بعد مسيّرة الحوثيين.. هل يفتح الاحتلال مرحلة جديدة في الحرب؟ | سياسة
القدس المحتلة- “يُعتبر 7 أكتوبر للدفاع الجوي الإسرائيلي، ليس أقل من ذلك”، هكذا وصف مسؤول عسكري إسرائيلي كبير الحدث الذي أصابت فيه طائرة بدون طيار أطلقها الحوثيون من اليمن شقة في وسط تل أبيب، بالقرب من السفارة الأميركية، في حديث له مع صحيفة “كلكليست” الإسرائيلية.
وعكس هذا التصريح للمسؤول العسكري الإسرائيلي توافق التحليلات للإسرائيليين بأن نجاح الحوثيين في إطلاق مسيرة متفجرة إلى وسط تل أبيب هو فشل مدوٍّ لنظام الدفاع الجوي، وقد يشكل نهاية التفوق الجوي المطلق لإسرائيل.
وكانت جماعة أنصار الله الحوثي قد أعلنت في صباح الجمعة 19 يوليو/تموز، في اليمن أنها استهدفت تل أبيب بطائرة مسيرة قادرة على التخفي عن الرادار، وأسفر الهجوم عن تفجير أحد المباني وقتل شخص واحد مع وقوع عدد من الإصابات.
وجاء رد الاحتلال مساء السبت حيث شنت المقاتلات الإسرائيلية سلسلة غارات على ميناء مدينة الحديدة غربي اليمن بعد يوم واحد من أول هجوم لجماعة أنصار الله (الحوثيين) على تل أبيب بطائرة مسيّرة
وفي سيناريو توجيه المزيد من الضربات بالمسيرات لتل أبيب، تتفق التحليلات الإسرائيلية أنه يمكن للحوثيين إرسال طائرة بدون طيار من اليمن ستمر فوق أراضي مصر على ارتفاع منخفض، ثم تتجه شمالا وتحلق على ارتفاع أمتار فوق أمواج البحر الأبيض المتوسط، ثم ترتفع وتضرب تل أبيب، حيث لا تحتاج هذه المسيرة إلى قيادة، ولكنها مبرمجة مسبقا لتغيير المسار والارتفاع.
فشل النظام
يقول الصحفي يوفال أزولاي المختص في الصناعات الجوية، إن ما يعزز الفشل والإخفاق لنظام الدفاع الجوي الإسرائيلي أن نظام الدفاع الجوي التابع لسلاح الجو الإسرائيلي لديه تدابير إضافية، كان من المفترض أن تساعده على اكتشاف التهديد المقترب، مثل الكشف عبر الأقمار الصناعية، والكشف بالوسائل البصرية والرادارات.
ولفت أزولاي في تقرير له في “كلكليست” إلى أنه عندما يتعلق الأمر بالتحقيق في الفشل الفادح، سيتعين على القوات الجوية الإسرائيلية أيضا التحقق مما إذا كانت القوات الأميركية المنتشرة في البحر الأحمر والخليج العربي قد اكتشفت حركة مرور مشبوهة في المنطقة، ويتساءل “ماذا اكتشفوا، وماذا فعلوا، وهل هناك أي ثغرات في التنسيق مع القوات الأميركية”.
وبحسب تقديرات قيادات عسكرية إسرائيلية، فمن المحتمل بحسب ما يقول أزولاي أن “يزيد الحوثيون من محاولاتهم لقصف إسرائيل بالمسيرات والصواريخ بعد نجاح تفجير مسيرة في تل أبيب”، حيث لا يستبعد أن تكون هناك محاولات لهم لتوجيه ضربات موجعة إضافية، وقد يحفز ذلك تنظيمات مسلحة أخرى في العراق وسوريا لزيادة جهودها في إيذاء إسرائيل.
توقع تواصل المسيرات
وفي مؤشر على تكتم إسرائيل على حجم الأضرار جراء الهجمات بالصواريخ والمسيرات التي نفذتها جماعة الحوثي، قال محلل الشؤون العسكرية بالموقع الإلكتروني لصحيفة “يديعوت أحرونوت” رون بن يشاي، إن “الأخطاء البشرية والأعطاب الفنية كانت وستظل موجودة بشكل رئيسي في الحرب المكثفة التي يشنها ضد إسرائيل مبعوثو إيران، من جميع اتجاهات الهجوم المحتملة”.
وزعم بن يشاي أن الدفاعات الجوية الإسرائيلية تمكنت من اكتشاف واعتراض أكثر من 200 طائرة بدون طيار وصواريخ تم إطلاقها من اليمن، ويضيف “لكن علينا أن نعترف أنه ليس لدينا إجابة جيدة وكاملة للمشكلة العسكرية التكنولوجية المتمثلة في أن المسيرات تشكل تهديدا لإسرائيل”.
ويعتقد المحلل أن المسيرات المتفجرة التي يطلقها حزب الله وجماعة الحوثي أو المليشيات العراقية، ستتواصل وتضع إسرائيل أمام الكثير من التحديات، كونها طائرات لها القدرة على المناورة والاختفاء من الرادار بطريقة لا يمكن اكتشافها، وأحيانا ترتفع للحظة قبل أن تسقط وتنفجر على أهدافها.
وأشار إلى أنه فقط عندما يكون هناك نظام سلاح ليزر محمول جوا، وهو ما سيحدث على الأرجح في غضون عام أو عامين بحسب تقديرات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، فإنه سيكون من الممكن اكتشاف واعتراض المسيرات التي تطلق على الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
و قال بن يشاي إنه “بحسب تقسيم العمل الذي تقوم به القيادة المركزية الأميركية يفترض أن يتولى الأميركيون اعتراض الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية فور إطلاقها من اليمن باتجاه إسرائيل”.
وأوضح أن السفن الأميركية التابعة للأسطول الخامس تنفذ هذه المهمة منذ 9 أشهر، لكن الأميركيين يكتفون بالغالب برصد المسيرات والصواريخ بعد إطلاقها واعتراضها بحال اكتشافها، ولا يبادرون إلى عمليات هجومية في أماكن تجمعها في الأراضي اليمنية أو العراقية، وذلك خوفا من اندلاع حرب إقليمية.
وحيال ذلك، يعتقد المحلل العسكري أن إسرائيل بحاجة للتوصل إلى تفاهم جديد مع الأميركيين، وربما أيضا إلى تقسيم جديد للعمل، حيث لن يكتفي الجيش الإسرائيلي فقط باعتراض ما يصل إلى حدود إسرائيل أو قريبا منها، بل يهاجم أيضا المناطق التي تمتنع أميركا عن مهاجماتها لدوافع سياسية وإستراتيجية.
هل تتوسع الحرب
وتحت عنوان “المسيرة المتفجرة بتل أبيب تمثل مرحلة جديدة في حرب 7 أكتوبر”، كتب المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” آموس هرئيل، مقالا استعرض من خلاله المؤشرات والدلالات لقصف تل أبيب من اليمن، واحتمال توسع الحرب الشاملة وخيارات إسرائيل أمام هجمات الحوثي، وإمكانية توظيفها للضغط على إسرائيل لفك الحصار عن قطاع غزة.
وبحسب تقديرات المحلل العسكري فإن الهجوم بالمسيرة المتفجرة يعني إعلانا للحوثيين أن تل أبيب ستكون من الآن فصاعدا هدفا مركزيا لهجماتهم، قائلا إنهم “عدو شرس يصعب ردعه، وإنهم يستثمرون الكثير من الجهد في الحرب النفسية، وهم مجهزون بأسلحة بعيدة المدى ومتطورة نسبيا تدريجيا، والتي توفرها لهم إيران”.
وقال المحلل العسكري إن إسرائيل تستطيع -من حيث المبدأ- ضرب أهداف باليستية لجماعة الحوثي من الجو”، لكنه يستدرك بالسؤال “ما هي القيمة المضافة لمثل هذه التحركات والضربات من جانب إسرائيل بعد الهجمات الغربية”.
وقد شنت طائرات إسرائيلية فعليا، غارات اليوم السبت على مدينة الحديدة غربي اليمن. وقالت وسائل إعلام تابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) إن مدينة الحديدة تعرضت لغارات استهدفت منشآت تكرير النفط في الميناء.
ويعتقد المحلل العسكري أن إسرائيل لديها أولويات، وتحتاج أيضا إلى توزيع مواردها القتالية على ساحات أخرى، والتي يبدو بعضها حاليا أكثر إلحاحا، مثل الحرب مع حماس، والأكثر من ذلك احتمال نشوب حرب شاملة مع حزب الله المدعوم من إيران ومجموعة من المليشيات في العراق وسوريا، وبالتالي فإن “غارات إسرائيلية على مواقع في اليمن تبقى هامشية وثانوية ومجرد محاولة رد اعتبار”.
وحسب قراءات إسرائيلية، استخدام المسيرات يمنح المنظمات المسلحة ميزات وأفضلية وإمكانيات غير محدودة تقريبا، وذلك لأنها بسيطة ورخيصة ومن الممكن إطلاق العديد منها في الوقت نفسه، ويمكن لتلك المسيرات أن تطير آلاف الكيلومترات، ويمكن برمجة نظام الملاحة الخاص بها بحيث تتخذ مسارا التفافيًا يخدع وسائل الكشف والرادار.