بشهادات إسرائيلية.. الانتهاكات في “سدي تيمان” ترتقي لجرائم حرب | سياسة
مراسلو الجزيرة نت
القدس المحتلة- شرعت مصلحة السجون الإسرائيلية، هذا الأسبوع، بنقل الأسرى الفلسطينيين من قطاع غزة الذين يحتجزهم الجيش الإسرائيلي في معسكر “سدي تيمان”، إلى قسم الخيام في سجن النقب “كتسيعوت” والمعتقلات التي تشرف على إدارتها، وذلك وفقا لقرار صادر عن المحكمة العليا في القدس المحتلة.
وأتى قرار المحكمة العليا عقب الالتماس الذي قدمته جمعية حقوق المواطن، وأطباء لحقوق الإنسان، ومركز حماية الأفراد، ولجنة مناهضة التعذيب في إسرائيل، و”مسلك-جيشا”(مركز للدفاع عن حرية التنقل)، حيث طالبت جميعها بإغلاق “سدي تيمان” ووقف تعذيب الأسرى الفلسطينيين المحتجزين داخله، إذ يتعرضون للضرب والتنكيل ليس بناء على شبهات ومعلومات استخباراتية ضدهم، وإنما انتقاما وعقابا على عملية “طوفان الأقصى” التي جرت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتزامنا مع مداولات المحكمة العليا التي ألزمت الحكومة الإسرائيلية بإخلاء المعسكر من الأسرى الغزيين، كشف تقرير لصحيفة “هآرتس” النقاب عن أن الجيش الإسرائيلي يجري تحقيقا جنائيا ضد جنوده في مقتل 48 فلسطينيا تحت التعذيب والتنكيل، معظمهم أسرى تم أسرهم في قطاع غزة، من بينهم 36 معتقلا في “سدي تيمان”.
جريمة حرب
وقالت جمعية حقوق المواطن في بيان إن “سدي تيمان” هو مكان ترتكب فيه الجرائم، ولا يستجيب لمعايير القانون الإسرائيلي والدولي الخاصة بالسجن، وإن استمرار احتجاز الأشخاص هناك يعد غير قانوني وقد يرقى إلى جريمة حرب، “فالانتهاكات الجسيمة لحقوق المعتقلين تجعل الحرمان من الحرية في المنشأة غير دستوري، لذا يجب إغلاقه والتوقف عن استخدامه”.
وذكرت المحامية روني بيلي من جمعية حقوق المواطن، في استعراضها للالتماس للمحكمة العليا، أن ظروف الاحتجاز في “سدي تيمان” قاسية جدا وغير إنسانية، ولا تتماشى حتى مع أدنى المعايير التي حددتها المواثيق الدولية وحتى القوانين الإسرائيلية، إذ إن عملية تصنيف المعتقلين واحتجازهم والتحقيق معهم ترتقي لجريمة حرب.
وبحسب الإفادات والشهادات والأدلة التي جمعتها منظمات حقوقية تعنى بشؤون الأسرى، وإفادات لغزيين أخلي سبيلهم من المعسكر، وانطباعات لمحامين سمح لهم بزيارته، فإنه يتم احتجاز الأسرى وهم مكبلو الأيدي ومعصوبو الأعين داخل أقفاص بأوضاع قاسية ومزرية، تحت طائلة التعذيب الجسدي والنفسي والانتهاكات، دون توفير الحد الأدنى من الظروف الإنسانية للمعتقلين.
وتراكمت لدى المنظمات والجمعيات الحقوقية الأدلة حول ما يحدث في “سدي تيمان”، اعتمادا على إفادات لبعض العاملين في قطاع الصحة والجنود الذين خدموا بالمعسكر، حيث تكشف واقعا لا يمكن تخيله بكل ما يتعلق بالعلاج والعمليات الجراحية التي خضع لها بعض الأسرى الجرحى دون تخدير، وبتر الأعضاء لبعضهم بسبب تكبيل أطرافهم حثى أثناء قضاء الحاجات والنوم أو حتى العلاج.
واحتجز الجيش الإسرائيلي الأسرى الغزيين في مناطق صحراوية مفتوحة داخل أقفاص من حديد محاطة بسياج شائك، دون أسرة أو أي معدات وبلا مستلزمات أساسية للإنسان، حيث تم إنشاء مستشفى ميداني مكون من 5 خيام، لكنه لا يقدم الحد الأدنى من الاحتياجات الطبية للمحتجزين وخاصة الجرحى منهم، بحسب إفادات لأطباء خدموا في المستشفى الذي أدارته شركة خاصة.
“معضلات أخلاقية”
جاء في إفادة طبيب إسرائيلي كان في المستشفى الميداني في المعسكر “إننا تحولنا جميعا، الطواقم الطبية والمستوى المسؤول عنا في وزارة الصحة ووزارة الدفاع، إلى شركاء في انتهاك القانون الإسرائيلي، وربما الأسوأ بالنسبة لي كطبيب انتهاك التزامي الأساسي تجاه المرضى أينما كانوا، كما أقسمت عندما تخرجت قبل 20 عاما”.
وتنضم كلمات هذه الشهادة، التي وثقتها منظمة أطباء لحقوق الإنسان، إلى الكثير من المعلومات التي يتم الكشف عنها حول ما يحدث، وظروف احتجاز الأسرى الغزيين الجرحى في معتقلات الجيش الإسرائيلي.
وأضاف الطبيب في إفادته التي قدمت للمحكمة العليا الإسرائيلية أنه منذ الأيام الأولى لتشغيل المنشأة الطبية الميدانية في “سدي تيمان” وحتى اليوم، يواجه ما وصفه بـ “معضلات أخلاقية صعبة”، حيث إن خصائص أنشطة المنشأة لا تتوافق مع أي من البنود المتعلقة بالصحة التي ينص عليها قانون سجن المقاتلين غير الشرعيين، حسب قوله.
وأشار إلى أن المستشفى الميداني لا يتلقى إمدادات منتظمة من الأدوية والمعدات الطبية، وأن جميع مرضاه الأسرى مكبلون من أطرافهم الأربعة بغض النظر عن مدى خطورتهم، ويتم تغطية أعينهم ويتم إطعامهم باستخدام القشات، ويقول “في الواقع، حتى المرضى الأسرى الصغار والأصحاء يفقدون الوزن بعد حوالي أسبوع أو أسبوعين من المكوث في المستشفى الميداني”.
ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، وتحديدا منذ بدء عملية التوغل البري بالقطاع، أكدت منظمة أطباء لحقوق الإنسان في بيان لها أن “الجيش الإسرائيلي اعتقل آلاف الغزيين، من بينهم قاصرون ونساء ومسنون، وعشرات الطواقم الطبية، ولم تنجح كل المحاولات لتحديد مكانهم جميعا، أو الحصول على معلومات عن حالتهم ومصيرهم، وسط الإخفاء القسري بحق الكثير منهم”.
هواجس لاهاي
أنشأ الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية معسكر “سدي تيمان” بعد وقت قصير من بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وخصص لاحتجاز نشطاء من حركة حماس وأسرى غزيين بشكل مؤقت حتى يتم نقلهم إلى السجون الإسرائيلية.
لكن مصلحة السجون الإسرائيلية، وبذريعة الاكتظاظ في المعتقلات المدنية والعسكرية، عارضت نقل الأسرى من المعسكر، حيث احتجزت الأجهزة الأمنية داخله قرابة 1500 معتقل من قطاع غزة.
وتتعارض ظروف المعسكر مع “قواعد مانديلا” (قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء) و”اتفاقية مناهضة التعذيب”، وحتى القانون الإسرائيلي للتعامل مع “المقاتلين غير الشرعيين”، فضلا عن تنافي ظروفه مع المواثيق الدولية المتعلقة باحتجاز أسرى الحرب، وسط انتهاكات جسيمة لحقوق المعتقلين التي ترتقي إلى جرائم حرب.
ولتجنب أي مساءلات قانونية لإسرائيل بمحكمة العدل الدولية بكل ما يتعلق باحتجاز أسرى الحرب، أوعز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإيجاد حل لمشكلة المعتقلين الغزيين المحتجزين في المعسكر، حيث أجبر وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير على نقل الأسرى الغزيين إلى معتقلات تحت مسؤولية مصلحة السجون، وطالبه بتقديم خطة لإنشاء آلاف الأماكن بالسجون الإسرائيلية مخصصة للفلسطينيين الذين يتم اعتقالهم من القطاع.