحسب الثقافة الأميركية، مثل الارتباط بشخص عاطفيًّا والعمل مقابل أجر.

 “يبدو الذين يبلغون من العمر 18 عامًا الآن في الولايات المتحدة، مثل الأطفال الذين يبلغون من العمر 14 عامًا في الأجيال السابقة”

عالمة النفس الأميركية جين توينج

 

يعمل هذا التأخر في الانخراط في أنشطة البالغين، على تمديد فترة المراهقة عند الجيل “زد”، فمرحلة المراهقة التي كانت تبدأ في الأجيال السابقة عند 14 عامًا وتنتهي بحلول 18 أو 19 عامًا كحد أقصى، صارت تنتهي عند الجيل “زد” متأخرة، وهو ما أكدته العديد من الدراسات، التي أشارت إلى أن متوسط مرحلة المراهقة حاليًّا صار ينتهي عند سن 25 عامًا، وهو ما يعني أنه قبلها يظل الشخص مراهقًا في مشاعره وفي علاقاته بالآخرين، وفي تعامله مع مشاكل الحياة اليومية، وفي فهمه وتصوره لحقائق الأشياء وطبائع الأمور.

تسمي توينج هذه الحالة “الحياة البطيئة” (Slow Life)، وتقول إنها انتشرت على مدار الأجيال الأميركية الخمسة الماضية؛ فعندما تعمل التكنولوجيا على إطالة العمر وتتطلب المزيد من التعليم لتحقيق الاستقلال الاقتصادي، يكون لدى الآباء عدد أقل من الأطفال وينمو هؤلاء الأطفال بشكل أبطأ.

الهويات الجنسية السائلة

يرفض جيل “زد” الأميركي -في معظمه- ثنائية الهوية الجنسية (ذكر وأنثى)، ويراها أكثر اتساعًا من ذلك؛ لتشمل “المتحولين جنسيًّا” (Transgenders)، و”الشخص اللامعياري” (Non-Binary)، وغير ذلك، حتى وصلت إلى 72 هوية جنسية، وقد ذهب بعضهم إلى أكثر من ذلك.

لذا تنقلب المعايير الخاصة بالذكر والأنثى رأسًا على عقب. فعلى سبيل المثال، ينتشر في أوساط هذا الجيل الأميركي، الذكور الذين يستخدمون أدوات التجميل، كما يفعل اليوتيوبر جيمس تشارلز، صاحب الأربعة والعشرين مليون متابع، وترى الذكر صابغًا شعره بكل ألوان الطيف، وتراهم يرتدون الحليّ، كما ترتدي الإناث ملابس الرجال، بل يتعمد بعضهن ترك شعر الذقن والشارب والإبط وسائر الجسم دون إزالته، في سبيل إظهار التمرد على المعايير التقليدية للرجولة والأنوثة.

Many people holding transgender flags high in the sky
ينشط جيل زد بشكل كبير في دعم قضايا الحريات والهويات الجنسية (غيتي إيميجز)

لقد ظلت أفكار الهويات الجنسية مطروحة في الساحة الأميركية بقوة، منذ ستينيات القرن الماضي، إلا أن هذا الجيل، بحسب إحصاء أجرته Nationscape))، هو أول جيل في أميركا تعتقد أغلبيته أن هناك أكثر من هويتين اجتماعيين (Genders) في البشر. فبعد أن كانت أفكار الجندر هامشية في الأجيال السابقة، أصبحت الآن مع هذا الجيل مركزية، وفي حين أن 1 فقط من كل 1000 (0.1%) من آباء جيل “زد” يعتبرون أنفسهم “متحولين جنسيًّا”، فإن 23 من كل 1000 من أبنائهم (2.3%) يعتبرون أنفسهم كذلك، أي أكثر بـ20 ضعفًا.

لماذا دعم جيل “زد” القضية الفلسطينية؟

يميل جيل “زد” إلى التعبير عن هوياتهم واهتماماتهم بالشأن العام، فينجذبون مثلًا إلى الخطابات السياسية التي تضع القضايا الاجتماعية والثقافية المتعلّقة بالهويات الجنسية والداعمة للنشاط المناخي في المركز. وربما يكون هذا أحد الأسباب المفسرة لميل هذا الجيل إلى الديمقراطيين بنسبة تأييد تصل -بحسب الاستطلاعات- إلى 65%، بينما تنخفض نسبة تأييده للجمهوريين إلى 35%.

إضافة إلى ذلك، يؤمن هذا الجيل بأن النظام الأميركي نظام عنصريّ تتغلغل فيه الممارسات التمييزية عبر كل أذرعه وفي كلّ قضاياه، ولذا فإنه جيل يتميز بالخيارات الراديكالية التي تقع على نهاية الطيف السياسي، مما قد يعزز الاستقطاب داخل الولايات المتحدة. يتوقع جيسون ديل جانديو، أستاذ الاتصالات ومؤلف كتاب “الخطابة للمتطرفين” (Rhetoric for Radicals)، أن الجيل “زد” سيشبه في نهاية المطاف نشطاء الستينيات، ويشير إلى أن الفترتين الزمنيتين اتسمتا بالاستقطاب السياسي.

طالبة جامعية في نيويورك تقف في مسيرة مناهضة لحرب الإبادة في غزة (غيتي)

لذلك، لما انطلقت حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2023، لم تكن مسألة فلسطين بالنسبة لهذا الجيل مجرد قضية سياسية خاصة بالشرق الأوسط، وإنما كانت قضية نظام أميركي داعم لإبادة جماعية منافية أخلاقيًّا للقيم الأميركية، وقضية رؤوس أموال توجّه للاستثمار في تقنية ودول غير مجدية اقتصاديًّا للشباب الأميركي، وكذلك قضية تهميش للشباب -المهمش أصلًا- في عملية اتخاذ القرار.

لذلك، فإن الموقف الذي يبدو سياسيًّا عند هذا الجيل، كدعم كثير منهم للقضية الفلسطينية، لا تكون منطلقاته سياسية، بل تكون نابعة مما يراه “قضايا عدالة اجتماعيّة”، فتستوي عنده القضايا ولا يرى فرقًا بينها. فمثلًا لا يرى جيل “زد” فرقًا بين حركة “حياة السود مهمة” (Black Lives Matter)، وحركة LGBTQ)+)، والحراك الداعم للقضية الفلسطينية، إذ يرى أن قمع الشرطة للاحتجاجات الداعمة لفلسطين، يشبه الممارسات العنصرية للشرطة ضد ذوي البشرة السوداء، وهو ما يشبه أيضًا قمع الشرطة للمثليين والمتحولين في الستينيات.

وقد سارع هذا الجيل إلى التعبير عن أفكاره وقيمه على منصات التواصل الاجتماعي، وكانت منصة “تيك توك” هي الأكثر استخدامًا بين الشباب. وقد دفع ذلك المرشحة الجمهورية للرئاسة الأميركية السابقة نيكي هايلي، إلى تصريح في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تقول فيه: “نحن بحاجة ماسة إلى حظر تيك توك إلى الأبد، دعوني أخبركم لماذا، كل شخص يشاهد تيك توك لمدة 30 دقيقة يوميًّا، يصبح أكثر معاداة للسامية وأكثر تأييدًا لحماس بنسبة 17%، نحن نعلم الآن أن 50% من الشباب بين 18 و25 عامًا، يعتقدون أن حماس لها ما يبرر فعلتها (في 7 أكتوبر) ضد إسرائيل، وهذه مشكلة”.

في مقال رأي نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت على موقعها الإلكتروني
يعد تطبيق التيك توك من أكثر التطبيقات الاجتماعية استخدامًا بين جيل زد (رويترز)

هكذا، إذا أردنا أن نضع لجيل “زد” (Z)عنوانًا لهويته، فإنه سيكون التنوع. فهو الجيل الأكثر تنوعًا عرقيًا وإثنيًا من البالغين الأميركيين على مر التاريخ، كما يتبنى تشكيلة من الخيارات الواسعة في التوجهات الجنسية. ونتيجة لذلك، يحدث هذا الجيل ضجيجًا مستمرًا في الحياة العامة والمجال السياسي في الولايات المتحدة، التي يُظهر فيها علامات واضحة على شعور عام لديه بالسخط على النظام، ويمتلأ بالرغبة الجامحة لتغيير النظام الذي يعتقد أنه لم يعد يعمل بكفاءة، فقد وجه إليه النظام ضربات اقتصادية وسياسية أدت إلى إصابته بوباء غير مسبوق من تدهور الصحة النفسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى