المونة اللبنانية.. رمز التحدي والصمود في زمن الحرب | أسلوب حياة
جنوب لبنان – تخيل نفسك في إحدى القرى الحدودية اللبنانية، حيث تهدد الغارات والقصف الإسرائيلي حياتك بشكل دائم. ولكن، في وسط هذا الخراب، يحتفظ منزلك بكنز ثمين: المونة اللبنانية. بهذه الكلمات بدأ أيمن القادري حديثه مع الجزيرة نت، موضحا كيف تحولت التهديدات اليومية إلى رمز للصمود.
بإصرار وتحد، يواصل ابن بلدة كفرشوبا في الجنوب اللبناني تحضير المونة البلدية التي ورثها عن أجداده. في ظل أجواء الحرب، لا تعتبر هذه المونة مجرد طعام، بل هي تجسيد لمقومات الصمود رغم كل الصعاب. كل يوم يمثل تحديا جديدا بالنسبة له، لكنه يرى في عمله وسيلة للحفاظ على جزء من هويته وتراثه.
مونة تحت القصف
في الماضي، كانت البلدة تنبض بروائح اللبنة الطازجة والكشك والمربيات المحضرة بعناية خلال هذه الفترة من العام. ولكن الحرب جاءت كضيف ثقيل، قلبت الأمور رأسا على عقب. تحولت أجواء البلدة من الاستعداد والانتظار إلى مشهد من الدمار: البيوت مهجورة، السكان نازحون، وطرق البلدة فارغة ومحفوفة بالمخاطر، بينما أغلق العديد من الدكاكين أبوابها.
رغم هذه الأحوال المتغيرة، يصر القادري على جمع حبوب القمح وتحويلها إلى طحين، الذي أصبح عصب الحياة في كفرشوبا. يبدأ يومه بتفقد المحصول والاهتمام به، بينما أصوات القصف تملأ الأجواء وتقطع الصمت، ومع كل لبنة يصنعها، وكل قطرة زيت يعصرها، وكل حفنة زعتر يجمعها، يردد دائما: “هذه قصة أرض وشعب لا ينكسر”.
المونة انتصار ضد الحرب
وباستخدام ما هو متاح، يحول الطماطم إلى دبس، والخضروات إلى مخللات، والتين إلى مربى، لتوفير الغذاء لعائلته لموسم الشتاء وبيع جزء منه كمصدر رزق.
ويعتبر القادري عملية تحضير المونة في لبنان انتصارا صغيرا ضد الحرب والظروف القاسية. وحتى في أصعب الأوقات، يواصل العمل بيده، زارعا بالأخرى، ومتمسكا بأرضه.
بينما يواصل القادري مقاومة الظروف الصعبة، يظهر أيضا ارتباط الناس بتقاليدهم من خلال قصص أخرى. ففي قلب القرى اللبنانية، حيث تلتقي العادات بالحياة اليومية، نجد أم عادل تجسيدا آخر لهذه الروح. فتمسكها بالمونة البلدية ليس مجرد ممارسة تقليدية، بل هو تعبير عن ارتباط بالتراث واحتفاظ بهوية تعزز من التحدي والصمود.
من المونة البلدية إلى الغريبة
تقول أم عادل للجزيرة نت، وهي من منطقة الغازية في محافظة الجنوب، بفخر كبير: “المونة جزء مني وأنا منها، ولا يمكنني التخلي عنها”.
وبحب وشغف كبيرين، تكرس أم عادل وقتها الكامل لتحضير المونة بمختلف أنواعها، من المونة البلدية التقليدية إلى الغريبة الشهية. ودائما على استعداد لاستكشاف وتجربة كل ما هو جديد في عالم المونة.
من بين منتجاتها المميزة والتي تثير الفضول، مكدوس الوبيا الفريد، ومخلل اللوز المميز، ومخلل الترمس مع الجزر، بالإضافة إلى الحر بالزيت مع إكليل الجبل. كل واحدة من هذه الوصفات تعكس مهارتها.
لكل موسم مونة خاصة به
وتشير أم عادل إلى أن لكل موسم مونة خاصة به، وتعتبر الكشك من أبرز الأطعمة الشتوية، سواء كان معدا كطبق طعام أو على شكل فطائر. وعلى الرغم من أن تحضير الكشك يستلزم جهدا ووقتا، إلا أنه يعتبر من أساسيات المونة.
تقول أم عادل للجزيرة نت، إن لا شيء مستحيل، فتقوم بتجفيف وتخزين كل ما يمكن تخيله، من الفواكه إلى الورقيات. تشمل قائمة المونة لديها الفريك، والملوخية، والكمونة الجنوبية (بهارات الكبة اللبنانية)، والمقطرات مثل ماء الزهر والقصعين، إلى جانب العصائر ودبس الرمان.
منتجات متنوعة
ولا تقتصر منتجاتها على الفواكه فقط، فهي أيضا تصنع مربيات متعددة مثل مربى المشمش والتين والفراولة واليقطين، وتبقى مستعدة لتحويل أي نوع من الفواكه إلى مربى حسب توفره.
تعد اللبنة، التي تعرف أيضا بالـ”مكعزلة”، مكونا رئيسيا عند أم عادل، حيث يمكن الاحتفاظ بها لفترة طويلة. يتم التفنن في تحضيرها من خلال إدخال نكهات مميزة مثل السماق، والحرّ، والزعتر، والسمسم، والورد.
فنون المونة
كل عمل تقوم به أم عادل يتم يدويا، وقد تعلمت فنون المونة من خلال دورة تدريبية حصلت فيها على المركز الأول. ومع مرور الوقت، تعمقت معرفتها عبر متابعة المواقع الإلكترونية والفيديوهات، وهذا زاد من خبرتها وحبها للمهنة. يعتبرها من حولها موهوبة، ويُعجب الجميع بجودة ما تصنعه.
ومنذ 9 سنوات، تحولت المونة إلى مصدر رزق رئيسي لها، بعدما كانت مقتصرة على العائلة والأصدقاء. أصبحت أم عادل الآن وجهة للزبائن والمغتربين، رغم أن الظروف الحالية والحرب على الحدود اللبنانية أثرت على الموسم.
إلا أنها تظل صامدة وتواجه التحديات، تسعى للتأقلم مع الوضع الجديد رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة والقلق المتزايد بين الناس، وهذا يحد من قدرتهم على شراء المونة بكميات كبيرة.